back to top
المزيد

    القوة المادية والتكتلات الاقتصادية

    صادق علي حسن: ماجستير علوم سياسية – علاقات اقتصادية

    يعيش العالم اليوم اضطرابات عديدة تستوجب من الدول إعادة النظر مرة أخرى في مسار سياساتها الاقتصادية، إذ أضحت اليوم هذه الاضطرابات الدراماتيكية تحول دون تحقيق مستويات التنمية ومتطلباتها الأخرى بجهدٍ منفرد، من دون أن تلجأ إلى غيرها من الدول؛ لتبادل المنافع المشتركة وتقاسمها، ويعد التكامل الاقتصادي بين الدول النامية جانباً من جوانب متعددة، يدخل في استراتيجية التنمية، إذ يستحيل تحقيق تنمية مستقلة في مواجهة نظام دولي يرفض هذا التوجه بإمكانية فردية، ومن هذا المنطلق استمدت فكرة التكتلات الاقتصادية شرعيتها ومبرراتها .

    ظهرت التكتلات على الخريطة السياسية ضمن الجغرافية السياسية، التي تعد المتغير الاقتصادي الرئيسي القائم على الإجراءات والترتيبات التي تسعى إلى التكامل بين مجموعة من الدول المتجانسة جغرافياً وثقافياً وسياسياً وهدفها تحقيق مكاسب اقتصادية واستثمارية، فضلاً عن تطوير التجارة البينية، والنهوض في البنى التحتية؛ لتحقيق الرفاهية الاقتصادية عن طريق رفع مستويات التنمية بمختلف أشكالها، ولعل ما يميز هذه التكتلات بدافع إنشائها هو بروز التحدي الاقتصادي على باقي التحديات ولاسيما السياسي التفاوضي منها، والأمني السيادي في ميدان العلاقات الدولية؛ لهيكلة التنظيم الدولي وإعادة توزيع الأدوار بين الدول من حيث درجة تأثيرها في ميدان العلاقات الاقتصادية الدولية.

    ومن أهم هذه التكتلات:

    أولاً: الاتحاد  الأوروبي: تعود فكرة إنشاء الاتحاد الأوروبي إلى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهذا يعكس مدى التفاهم والانسجام بين الدول، إذ أصبح الاتحاد الأوروبي من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم، وأكثرها اكتمالا من حيث البنى والهياكل التكاملية، والإمكانيات؛ وإن هذا التكتل يهيمن تجاريا على أكثر من ثلث التجارة العالمية، ويحصل على أكبر دخل قومي في العالم، ويعد أضخم سوق اقتصادية داخلية، ويبلغ عدد سكان الاتحاد الأوروبي عام 1960 حوالي (409) ملايين نسمة، بينما بلغ تعداد سكانه في عام 2015  حوالي (507) ملايين نسمة، أي حدثت زيادة بنسبة (100) مليون نسمة، مع ارتفاع بمستوى دخل الفرد نسبياً[1]؛ لذلك يعدُّ الاتحاد الأوروبي من أقوى التكتلات الاقتصادية ذات الأبعاد السياسية بين 28 دولة أوروبية، إذ يغطي معظم قارة أوروبا، وآخر الدول المنضمة إليه كانت كرواتيا التي انضمت في 1 يوليو/تموز 2013، بينما في 23 يونيو/حزيران 2016 قررت المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الأوروبي من خلال استفتاء لمواطنيها؛ لتصبح أول دولة فيه تقوم بذلك ليتراجع عدد دول الاتحاد إلى 27 دولة.

      ثانياً: دول تجمع بريكس:

    بريكس هو اختصار لاقتصادات (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) مجتمعة، كتب عنها (جيم أونيل) كبير الاقتصاديين في مؤسسة (غولدمان ساكس) لأول مرة في عام 2001  [2]، وبرز بعدها في ورقة متابعة نشرت في عام 2003، وكان قد تردد أنّه بحلول عام 2050 أن تتنافس اقتصادات هذه الدول مع اقتصادات أغنى الدول في العالم حالياً، ولم تكشف هذه الدول  علنا الاتفاقية التجارية التي بينها، وقد اجتمع مبعوثو دول هذا التكتل -الذي كان يسمى (البريك) قبل انضمام جنوب أفريقيا- بانتظام منذ 2009 في قمم سنوية، اذ عقدت القمة الأولى في روسيا عام 2009، حضرها كلٌّ من (لويس إيناسيو لولا دا سيلفا من البرازيل، وهو جين تاو من الصين، وديمتري ميدفيديف من روسيا، ومانموهان سينغ من الهند) واتفق هؤلاء على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية الآنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية.

    دخلت جنوب أفريقيا محاولة للانضمام إلى مجموعة (بريك) في شهر اغسطس/ آب من عام 2010 وقد قُبل طلبها في العام نفسه، واتُفِقَ على تغيير اسم المجموعة إلى (بريكس)، وتشكل مساحة الدول المنضوية تحت هذا التكتل ربع مساحة اليابسة، ويقارب عدد سكانها 40% من سكان الأرض، وهذه الدول عملت على تطوير هذا التكتل الاقتصادي إلى تحالف سياسي أيضا يماثل (الاتحاد الأوروبي) أو جمعية لتداول القضايا السياسية المهمة بما تؤهلهم قدراتهم من قوة اقتصادية ليصبحوا أعلى كتلة اقتصادية سريعة النمو[3] .

    كان الاستثمار في اقتصادات (بريكس) في زيادة، وقابل هذه الزيادة انفتاح متنامٍ في العولمة الاقتصادية والمتمثلة (بالولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي) الذين يسيطرون على أغلب مستويات التجارة العالمية، وكانت البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا تمتلك نمواً متسارعاً في الناتج المحلي الإجمالي (GDP) على مدى العقود القليلة الماضية، مع أنّ معدلات الأخيرة اعلى بكثير من تلك الموجودة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، ودول تجمُّع (بريكس) تحمل نسب حساب أعلى قليلا من الصناديق التي تتركز على الولايات المتحدة وأوروبا؛ بسبب ارتفاع تكاليف الاستثمار مباشرة في أسواق الأوراق المالية الأجنبية.

    ثالثاً: تجمع العشرين 

    ترجع فكرة إنشاء مجموعة العشرين إلى منتصف عام 1970، بناءً على مبادرة مجموعة السبع لتجمّع الدول الصناعية  (G-7)، واستمر تطور تشكيل المجموعة إلى عام 1996 حيث انضمت روسيا إلى المجموعة لتصبح مجموعة الثمان (G-8) المتكونة من دول: (فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا)، وفي أعقاب الأزمات المالية، اعترف أعضاء (G-8) بضرورة توسيع التمثيل لدول أمريكا اللاتينية وآسيا، وكان هدف إشراك هذه الدول غير الأعضاء لبحث سبل إصلاح الاقتصاد العالمي، والنظام المالي الدولي وحمايته من الأزمات والتقلبات؛ وعلى أساس ذلك جاء تشكيل مجموعة العشرين في عام 1999 التي ضمت الاقتصادات الناشئة إلى جانب الدول الغنية، وأصبحت تعقد اجتماعاتها بانتظام حتى الأزمة المالية لعام 2008، وقد تركزت معظم اجتماعاتهم على منع الأزمات وحلها، ومكافحة تمويل الإرهاب .[4]

    تعد مجموعة العشرين منتدى غير رسمي، إذ لا يوجد لمجموعة العشرين مقر ثابت ولا موظفون، ويحتضن الأعضاء بالتناوب اجتماع القمم، وتمثل الدول الأعضاء قرابة 90% من الإجمالي العالمي للإنتاج القومي، و80% من نسبة التجارة العالمية (بما في ذلك التجارة الداخلية للاتحاد الأوروبي)، وأيضا تمثل الدول الأعضاء ثلثي سكان العالم، فضلا عن الثقـل الاقتصادي لأعضاء المجموعة الذي يضفي عليها درجة عالية من الشرعية والتأثير عن طريق تعزيز الحوار البناء بين الدول الصناعية والاقتصادات الناشئة  ولاسيما فيما يتعلق باستقرار الاقتصاد الدولي وتطويره، علاوة على إصلاح المؤسسات المالية الدولية، وتحسين النظام المالي، وتركز هذه المجموعة أيضا في دعم النمو الاقتصادي العالمي، وتطوير آليات فرص العمل، وتفعيل مبادرات التجارة المنفتحة. ويشكل تعزيز التنمية بمختلف مناطق العالم أهمية كبرى لمجموعة العشرين، التي تحرص على تنفيذ ذلك من خلال تفعيل آليات التعاون والتواصل مع الدول غير الأعضاء.

    رابعاً: التكتلات الاقتصادية الآسيوية ويمكن تمييزها بمحورين:

    الأول/ رابطة جنوب شرق آسيا المعروفة باسم الآسيان (ASEAN):-

    يتكون هذا التكتل من ست دول هي: (تايلاند، وسنغافورة، وماليزيا، وبروناي، وإندونيسيا، والفلبين)، وقد أنشئ في العام 1967 وكان هدفه في البدء سياسياً، يتلخص بإقامة حلف مضاد للشيوعية، وبعد الأضرار التي لحقت بدول التكتل جراء السياسات المتبعة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا تجاه صادرات تلك الدول، أخذت تهتم بالتعاون الاقتصادي؛ فعليه أُنشئ تكتل (الآسيان) الذي أرسى خطوة مهمة على طريق تأسيس جبهة منظمة مضادة للتكتلات الاقتصادية الأخرى، الذي أخذ دوره يتزايد في التجارة الدولية باستمرار، فبعد أن كانت صادرات المجموعة لا تمثل سوى 3% من إجمالي الصادرات العالمية، وحوالي 5. 11% من إجمالي صادرات الدول النامية، وصلت هذه صادرات هذه الدول إلى 5% من إجمالي الصادرات العالمية، وحوالي 18% من إجمالي صادرات الدول النامية[5] .

    الثاني / جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية والمعروفة باسم (APEC) :-

    تتكون هذه الجماعة من ثماني عشرة دولة على رأسها (اليابان، والصين، وأستراليا، والولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية، ودول رابطة الآسيان) وقد جاء إنشاء هذا التجمع الاقتصادي العملاق كرد فعل على إعلان قيام أوروبا الموحدة عام 1992، وتسيطر هذه الجماعة على حوالي 50% من الناتج القومي الإجمالي العالمي والتجارة العالمية.

    خامساً: تجارب التكتل في الوطن العربي:

    على الرغم من توفر المقومات الاقتصادية والثقافية المطلوبة لقيام تكتل اقتصادي ناجح في الوطن العربي، إلا أن غياب شرط التوافق السياسي بين الأنظمة العربية، وحالة عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول العربية وقفت حائلا دون نجاح معظم تجارب هكذا تكتل في الوطن العربي، باستثناء تجربة دول مجلس التعاون الخليجي، التي بدأت بإنشاء منطقة التجارة الحرة في العام 1981، التي انتقلت بعدها إلى الاتحاد الجمركي في العام 2003، ورغم التقدم النسبي في الترتيبات والإجراءات المتخذة جاء التقرير الاقتصادي الخليجي عام 2005-2006 ليؤكد ضعف مؤشرات التكامل التجاري وانخفاض مستوى التجارة البينية الخليجية، وضعف مجالات الاستفادة من ارتفاع عوائد الصادرات النفطية؛ نتيجة ارتفاع الطلب على السلع المستوردة، وضعف مستوى التنويع الإنتاجي في دول المجلس؛ وكل هذه الأسباب جعلت هذه الدول تتجه نحو الأسواق الخارجية؛ وأدى ذلك إلى تسرب جزء كبير من الأموال الخليجية إلى الخارج، وهذا الأمر يفرض على دول المجلس بذل المزيد من الجهود لرفع مستوى التنويع الإنتاجي من السلع والخدمات التي تحظى فيها بميزة نسبية؛ لزيادة مستوى التكامل الاقتصادي الخليجي  .[6]

    ويمكن حصر أهم الدوافع التي أدت إلى إنشاء هذه التكتلات بالآتي:      

    أولاً: دوافع اقتصادية: يأتي هذا الدافع للتمتع بوفرات الإنتاج الكبير التي يوفرها التكامل الاقتصادي بين الدول لتحسين معدل التبادل الدولي، وفتح مجال للمنافسة، والقضاء على ظاهرة الاحتكار، فضلا عن تشجيع حركة الاستثمار؛ لخلق مناخ ملائم للتنمية الاقتصادية، وتحقيق الأمن الاقتصادي، وتجنب المخاطر والأحداث الأخرى التي تتعرض لها دولة ما؛ فيصبح التكتل بمنزلة التأمين لهذه للدولة.

    ثانيًا: دوافع سياسية: إن التكتلات الاقتصادية هي إحدى صيغ العلاقات الاقتصادية الدولية، فهي عملية تنسيق مستمرة ومتصلة تتضمن مجموعة من الإجراءات التجارية؛ لتحقيق معدل نمو مرتفع، كون الاعتبارات والمصالح الاقتصادية هي المحرك الرئيس لعجلة العلاقات الدولية؛ للسيطرة على الأزمات الاقتصادية الدولية ذات الأبعاد السياسية، وإمكانية تعزيز الأدوار الإيجابية في العلاقات البنيوية للحقوق وتوازنها دولياً؛ لأن أغلبها تقوم في خانة المصالح ولاسيما الاقتصادية منها، التي تعمل بعض التوازنات على الخرائط الجغرافية التي تخدم المنظمات والهيئات الدولية.

    ثالثاً: دوافع أمنية: إنَّ تواصل بناء التكتلات الاقتصادية يأتي للنهوض بواقع العلاقات الاقتصادية الدولية، وجعلها وسيلة لكسب صداقة هذه الدول الكبرى، وتطوير منظومتها العالمية التي تعمل على تراجع وتيرة الحرب والنزاعات الداخلية من طريق رفع مستويات التنمية الاقتصادية، ونشر الديمقراطية، والتي تعزز دور الاقتصاد في تأمين الدول على مكافحة الإرهاب، وتحقيق السلم والأمن الدوليين، وتجنب المشكلات التي يمكن أن  تصيبها.

    بناءً على كل ما تقدم، فإن الهدف المشترك لجميع التكتلات الاقتصادية القديمة أو حتى التي هي حديثة النشأة تأتي لتحقيق مزايا اقتصادية أكبر مقارنة بإمكانياتها المتاحة، وبما تعجز أن تحققه الدولة منفردة؛ لرفع مستوى التجارة البينية الخارجية، واستغلال مواردها الاقتصادية، ورفع مستوى كفاءة مواردها البشرية، وتخليصها من التبعية الاقتصادية، واستقلال اقتصادها عن الدول الخارجة عن التكتل الاقتصادي؛ وهذا بدوره يرفع إمكانية قوتها التفاوضية على المستوى السياسي والاقتصادي، فضلا عن سعيها لحماية إنتاجها المحلي من المنافسة الأجنبية في ظل العولمة وفتح الأسواق؛ وتسمح نظريات النظام (Regime Theory)  بدراسة التفاعل بين القوة المادية وقوة الأفكار، وتسمح كذلك بدراسة تفاوت هيكل القوة داخل النظام، وكيفية تصعيد قيم معينة، اتساقاً مع توجهات القوى المؤثرة داخل النظام، أو تفعليها انتقائيا تجاه بعض الأطراف في بعض الأوقات، وفي هذا السياق سمح المناخ الدولي، عقب انتهاء الحرب الباردة ببروز قيمة “ديمقراطية السوق” ولاسيّما في أبعادها الإجرائية، وأفرز ذلك منظومة الأفكار والسياسات تحت المظلة الفكرية لمفهوم الحكم الرشيد التي تبناها (البنك الدولي)، وصمم في إطارها برامج “المشروطية السياسية” الذي ربط بين الحصول على المعونة واتباع الدول المتلقية للمعونة سياسات اقتصادية وسياسية؛ نتيجة الاختلالات في موازين القوى الدولية، وهذا ينعكس في سلوك وحدات القرار الاقتصادية الأقوى، المتمثل في سياسات المديونية المقيتة، والهيمنة، وعولمة الأزمات الاقتصادية، والتدخل، والإقصار، والإكراه على سياسات اقتصادية داخلية قد تكون ضارة، بل خطرة على المجتمعات ومستقبل التنمية في دول كثيرة وبالأخص دول العالم الثالث، لتكريس هيمنة الشركات متعددة الجنسية ومن خلال الحظر الاقتصادي والعلمي والتقني وكذلك الحصار الاقتصادي.

    أن هذا الاختلال في موازين القوى أدى إلى سيطرة القوى المهيمنة، على الأمم المتحدة ومجلس الأمن وصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، كون الاقتصاد اليوم من أكثر الأسلحة ضراوة وأكثرها غدراً ليس بالمعنى المجازي بل بالمعنى الحقيقي؛ لإيقاع الضرر باقتصاد الخصوم، ويكفي أحياناً أن يكون مجرد التهديد بإلحاق الضرر وسيلة لإجبار الخصوم على تقديم التنازلات، ولا تقتصر هذه الأساليب على الدول، بل حتى على الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية، وغيرهم من اللاعبين السيئين الذين يستخدمون صناديق الثروة السيادية والقنوات الخاصة بالموارد الاستخباراتية والهجمات الإلكترونية والتخريب والعمل السري[7]، إذ أضحت للدبلوماسية القسرية موقعها في السياسة الدولية لتغيير حالة أو سلوك ما سواءٌ أكان حكومياً أم غير حكومي من خلال التهديد باستخدام القوة، ولكن جوهر الهدف من الدبلوماسية القسرية يقع في الحد الفاصل بين الدفاع والمفاوضات التكتيكية؛ لتجنب الحرب العسكرية، أو حتى خطر التصعيد، فإن الدولة أو المنظمات المتبنية لهذا النوع يفضلون الضغط للإقناع ، وليس الهرولة إلى  الحرب، لتجنب صناعة عدو جديد لها. [8]

    وعلى الرغم من صعوبة دراسة التأثيرات غير المادية للنظام الاقتصادي العالمي، تذهب بعض الاتجاهات إلى أن النظام يؤسس لنوع من الارتباط، الذي يشكل تفاعلا استراتيجياً أو نوعاً من التأثير، يستطيع من خلاله طرف أو أطراف ما التأثير في سلوك الطرف الآخر أو سياساته، وبعد الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، وبروز دور قوى اقتصادية صاعدة أدت أدواراً مؤثرة فيما يتعلق بقواعد التصويت وإسهامات الدول، وعملت (لوبي) للدول النامية داخل تلك المؤسسات، كل ذلك أثر في توجهات تلك المنظومة فيما يتعلق بالمشروطية السياسية، فقد تأثر نظام ما بعد المشروطية بوجود تكتلات اقتصادية جديدة (مانحين جدد) لا يولون مسألة طبيعة النظام السياسي في الدول المتلقية للمعونة أو الديمقراطية الاهتمام، ومن ثم، فرض هؤلاء بشكل ما تعديل قواعد اللعبة، أو أعادوا هامش المناورة، التي كانت قد تلاشت بانتهاء الحرب الباردة.

    يعد هذا التحول نهائياً لا رجعة فيه، فقد فرضته معطيات اقتصادية تتصل مباشرة توزع الناتج الدولي بين الغرب والجنوب، يقابلها تقهقر مكانة دول الهيمنة الغربية ولاسيما الولايات المتحدة وتراجع قدراتها على فرض مشيئتها وإملاءاتها في المنطقة، وبديهي أن ذلك سوف يضعف محور التبعية في المنطقة الذي كان يستمد قوته وفعاليته من دول الهيمنة الغربية التي كانت تسيطر على النظام الدولي؛ وكل هذا يؤثر تأثيراً مباشراً على تشكيل تكتل خاص بالشرق الأوسط في الوقت الحالي تمتد منطقته من المغرب العربي حتى إيران، و تشمل أرضي في أفريقيا وآسيا وأوروبا حيث أن تركيا تقع ضمن الشرق  الأوسط، وفي حالة أُخِذَت العوامل اللغوية والدينية والسياسية والتاريخية في الحسبان فإن منطقة الشرق الأوسط ستمتد إلى (أفغانستان)، و(باكستان)، وأيضاً منطقة وسط آسيا التي تشمل (جمهوريات وسط آسيا الإسلامية في الاتحاد السوفيتي السابق).

     على الرغم من توافر أهم شروط روابط التكتل وهي توحيد بين عناصر مختلفة لمجموعة واحدة على الصعيد الجغرافي والتاريخي والديمغرافي وتجانس الهياكل الاجتماعية الاقتصادية للمجال الذي يراد دمجه، فأن هناك مجموعة من التحديات التي تحول دون تشكيل تكتل اقتصادي منها:

    • إن لمنطقة الشرق الأوسط أهمية استراتيجية كبيرة جداً بين المناطق المحيطة بها، فهي حلقة وصل أو جسر بين دول العالم وقاراته ، فضلا عمّا تمثله من أهمية اقتصادية في المنطقة؛ بسبب وجود النفط فيها، إذ يقدر احتياطي النفط في الشرق الأوسط بنحو %66 من احتياط النفط العالمي في نهاية القرن العشرين، وتُعَدُّ هذه المنطقة المزود الرئيس للنفط في العالم ولاسيما النفط الشرق أوسطي الموجود بكثرة في منطقة الخليج العربي، فهو قائم على تبعية ارتباط اقتصاد معظم دول الشرق الأوسط مع الدول المتقدمة، وغموض مذاهبها الاقتصادية المحددة للتعاملات مع غيرها، التي تعتمد أغلبها على الريع النفطي وهذا بطبيعة الحال لا يوفر صبغة تعاون بينها؛ لأنها تحتاج إلى صناعات مختلفة.
    • التطور السريع في المشكلات بين دول الشرق الأوسط وهذا التطور يدل على شيئين اثنين: الأول هو هشاشة العلاقة بين الدول، والآخر كثرة المشكلات، وتناقض المصالح وتحكيم النوازع الطائفية لحل الخلافات السياسية، وهذان يقودان قطعا إلى نتائج كارثية أبرزها استئثار البلدان الأكبر حجماً والأكثر تقدماً اقتصادياً في التكتل بالجزء الأكبر من المكاسب؛ مما يقوي نزعة هذا البلد لفرض هيمنته على باقي دول التكتل.
    • الفساد الإداري والمالي، والتخلف الاقتصادي، والتخلف التقني؛ بسبب توقف الاجتهاد العلمي، والاجتهاد العملي ليس تخلفا جينيا، إنّما يخضع عادةً للوضع الاقتصادي والتعليمي، ومستوى الاحتقان الاجتماعي، والحريات والحقوق لدى مواطني البلاد.

     

    المصادر :

    [1] http://europa.eu/index_en.htm

    [2] http://www.goldmansachs.com/our-thinking/archive/archive-pdfs/brics-dream.pdf

    [3] http://www.investopedia.com/terms/b/bric-etf.asp#ixzz4DLRJG71M

    [4] Homi Kharas،Domenico Lombardi،the group of twenty: Origins، Prospects and Challenges for Global Governance، Brookings Institution،2012،P3.

    [5] http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=137574  –

    [6] http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=137574

     [7] جايمس ريكاردز، حروب العملات– افتعال الازمة العالمية الجديدة: جايمس ريكاردز، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – لبنان، ط2، 2015، ص: 193.

    [8] David L. Asher، Victor D. Comras ، Patrick M. Cronin، Pressure Coercive Economic Statecraft and U.S. National Security، Center for a New American Security،2011،p15.