تيموثي ويليام ووترز
لماذا يعتبر النضال من أجل اتهامات الابادة الجماعية معركة شاقة؟
في عام 2014، اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية (الذي يسمى داعش أيضاً) شمال العراق، واضطر أفراد الطائفة الأيزيدية خوفاً من الإبادة للهرب إلى مأوى آبائهم وأجدادهم في جبل سنجار، هناك وعلى سفوح الجبل، تجمهروا فوق سهول الموت في مكان آمن، وقد مات الآلاف هناك، بينما حوصر من كانوا على الجبل: وعندما بدأت الطائرات الأمريكية قصف التنظيم الإرهابي، ودفعت قوات البشمركة الكردية أفراد التنظيم الى التراجع، تمكن الأيزيديون من الهرب والانضمام إلى مئات الآلاف الذين فروا إلى مخيمات اللاجئين في كردستان العراق، ومع أنه تم تحرير الجبل، إلا أن التنظيم الإرهابي لا يزال يبني ثيوقراطيته التي لا تلين في سفحه، لقد كان حكم التنظيم قاسياً بشكل خاص على الأقليات الدينية، وتعرض الأيزيديون المتبقين، مع المسيحيين والشيعة، الى عمليات تحويل ديني قسري وقطع رؤوس، فيما رزحت الآلاف من نسائهم في العبودية، إذ تم تسليمهن الى مقاتلي التنظيم، في نوع من الإستعباد الجنسي.
كيف علينا أن نسمِّي هذا الظلام؟ الأيزيديون يعتبرونها إبادة جماعية، وتدميراً متعمداً لجماعة دينية أو عرقية أو وطنية، وقد دعوا إلى تسميتها هكذا، هنا وقد أحرز الأيزيديون منذ ذلك الحين بعض النجاح، كما مرَّر مجلس النواب الأمريكي، في الآونة الأخيرة، قراراً اعتبر فيه أن “الفظائع التي يرتكبها تنظيم الدولة الإسلامية ضد الأقليات الدينية والعرقية في العراق وسوريا، ترقى الى الإبادة الجماعية”. هذا فيما ذكر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، قبل اسبوعين، أن التنظيم يقوم بارتكاب إبادة جماعية، وطالب بإجراء تحقيقات مستقلة إن تسمية المجازر التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية بحق الأيزيديين، إبادة جماعية، أمرٌ معقول وإنساني، ولكنه مقلق لسببين، فالتوقعات لما يمكن أن يحققه هذا، تفوق ما يمكن أن يفعله القانون، وأن التأليه القاتم للإبادة الجماعية يفسد استعدادنا للعمل في ظل الشر.
يعتقد الأيزيديون أن تسمية هذه الأفعال لها عواقب حقيقية، وقد سمعت من بعض الأيزيديين في كردستان العراق الشهر الماضي، دعوتهم الى محاكمات في المحكمة الجنائية الدولية في لاها، كما أنهم يعتقدون أيضاً أن تسمية “الإبادة الجماعية” ستحرك ذلك الوحش الأسطوري، وأن المجتمع الدولي، سيوفر لهم قوة حماية عسكرية، ذلك الاعتقاد خاطئ، وكذلك آمالهم بالعدالة، فالعقبات التي تحول دون المقاضاة كبيرة، والنتائج سيمتزج طعمها المر برماد أولئك الذين سيكونون قد ماتوا وهم ينتظرون صدور الحكم الذي سيأتي متأخراً، إن العثور على مكان للمحاكمة أمر صعب، ولا يوجد أي احتمال لإجراءات محلية، ولكن ذلك لا يجعل المحاكمات الدولية واعدة أكثر، ليس لدى المحكمة الجنائية الدولية اختصاص داخل العراق، لكي تبدأ منه، لكن يمكن لبغداد أن تطلب إجراء تحقيق، ولكن ذلك من شأنه أن يعرض قادته الى الخطر، ويمكن لمجلس الأمن الدولي إحالة القضية، كما فعل مع ليبيا والسودان، ولكنه منقسم حول تنظيم الدولة الإسلامية، ومن غير المرجح أن يسير بالضد من رغبات العراق. كما يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تحاكم المقاتلين الأفراد من الدول التي هي أطراف في نظامها الأساسي، ولكن هذا سيستبعد القيادة العليا للتنظيم، لأن زعيم التنظيم، في النهاية، وكما يبدو من اسمه، هو عراقي.
أما الأمر الثاني فهو أن وتيرة القانون الدولي بطيئة جدا، ويمكن أن يستغرق إقرار التهم، بضع سنوات، وصدور الحكم عقداً من الزمن، فالزعيم السابق لجمهورية الصرب في البوسنة، رادوفان كراديتش، قد أدين بارتكاب الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم هذا الاسبوع، بعد واحدٍ وعشرين عاماً من اتهامه أول مرة. لن تساهم الإدانة في إعادة “البنات الأيزيديات”، بل سيزيح انتباه أنصار الأيزيديين بعيداً عن المشاكل الملحة وهي الأمن والعودة إلى مناطقهم، وتوجيهها نحو إجراء مجرد في لاهاي.
أما الأمر الثالث، فهو أن الإبادة الجماعية صعبٌ إثباتها. فحالات التحويل الديني القسري تشير إلى أن الأيزيديين لديهم حجة قوية، ولكن الجوانب الأخرى هامشية. وبالمقارنة مع المحاكمات الناجحة في أماكن أخرى، فإن عدد الضحايا قليلٌ نوعاً ما، وأن الظروف القاسية التي عانى منها الأيزيديون، أثناء فرارهم، قد لا تساعد في إثبات النية العمدية لتنظيم الدولة الإسلامية لتدمير الجماعة. والمسألة المهمة هنا ليست القتل، وإنما سلسلة أوامر القيادة لأولئك القادة الذين من غير الممكن ملاحقتهم قضائياً.
لذلك فإنه عندما يتعلق الأمر بإتهامات الإبادة الجماعية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، هناك إمكانية حقيقية للبراءة، وعلى الرغم من أن الأدلة قد تبدو غير قابلة للجدال، إلا أن لدينا فشلاً في حالات مماثلة، وقد فشلت أول محاولة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في توجيه الاتهام بالإبادة الجماعية في دارفور، كما أن كل لوائح الإتهام بالإبادة الجماعية أمام محكمة جرائم الحرب اليوغوسلافية في أماكن أخرى من سربرنيتشا، قد انتهت بأحكام بالبراءة أيضا. يريد الأيزيديون إيصال قصتهم، ولكن ماذا لو انتهت هذه القصة بقرار مفاده “لقد وجدنا أن المتهم غير مذنب؟”
ذكر لي الأيزيديون أن هذه هي المرة الثالثة والسبعون أو الرابعة والسبعون التي يتعرضون فيها لإبادة جماعية، وأنهم لم يستخدموا هذا الوصف بهذه الطريقة من قبل، وأنه أمرٌ مثيرٌ للشفقة وتعليمي أيضاً أن نشاهد الناس الذين فقدوا عوائلهم ومنازلهم يتمسكون بكلمة مثل تعويذة الخلاص. يفهم الأيزيديون المشهد الخطابي فقط، بعيداً عن الجغرافيا السياسية هم يعرفون فقط أنه سيتم الإعتراف بمعاناتهم إذا ما تم التوصل أنها ترقى الى مستوى الإبادة الجماعية، وأن الإعتراف بمعاناتهم تعتمد على التحشيد لهذا الاسم، وان وراء العقبات العملية لقضية قانونية، مشكلة أخلاقية مع ارتفاع وتيرة وضع الإبادة الجماعية. يريد الضحايا الأساس العالي، إلا أنهم كلما فعلوا ذلك، قل أصبح احتمال الإبادة الجماعية أقل شيوعاً. وهذا يسرق من الإبادة الجماعية تميزها، ولذلك فإننا نحجب الإسم للحفاظ على قوتها، حتى لو اتخذ الرجال من زملائهم أُضحية للنار.
ترتقي الإبادة الجماعية أيضاً لتشمل شرورنا، في قمة هرم الإزدراء، تتراكم الجريمة العليا على قمة حادة وضيقة. بعيداً عن التحشيد لهذا العمل، فإن تقنية الإبادة الجماعية، وقانونيتها، وشكليتها، تخلق تسفيها، وتشتيتاً زائفاً – مجموعة من القطع في مسرح إدانة.
في عالم أخلاقي يتطلب أن يتم اعتبار المعاناة إبادة جماعية لكي تكون حقيقية، فإننا قد بالغنا في تحديد قدرتنا على النقل، والعمل على عواطف الغضب تلك. وكان كيري قد قال في وقت سابق من هذا الشهر ان “تسمية هذه الجرائم أمرٌ مهم، ولكن ما هو الضروري لوقفها “، ماذا لو كان العمل على تسميتها هو كل ما نقوم به بدلاً من وقفها؟ في عام 1994، رفضت الولايات المتحدة تسمية ما حدث في رواندا إبادة جماعية، خوفاً من أن يؤدي ذلك الى ضرورة التدخل العسكري. وفي عام 2004، أعلنت الولايات المتحدة أن ما حدث في دارفور إبادة جماعية، وأحالت القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي هذا الشهر، أدانت الولايات المتحدة الابادة الجماعية في العراق، في حين ذكرت أن ذلك لن يغير من سياستها. ما أن نعتقد أن الكلمة توجب العمل، فإننا نكون الآن، قد خالفنا ذلك، فالأمر ببساطة هو ما نقول لكي نسمع أنفسنا نتحدث بسلطة أخلاقية.
لا تزال طائرات الولايات المتحدة تحلق فوق الخلافة، ولا تزال سياسة واشنطن دون تغيير، وفي الوقت نفسه لا يزال الإستعباد والإغتصاب والإبادة مستمراً على تلك السهول، ويتحدث الفارون من منافيهم، وأماكنهم المقدسة، عن جريمة لا توصف. نحن أيضاً نردد ذلك، ولكن هذه الكلمة قد فقدت قوتها. شيء مظلم يتكشف، في سفح الجبل، ونحن بحاجة إلى كلمات أخرى، وأكثر من كلمات، لكي نقول ما يجب علينا قوله.
تيموثي ويليام ووترز، أستاذ القانون الدولي في كلية مورير جامعة إنديانا، وزميل في الجامعة الأميركية في العراق – السليمانية.
ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .
المصدر:
https://www.foreignaffairs.com/articles/iraq/2016-03-29/yezidis-vs-isis-icc