back to top
المزيد

    ملك تركيا : إردوغان بعد داود أوغلو

    سونر چاغاپتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

    قدم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو استقالته في الخامس من أيار بناء على طلب من الرئيس رجب طيب أردوغان لزيادة توطيد السلطة في يد الرجل الذي هو بالفعل السياسي الأكثر نفوذاً في تركيا منذ أصبحت البلاد دولة ديمقراطية متعددة الأحزاب في عام 1950.

    لقد حكم اردوغان منذ عام 2003، أول مرة كرئيس للوزراء ورئيس لحزب العدالة والتنمية الحاكم، ثم رئيسا للبلاد، وهو مكتب دستوري غير حزبي في النظام البرلماني في تركيا، وعندما أصبح أردوغان رئيسا للبلاد في عام 2014، تولى داود أوغلو منصب رئيس حزب العدالة والتنمية وأصبح رئيس الوزراء الجديد للبلاد، وقد صعد داود اوغلو في السياسة ككبير مستشاري أردوغان، ليصبح في نهاية المطاف وزير خارجية أردوغان في عام 2009، وكان الرجلان زملاء في تصور وتنفيذ محور السياسة الخارجية لتركيا في منطقة الشرق الأوسط، ووفقاً لذلك، عندما عرض أردوغان منصب رئيس الوزراء على داوود أوغلو الذي كان من المؤكد أن يكون محايداً إلى حد ما، قبل داود أوغلو بسعادة.

    لدرجة ما كان داود أوغلو شريكاً متوافقاً مع أردوغان، على سبيل المثال، وعمل معه بشكل وثيق في سوريا، اذ حاول الاثنان لسنوات الاطاحة بنظام بشار الأسد، ولكن داود أوغلو لم يرض أردوغان تماما، وذلك لأن داود أوغلو اسم مألوف في كل من تركيا والخارج، وهذا أغضب أردوغان الذي يسعى إلى تعزيز وإضفاء الطابع الشخصي على السلطة السياسية، فعلى سبيل المثال اشارت التقارير الى اصابة أردوغان بالضيق عندما أراد داود أوغلو زيارة واشنطن للقاء الرئيس الامريكي باراك اوباما أسابيع فقط بعد ان زار الرئيس التركي نفسه واشنطن في شهر اذار عام 2016 لكي  يحذو نفس الحذو.

    بعد أن سقط الآن، من المرجح أن يصبح داود أوغلو مراقب هادئ للسياسة التركية، مثله مثل مسؤولو حزب العدالة والتنمية السابقين، ومن بينهم الرئيس السابق عبد الله غول، الذين اختاروا عدم مواجهة أردوغان بعد أن طردهم من قيادة حزب العدالة والتنمية، ومن جانبه، ان أردوغان مهيء لاختيار سياسي جديد أكثر توافقا معه كرئيس لحزب العدالة والتنمية في مؤتمر الحزب في 22 ايار، وسيتقلد هذا الشخص منصب رئيس الوزراء الجديد للبلاد، وبعد بضعة أشهر سيذكر القليل اسم الزعيم الجديد، وهذا يشبه إلى حد كبير ما يحدث في الأردن أو المغرب، حيث تلقي قوة الملوك بظلالها على جميع الوزراء غير المعروفين.

    تكمن مشكلة الملك الحالي لتركيا في دستور بلاده، الدعام الأساسي للسياسة التركية منذ الثورة الدستورية عام 1908 والتي أنهت الحكم الاستبدادي للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وفي ذلك الوقت، انتفض شباب تركيا ضد السلطان وأجبروه على الاعتراف بالدستور الذي علقه عبد الحميد الثاني في عام 1878، وبعد هذه النقطة، أصبحت الإمبراطورية العثمانية نظام ملكي دستوري، وعندما انهارت الإمبراطورية في نهاية الحرب العالمية الأولى، تطورت تركيا الحديثة الى جمهورية دستورية في عام 1923 بقيادة مصطفى كمال أتاتورك لتصبح في نهاية المطاف دولة ديمقراطية في عام 1950، والمثيرة للجدل مثل السياسة التركية في بعض الأحيان، ان كل مراكز القوى في البلاد دعمت الدستور السياسي منذ ذلك الحين، وحتى عندما تدخل الجيش زعم أنه فعل ذلك لحماية الدستور وسيادة القانون.

    لكن أردوغان يبدو غير مبال بهذا التاريخ، وفي الأيام المقبلة وبعد اتفاقية حزب العدالة والتنمية وتعيين رئيس وزراء جديد، من المرجح ان يجري أردوغان استفتاء لتغيير الدستور التركي بشكل يروق له وتقديم طراز التنفيذي ورئاسة كلية، وفي الآونة الأخيرة، في يوم 6 كانون الثاني دعا أردوغان للتحول الى النظام الرئاسي قائلا بأن هذا النظام “متجذر في تاريخ البلاد.”

    وفي هذا السعي، من المرجح أن يفوز أردوغان بالدعم بفضل موقفه الصارم تجاه القضية الكردية مؤخرا، وفي وقت سابق من حكمه، كان أردوغان ليبرالي تجاه القضية الكردية، على سبيل المثال، فتح اردوغان شبكة أخبار باللغة الكردية وممولة من القطاع العام لإظهار المطالب الكردية، وكان أردوغان متسامحا أيضا تجاه حزب العمال الكردستاني  (PKK)، وبدأ محادثات سلام مع الجماعة التي كانت مدرجة من قبل واشنطن وأنقرة في قائمة المنظمات الإرهابية في عام 2012، وفي الآونة الأخيرة، تغير موقف إردوغان تجاه القضية الكردية واصبح اكثر صرامة لتعزيز شعبيته، ولتحقيق هذه الغاية، سيعمل حزب العمال الكردستاني بمثابة شريك غير مقصود.

    في تموز عام 2015، أنهى حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق نار امتد لمدة عامين مع الحكومة التركية، واستئنف حملة عنيفة من الهجمات الإرهابية، في ذلك الوقت، أمل حزب العمال الكردستاني في السيطرة على بلدات في جنوب شرق البلاد في تكرار لما فعله فرعه في سوريا، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، في شمال سوريا، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الحكم الذاتي في هذه المناطق في عام 2013 وسيطر عليها بإحكام منذ ذلك الحين.

    ومع ذلك، وحتى الآن، فشلت مناورات حزب العمال الكردستاني فشلا ذريعاً، وادت الى خسائر فادحة بين السكان المدنيين الأكراد في جنوب شرق البلاد، وللقضاء على البنية التحتية العسكرية لحزب العمال الكردستاني في المراكز الحضرية، أعلنت قوات الأمن حظر تجوال استمر اسبوعا في مدن جنوب شرق تركيا، معلقا بذلك الحريات المدنية، ولم يكن حزب العمال الكردستاني قادراً على هزيمة الجيش التركي القوي، واسفر القتال بين المجموعة وقوات الأمن عن مئات الإصابات في صفوف المدنيين، وفي الوقت نفسه، اعاقت عودة الجماعة إلى العنف من حركة حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) المؤيد للأكراد والصوت السلمي الوحيد لحقوق الأكراد في تركيا.

    ففي عام 2015، كان حزب الشعوب الديمقراطي على أعتاب أن يصبح لاعباً في السياسة الوطنية عند زيادة دعمه من 6.5 في المئة في انتخابات عام 2011 إلى 13 في المئة في يونيو حزيران الماضي، وقد حصل الحزب على أكثر من ضعف رصيده الانتخابي عن طريق مرشحيه الليبراليين في المدن الكبرى غرب تركيا، جذب ذلك الناخبين الأتراك، ومرشحيه المحافظين جنوب شرق البلاد، حيث حصل على اصوات المتدينين الأكراد، الا ان العنف دفع الناخبيين الليبراليين الاتراك والمحافظين الاكراد بعيداً عن الحزب، ويظهر استطلاع حديث للرأي بأن دعم حزب الشعوب الديمقراطي قد انخفض الى ما يصل الى سبعة في المئة، على الأقل يبدو ان بعض الناخبين المحافظين الأكراد قد تخلوا عن حزب الشعوب الديمقراطي لصالح حزب العدالة والتنمية، ان صعود حزب العمال الكردستاني افاد أردوغان.

    وربما أكثر ضررا حتى على المصالح الكردية على المدى الطويل هو أن تجدد القتال ساعد أردوغان على تعزيز صورته كزعيم قوي، وقبل حملة سفك الدماء هذه، زاد اردوغان من دعمه الانتخابي من خلال الترشح كرئيس إسلامي محافظ قادرعلى تحقيق الرخاء الاقتصادي والحكم الرشيد، وفي عمليتين انتخابيتين في عامي 2011 و 2015، ترشح أردوغان على هذا الاساس وفاز ب 49.5 في المئة من الاصوات، وتجاوز الزعيم التركي عتبة ال 50 في المئة في الانتخابات الوطنية مرة واحدة فقط وبفارق قليل: ففي الانتخابات الرئاسية عام 2014، حصل أردوغان على 51.8 في المئة من الاصوات، ولا يريد أردوغان أن يخاطر في أي استفتاء، وبالتالي يسعى لتعزيز شعبيته إلى ما وراء 50 في المئة.

    إن ارتفاع الشعبية يعمل أيضا كميزة لأردوغان لتخطي الاستفتاء، وان يدعو بدلا من ذلك لاجراء انتخابات مبكرة لزيادة أغلبية حزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي، ومن شأن الاقبال القوي في استطلاعات الرأي ان يعطي حزب العدالة والتنمية أغلبية عظمى في البرلمان، وفي هذه الحالة يمكن لأردوغان إجراء تغييرات على دستور البلاد دون الحاجة إلى الذهاب إلى استفتاء.

    ومع تبنيه الأخير للقومية التركية المعادية للأكراد، يأمل أردوغان بتوسيع قاعدته وجر الناخبين من حزب العمل القومي  (MHP)المعارض، والذي يشابه برنامجه القومي المحافظ البرنامج الاسلامي القومي لحزب العدالة والتنمية، وحصل حزب العمل القومي على 12 في المئة من الاصوات في الانتخابات التي جرت في تشرين الثاني عام 2015، ولكن استطلاع حديث للرأي يظهر أن دعمه انخفض إلى تسعة في المئة، وفي الوقت نفسه، ارتفع دعم حزب العدالة والتنمية من 49.4 في المئة الى 56 في المئة.

    وبالطبع، لن يكون الجميع في تركيا سعيداً برؤية صعود حظوظ أردوغان، فإنه قد فاز في الانتخابات المتعاقبة بشن هجمات وتهميش التركيبة السكانية التي لن تصوت له سياسياً ابداً، وتشمل هذه القائمة العلمانيين واليساريين والديمقراطيين الاشتراكيين والليبراليين والعلويين والقوميين الأكراد، وعند الجمع، فإن هذه المجموعات تشكل ما لا يزيد عن 40 في المئة من الناخبين الأتراك، ولكن لا يزال هناك الكثير من الأعداء الذين ينتظرون سقوطه من السلطة، وعلى أي حال، يعلم أردوغان أن تهم الفساد التي وجهت له ولأفراد عائلته في عام 2013 لم تركته مع أي وسيلة جيدة للخروج من المشهد السياسي، وعندما حاول أعضاء النيابة العامة توجيه اتهامات ضد أردوغان وعائلته، قام بإستبدالهم بسرعة وتم تجاهل التهم.

    وبالتالي يعرف أردوغان أنه يحتاج إلى مواصلة الفوز في الانتخابات وتعزيز قوته لئلا يعرض نفسه وأفراد أسرته للمحاكمة، وسيستمر في سجن الصحفيين، وحظر المسيرات المعارضة السلمية، ومضايقة المعارضين، لأنه يعلم أن قمعه العنيف لأولئك الذين من غير المرجح أن يصوتوا لصالح الاستفتاء سيساعد حكمه فقط.

    إن سعي أردوغان للسلطة يأخذ تركيا نحو مسار خطير، فهو في الواقع رئيس الحكومة ورئيس الحزب الحاكم بالإضافة إلى كونه رئيسا للدولة، وان شخصنة السلطة وتفريغ المؤسسات السياسية والمدنية سيجعل البلاد هشة للغاية، وعندما يترك أردوغان منصبه، ، سيكون هناك عدد قليل من المؤسسات التي ستبقي على تركيا معاً، ان تركيا دولة ديمقراطية لفترة طويلة الآن، طويلة بما فيه الكفاية لأن تكون آمنة، ولكن سعي أردوغان للسلطة الكاملة يوضح أن الزعماء الشعبويين يمكنهم افساد هذه الأنظمة أيضا.


    ملاحظة :
    هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .

     

    المصدر:

    https://www.foreignaffairs.com/articles/turkey/2016-05-08/turkeys-king