back to top
المزيد

    صقور أوبك وتحديات أسعار النفط

    صادق علي حسن.. ماجستير علوم سياسية – علاقات اقتصادية.

    يمثل تراجع أسعار النفط العالمية إلى ما دون (44.18) دولارا للبرميل في 7 يوليو/تموز عام 2016[1]، تحديًا كبيرًا يواجه منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، التي يبلغ عمرها قرابة ستة وخمسين عاماً، والتي تبلغ قدرتها الاقتصادية في التحكم بنحو (33-40%) من إنتاج العالم من النفط الخام. إنّ طبيعة القرارات تؤثّر في أسعار الصرف، وأسواق الأسهم، وحركة الاستثمارات، وتحديد ميزانيات الحكومات.

     تفاوتت ردود الفعل التي أثارتها أزمة انخفاض أسعار النفط للدول المصدرة للنفط “أوبك” من حيث الإبقاء على سقف إنتاجها دون تغيير في الأسواق المالية، فمع انخفاض أسعار النفط بنحو كبير، وتراجع سعر صرف عملات البلدان المنتجة للخام الأسود، وأسهمت الشركات النفطية (لصقور أسعار النفط) مثل (المملكة العربية السعودية وإيران والعراق) تفقد دورها كمنظمة تسعى لتحقيق الاستقرار لأسعار النفط، والحصول على ربح مناسب وعادل للنفط الخام للدول المنتجة، وتحولت إلى منتدى للكلام.

    ويشير خبراء في صناعة النفط إلى أنّ السياسة كانت اللاعب الأساس في أزمة أسعار النفط العالمية الحالية، ففي مقال للكاتب الأمريكي (براين مور) في مجلة الواشنطن بوست بتأريخ 13 يونيو/حزيران 2016، أوضح فيه أن ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية (محمد بن سلمان) عقد اجتماعات مختلفة في واشنطن ونيويورك -باعتباره رجل الرؤية السعودية لعام 2030-، وقال انه سيتم طرح فكرة جريئة حول كيفة إعادة هيكلة اقتصادها، والابتعاد عن الاعتماد على مبيعات النفط؛ بسبب تدني أسعار النفط كونها المادة الأساسية للموازنة الاقتصادية للسعودية لعدة عقود، إذ وصل إنتاج السعودية النفطي خلال شهر أبريل/نيسان الماضي 2016 إلى 10.125 مليون برميل يوميا، وتحاول السعودية إعادة بناء اقتصادها مع وجود خطط لبيع أسهم في محور الاقتصاد النفطي في المملكة كشركة الزيت العربية السعودية النفطية العملاقة المعروفة عالميا باسم (أرامكو)[2]، وفي افتتاحية التغيُّرات الهيكلية في الاقتصاد السعودي تم تغيير وزير النفط المخضرم (علي النعيمي) صاحب استراتيجية المحافظة على مستويات الانتاج أو حتى رفعها في محاولة للإطاحة بالمنافسين الجدد، ولاسيما (التطور التكنولوجي خارج “أوبك” والمتمثل بإنتاج النفط من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، وتزامن ارتفاع الإنتاج مع زيادة صادرات النفط الإيرانية إلى زهاء 2 مليون برميل يوميا، لتقترب بذلك من مستويات ما قبل العقوبات)، إلا أن هذه الزيادة عملت على زيادة العرض وعين بدلاً منه رئيس أرامكو (خالد الفالح).

    ومن المرجح ان مهام الفالح -الذي تشرف وزارته على نصف الاقتصاد السعودي، فضلا عن خطط الحصول على حصة في شركة النفط السعودية الوطنية العملاقة أرامكو- ستتمحور بعيدا عن “أوبك” خلال مدة خدمته، وقال (ريتشارد مالينسون) -محلل المخاطر الجيوسياسية في مؤسسة مركز أبحاث شؤون الطاقة-: “إن هذا سيبقي على الفالح مشغولاً، وأتصور أن أولوياته ستتمحور حول الإصلاحات الاقتصادية ودمج الحقائب الوزارية الجديدة”[3].

    أما الجانب الايراني فقد اكد وزير نفطه (حافظ بيجان زنكنة) أمام أعضاء برلمانه بقوله: “إن صادرات إيران النفطية تضاعفت منذ فبراير/شباط الماضي 2016 كانت تنتج سابقا ما يقارب نحو 2.7 مليون برميل يوميا، بينما كانت تصدر من هذا الإنتاج ما هو أقل من 1 مليون برميل يوميا”، إلا أن الصادرات النفطية ارتفعت بمقدار الضعف بعد رفع العقوبات الدولية عن إيران، ووفقا للوزير الإيراني فإن الجمهورية الإسلامية تمتلك نحو 9.3% من احتياطيات النفط العالمية، وما يقارب 18% من احتياطيات الغاز في العالم، في إشارة إلى الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها هذه الدولة[4].

    وفي وقت سابق من هذا العام، رفضت إيران الانضمام إلى مبادرة تجميد الإنتاج، ولكنها أشارت إلى أنها ستكون جزءا من جهود المستقبل، حينما يستعيد إنتاجها عافيته بما يكفي، وفي يونيو/حزيران من العام 2016 تَواجه المندوب السعودي والإيراني في “أوبك” حول استراتيجية طويلة الأمد، مع قول الرياض بأن على “أوبك” ألا تدير السوق، واحتجت طهران بحجة أن المجموعة قد تم إنشاؤها لأداء تلك المهمة بالضبط.

    اجتماع “أوبك” فشل، ولم يتمكن المجتمعون من الاتفاق على سياسة الإنتاج ولا على استراتيجية واضحة للنفط المصدر، فإيران أصرت على رفع إنتاجها، على الرغم من أن منافستها (المملكة العربية السعودية) وعدت بعدم إغراق السوق، فأدى ذلك إلى التوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران بعد عقد عدة اجتماعات سابقة في “أوبك”، وانتهاج سياسة أكثر تصالحية من لدن وزير الطاقة الجديد السعودي (خالد الفالح)، مع نظيره الإيراني (حافظ بيجان زنكنة) الذي أصرَّ على انتقاده للرياض إلى أدنى حدٍّ ممكن، وحاولت السعودية وحلفاؤها في الخليج أن يقترحوا على “أوبك” بأن تحدد سقفا جماعيا جديدا لإصلاح أهمية المجموعة التي تتضاءل، لكن هذه المحاولات انتهت مع عدم وضع أي سياسة جديدة أو سقف محدد وسط رفض إيراني[5].

    الجدير بالذكر أن “أوبك” نجت من الصراع الداخلي والمشاكل من قبل، كما حدث في الثمانينيات حينماما كانت إيران والعراق في حالة حرب، وقد مرت المنظمة بفترات شهدت فشلها في التأثير على الأسعار كما حدث في التسعينيات، ولكنها عادت وسيطرت على السوق، ولكن من الصعب في هذه الأيام أن نرى “أوبك” تستعيد قبضتها على الأمر؛ إلا إذا تغير الموقف السعودي -الذي يقوده الوزير السيد فالح، وولي العهد الأمير (محمد بن سلمان)- بشكل كبير؛ لأن ما تشهد منظمة “أوبك” من انقسامات في كيفية مواجهة تخمة المعروض العالمي، التي دفعت أسعار النفط للهبوط إلى النصف في العامين الماضيين، مع طغيان التوترات بين عضوي المنظمة، السعودية وإيران في عدة اجتماعات سابقة وغيرها من الخلافات تقوّض دور “أوبك” كمراقب في أسواق النفط؛ وذلك لأن السعودية ترفض التوقيع على أي ترتيبات لتثبيت الإنتاج، ما لم توقع عليها طهران، في حين ترفض إيران الالتزام بأي سقف للإنتاج، معللة ذلك برغبتها في العودة إلى سوق النفط بعد أعوام من حظر شراء نفطها.

    ومنذ تأسيس منظمة “أوبك” في بغداد عام 1960 توجد تباينات سياسية وتطلعات تختلف من حيث الأوضاع الاجتماعية؛ وما دام الإنتاج يبقى مستقرا فإن الدول ستتعايش ضمن المنظمة.

    إن لإيران والسعودية الدور الأقوى داخل المنظمة، ولكنه يتناسب طرديا وحجم إنتاجهما وليس حجم احتياطياتهما التي تأتي بالتبعية، وتمسُّك السعودية -أقوى أعضاء “أوبك” نفوذا- بموقفها في عدم تثبيت الإنتاج سيؤدي إلى كتابة شهادة وفاة لإحدى الاستراتيجيات الرئيسة للمنظمة، والمتمثلة في إدارة أسعار النفط العالمية من خلال تنظيم المعروض.

    وهذا ليس التحدي الوحيد الذي تتعرّض له منظمة “أوبك”، فموضوع هبوط الأسعار حدث بشكلٍ أساسي ولاسيّما إذا ما علمنا أن الموضوع الحالي يتمثّل في وجود وفرةٍ من المعروض، أي إن “أوبك” لو قامت بتخفيض برميلٍ من نفطها؛ فهناك آخرون ممن سيعوضون عن هذا البرميل ببرميلين، مثل المنافسين الذين تجمعهم دول بريكس صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم وهي: (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا)، وربما أكثر من ذلك؛ وبالتالي ستفشل “أوبك” في استراتيجية الدفاع عن الأسعار وليس الدفاع عن الحصة في الأسواق، وسيكون هبوط إنتاج “أوبك” سابقا لهبوط الأسعار؛ لأن “أوبك” لا تمتلك رؤية كاملة عن الدول التي تتواجد خارج المنظمة والمنتجة للنفط.

    بقاء منظمة “أوبك” تعمل بشكل فعلي واقعي -كونها الجهة الوحيدة التي يمكنها أن تتعامل مع السوق النفطية- يكون في مصلحة الجميع؛ لإن المنظمة -في واقع الحال- تتمنى أن تكون أسعار النفط مجدية ولكن ليس على حساب حصتها من السوق العالمية، وقد قابل ذلك البقاءُ الضغطَ السياسي غيرَ المتناهي للمنافسين في الشرق الاوسط من قبل (إيران، والسعودية)؛ لأن كل دولة لها توجهاتها السياسية وبُعدُها الاقتصادي الربحي، ولو حصل التنسيق بين الدول، وحُلَّتِ الخلافاتُ الجوهرية، أن تكون المنظمة هي من تحقق التنسيق مع الدول الأساسية الرئيسة في إنتاج مجال الطاقة ولاسيما (النفط) من خارج “الأوبك” لربما تحسّن الحال ووصلنا إلى أسعارٍ أفضل مما هي عليه الآن.

    لم يؤثر انخفاض أسعار النفط بالنسبة للدول الخليجية العربية باستثناء العراق، ولن تتأثر بذلك هذه الدول بالشكل الكبير؛ لأنها تمكّنت من اجتيازها في السابق، فضلا عن أن لدى هذه الدول احتياطيات وقد اتخذت بعض الإجراءات التي تُمكِّنُها من تحمُّل هذه الصدمات، لكن دولة مثل العراق -على وجه الخصوص- تعاني مشاكل كبيرة جداً، إذ أسهمت العوامل المؤثرة (الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، والخلافات السياسية الإقليمية) في مستقبل النفط في العراق بوصفه مصدرا رئيسا وأساسيا للطاقة العالمية، وما يزال يحاط بالمخاوف؛ بسبب تناقص الاحتياطات الاستراتيجية والتأثيرات الضارة في المناخ وأمن البيئة، والتقلبات السعرية المستمرة؛ نظرا الى قلة كفاءة مصادر الطاقة الأخرى التي يتمتع بها العراق، والتي لا يتوقع لها أن تكون كافية لتلبية الطلب المتزايد الناشئ عن النمو السكاني والتوسع العمراني المستمر وتحقيق معدلات غير مسبوقة لتنميتين الاقتصادية الاجتماعية، ولكون العراق من البلدان الريعية التي تعتمد على النفط بشكل أساسي، وجميع إيرادات الدولة تأتي من عائدات النفط، تقوم اشكالية التنمية فيه بأنَّ الثروة النفطية لا يمكن الاعتماد عليها بشكل دائم يضمن مستقبل الأجيال القادمة، ولا حتى الحاضرة؛ لأن العائدات النفطية تتعرض إلى تقلبات حادة؛ بسبب انخفاض أسعار النفط، وهذا ما زاد من وتيرة الأزمات المؤثرة في الجانب الأمني، وأهمها ما يرتبط بالتنظيمات الإرهابية، كتنظيم ما يعرف باسم (داعش) وتمدده عبر الزيادة في موارده من تهريب هذه المادة الأساسية، فضلا عن رغبة القوى السياسية (الإقليمية، والدولية) لزيادة الضغط السياسي على المنطقة التي توجد فيها نزاعات داخلية ولاسيما العراق، ومن جانب آخر أثر تراجع أسعار النفط عالمياً في ضعف التمويل لمحاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية ولاسيما العراق الذي يعتمد على النفط بشكل شبه كامل لموازنة الدولة؛ مما اضطره إلى الاعتماد على إجراءات تقشفية ورفع دعم الدولة لمختلف المواد، وبطبيعة الحال فإن ذلك كله يؤدي إلى عدم الاستقرار الداخلي، وتأجيج الاضطرابات الداخلية.

    المصادر :


     

    [1]– OPEC،  daily Oil Market Report، 2016،  7 July  2016، http://www.opec.org/opec_web/en/923.htm#

    [2]https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2016/06/13/can-saudi-arabia-pivot-away-from-oil-a-powerful-prince-brings-his-pitch-to-america/

    [3]https://www.washingtonpost.com/business/economy/does-saudi-arabias-new-energy-minister-have-time-for-opec/2016/05/30/552ad952-238a-11e6-aa84-42391ba52c91_story.html#comments

    [4]–  https://arabic.rt.com/news/827671-%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%AC-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85-%D9%8A%D8%B1%D8%AA%D9%81%D8%B9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86/

    [5]https://www.washingtonpost.com/business/economy/opec-fails-to-reach-deal-on-oil-strategy-amid-simmering-saudi-arabia-iran-feud/2016/06/02/48841d8e-28cc-11e6-b989-4e5479715b54_story.html