back to top
المزيد

    كيف استحوذت المملكة العربية السعودية على واشنطن

    ماكس فيشر

    اتفقت مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية مع ديكتاتورية محافظة غالبا ما تتصرف عكس قيم ومصالح الولايات المتحدة. لماذا؟

    كشفت لحظة قبل نحو سنة، في آذار 2015، عن بعض الحقائق غير المريحة حول علاقة الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية ، في ذلك الشهر، وبينما كانت المملكة العربية السعودية تستعد لإطلاق ما يمكن أن يصبح حرباً كارثية ضد الحوثيين في اليمن، قدم السفير السعودي في واشنطن، عادل الجبير، قائمة “أهداف ذات قيمة عالية” لمدير وكالة المخابرات المركزية جون برينان. كان السعوديون يطلبون بدعم أميركي لهم في تلك الحرب، وكان من المفترض أن تكون تلك القائمة عربون تعاون.
    غير أنه عندما دققت وكالات المخابرات الامريكية تلك القائمة مع المعلومات الخاصة بها، وجدوا أن العديد من تلك الأهداف لم يكن لها قيمة عسكرية، أو كانت قيمتها ضعيفة، وفقاً لتقرير في ذلك الوقت، لمراسلي صحيفة وول ستريت جورنال، ماريا أبي حبيب وادم انتوس. كان العديد من تلك الأهداف منشآت مدنية بالقرب من المراكز السكانية. وقد حذرت الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية من تلك الأهداف، وقال مسؤولون سعوديون أنهم ملتزمون بذلك التحذير، غير أنه عندما بدأت الحرب الجوية، سقطت القنابل السعودية بشكل مكثف على “المستشفيات والمدارس ومخيم للاجئين، وأحياء سكنية،” وفقا للصحيفة.
    انسحبت الولايات المتحدة في البداية من الحرب، ولكن الولايات المتحدة في محاولة على ما يبدو، لشراء السكوت السعودي على الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، زادت من الدعم للحملة التي تقودها السعودية، وتوفير تزويد الوقود من الجو، والأسلحة والإمدادات، ومعلومات الاستهداف، و 45 من محللي الاستخبارات المتخصصين. ويبدو الآن، بعد عام من بدء الحرب، أن الأمر كان كارثة، كما هو مفصل في حساب صحيفة نيويورك تايمز. ويعتقد أن نصف عدد الضحايا الستة آلاف كانوا من المدنيين. وقويت قبضة تنظيم القاعدة في اليمن، وفشلت السعودية في فرض نهاية للحرب. بدلا من ذلك، تسبب هذا في تفاقم العنف المستمر. لقد ساعدت الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية على تسريع إنهيار دولة أخرى في الشرق الأوسط، مع تداعيات غير معروفة، ولكنها بالتأكيد بعيدة المدى.
    ستعتقد أن مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن، وهو شبكة متماسكة من مؤسسات الفكر والرأي، والمفكرين الأكاديميين، والمؤسسات الأخرى التي تؤثر بشكل كبير على وسائل الاعلام، والتي غالبا ما تدور داخل وخارج أفراد المناصب الحكومية، سينتابها الغضب. ويركز هذا المجتمع بشكل كبير على منطقة الشرق الأوسط، ويفتخر بالمثل الإنسانية السامية الحالية والاستراتيجية بعيدة التفكير، وغالبا ما ينتقد سياسة الرئيس أوباما الخارجية. بغض النظر عن عدد قليل من الأصوات الانفصالية، كان مجتمع السياسة الخارجية لواشنطن هادئاً نسبياً حيال تورط أميركا بدعم حرب المملكة العربية السعودية في اليمن. بدلا من ذلك، فإن الكثير من أفراد هذا المجتمع قد أعربوا، هذا الاسبوع، عن استيائهم من قصة مختلفة جدا عن علاقة الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية: وقد سخر أوباما، في مقابلة له، من القيادة السعودية ونفوذها في واشنطن. وقال أوباما لـجيفري غولدبرغ من الاتلانتيك، أن “الدراجين الأحرار يغضبونني”، في اشارة، على ما يبدو، الى حلفائه الاوروبيين والعرب بشكل عام. كما انتقد معاملة السعودية للنساء والممارسة المتمثلة في دعم الحركات الأصولية في الخارج، واقترح أنه يجب أن نتعلم “مشاركة” الشرق الأوسط مع خصمه إيران.
    كما وصف مسؤولو الإدارة بشكل غير معلن، جادة ماساتشوستس في واشنطن العاصمة، حيث توجد العديد من مكاتب ومؤسسات الفكر والرأي، على أنها “الأراضي المحتلة من قبل العرب”، بمعنى أنهم يحصلون على عطاءات مع دول الخليج الغنية بالنفط مثل المملكة العربية السعودية التي تقدم لأولئك المفكرين تمويلاً ضخماً، وبينما أدى دعم أوباما المادي للحرب الكارثية التي تقودها السعودية، الى احتجاج قليل في واشنطن، فإن كلماته ذات الطبيعة الإنتقادية الصامتة للمملكة العربية السعودية، قد استفزت أيام الغضب المتواصل. وتم إدانة تصريحاته على أنها “مسرحية لوم”، و”تخالف سوء فهم خطير لما يعنيه أن تكون العالم الأول”، و “علامة هاوٍ مهمل وأخرق”، و “قلب الحلفاء”، و” الافراط في الغطرسة”، وإلقاء اللوم على الآخرين لفشله ، مقارنة مع دونالد ترامب، وما إلى ذلك.
    كانت تلك اللحظة هي المظهر الأحدث لشيء غريب عن مجتمع سياسة واشنطن الخارجية: فهي ملتزمة بشكل عميق وغريزي بالدفاع، ومناصرة المملكة العربية السعودية، وهي بلد تبدو حكومته الاستبدادية ذات القيم المحافظة المتشددة والترويج المتطرف للسياسة الخارجية، مثل مشروع عاطفي غير عادي للعاملين في السياسة الخارجية الأميركية، لتلك الدعوة عواقب، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية في كثير من الأحيان تعمل ضد مصالح الولايات المتحدة، مثل العمل ضد سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتمويل المتطرفين، لا تزال الولايات المتحدة تقدم الدعم المباشر لإجراءات السعودية التي تقوض الاستقرار الإقليمي بالضد من رغبة أمريكا، على سبيل المثال من خلال دعم حرب اليمن ضد الحكم الأفضل للأمريكيين.
    لقد قررت إدارة أوباما من تلقاء نفسها دعم تلك الحرب، ولأسباب خارجة عن الكيفية التي يمكنها بموجبها أن تلعب على جادة ماساشوستس، لكن هذا القرار مثل الكثير من القرارات السابقة، قد نقل من خلال ثقافة في واشنطن التي تشجع تقريبا كل عمل يدعم المملكة العربية السعودية ويعاقب أي حياد عن ذلك ، لماذا هذا؟ وما الذي يفسر إجماع واشنطن على تأييد الحكام الوهابيين المستبدين الذي غالبا ما يتصرفون عكس القيم والمصالح الأميركية؟

    أوباما يلتقي العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في 2015. (أوليفيير دزليري- صور غيتي)
    أوباما يلتقي العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في 2015. (أوليفيير دزليري- صور غيتي)

    ويبدو أن بعض المسؤولين في إدارة أوباما، بناء على ما قالوه في الاتلانتيك، (وعلى حواراتي مع مسؤولي الإدارة)، يعتقدون أن الجواب هو المال، اي أن المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية الغنية بالنفط تشتري الولاء والنفوذ. ولكن الحقيقة قد تكون أكثر دهاء من ذلك، وقد تقول الكثير عن تحيز واشنطن الفطري، كما هو حيال أي نفوذ مُشترى من قبل الأجانب.
    عندما سألت أعضاء مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن العاصمة عن ما يقود هذا، وصفوه بأنه مؤسسة ذات نظرة عالمية موجودة مسبقا، وهو تفضيل طبيعي للوضع الراهن والمألوف، وأساطير من الهيمنة الأمريكية المرحب بها، والتي تتتحاذى بشكل طبيعي مع المملكة العربية السعودية. لكنهم أشاروا أيضا إلى طرق لأموال الخليج، في السنوات الأخيرة، لتشويه محادثات واشنطن حول الشرق الأوسط. (طلب الجميع التحدث معي بشرط عدم الافصاح عن المصدر، نظرا حساسية الموضوع)، أكد لي كل شخص تحدثت معه أن وجهات النظر المؤيدة للسعودية في واشنطن هي جدية بشكل حثيث، ولا أحد يطلب منه، من الممولين الأجانب، التعبير عن وجهة نظر معينة. بدلا من ذلك، فقد وصفوه بأنه دور أكثر دهاء، يضاعف فيه المال من القواعد والعادات التي تفضل هذا الإجماع المؤيد للسعوديين، مما يعمق من وجود تحيز سيتشكل في حالة غياب المال، ولكنه لن يكون كما كان يُعبّر عنه بقوة على نطاق واسع. واتفق الجميع على أن هذا التحيز، مهما كانت أسبابه، هو مشكلة خطيرة بالنسبة لواشنطن، مما يعيق قدرة الولايات المتحدة على فهم، وإدارة شرق أوسط سريع التغير. وفي مدينة حيث يجري مناقشة كل شيء، فإن هذا واحد من عدد قليل من الأشياء التي يرغم معظم الناس بمناقشتها.

    وصول أموال النفط
    قصة الإنفاق الخليج الكبير على جادة ماساتشوستس تبدأ في وقت قريب جدا من عام 2013. ولم يبدأ هذا مع المملكة العربية السعودية، أو مع حليفتها الكويت أوالإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أن كل هؤلاء أصبحوا في نهاية المطاف ينفقون بشكل باذخ على واشنطن، بل كانت قطر هي الأولى. في وقت قريب من وقت الربيع العربي في عام 2011، بدأت قطر، المملكة الصغيرة الغنية بالنفط، تسعى لحيازة دور أكبر لنفسها، لأول مرة في الشرق الأوسط، من خلال تمويل الأحزاب السياسية وجماعات المعارضة المسلحة (مثلما قامت أيضا بتمويل محطة تلفزيون الجزيرة)، وسرعان ما أصبحت طموحات دولة قطر طموحات عالمية، وفي عام 2013، أصبحت قطر لاعبا هادئا في واشنطن، وتنفق بشكل باذخ على الضغط، والعقارات، وحتى النسخة الأمريكية من قناتها التلفزيونية. كما تبرعت أيضا بمبلغ مذهل مقداره 14.8 مليون دولار لمعهد بروكينغز، الذي يعتبر المؤسسة الفكرية الأكثر احتراما في واشنطن، من أجل فتح مركز جديد في العاصمة القطرية.
    كان لدى قطر، وغيرها من دول الخليج، نوع من التنافس على مقاليد الأمور في الشرق الأوسط، مثل صعود الأحزاب السياسية الإسلامية، التي مولتها قطر، وعارضتها دول الخليج الأخرى بقوة. وبينما قوَّض الربيع العربي النظام الإقليمي، حاولت دول الخليج إعادة تجميع المنطقة على طول خطوط مختلفة للغاية، وأصبحت الخلافات المذهبية أكثر خطورة. لقد رأت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى كيف كانت قطر تنفق في واشنطن، وخلصت إلى أنها إذا ما أرادت مواجهة النفوذ القطري في الإقليم، فإن عليها مواجهتها في واشنطن أيضا. وهكذا قامت الممالك الغنية بالنفط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين، والتي تعرف بدول الخليج، بالإضافة الى منافستها قطر، باستئجار جماعات ضغط خاصة بها. وقدمت تبرعات كبيرة لمراكز البحوث والمؤسسات الأكاديمية والفكرية في واشنطن.
    ويفيد عضو في مجتمع سياسة واشنطن الخارجية، كنت قد تحدثت إليه خلال إعداد هذه المادة، “إن دولة الإمارات العربية المتحدة والسعوديين يستثمرون الكثير الآن، كجزء من الحرب الباردة ضد القطريين،” كان وجهة نظرهم تنص على أنه، “يجب علينا إيصال أفكارنا هناك.” غير أنهم اكتشفوا شيئا: كان الإنفاق على مؤسسات الفكر والرأي فعالاً، لا سيما بالمقارنة مع الطرق الأخرى لشراء النفوذ. كانت شركات الضغط هي للأعمال المربحة المصممة للحصول على أكبر مبلغ من الممكن الحصول عليه من العملاء. كان لمراكز الفكر والرأي والمؤسسات الأكاديمية الكثير من النفوذ، ولكن عقليتها لم تكن ناجحة في زيادة الربح، لأنها لم تكن ترى نفسها أو نفوذها للبيع، على العكس من الجهات المانحة الأجنبية التي كانت تعتقد انها تحصل على شيء من الصفقة. وقد أخبرني خبير في واشنطن “بصراحة، كنت أعتقد أن مراكز الفكر والرأي هي استثمار جيد جدا لهؤلاء الرجال. مبلغ 20،000 دولار بالنسبة لمراكز الفكر والرأي أو المؤسسات الأكاديمية، مبلغ ضخم، ولكنه ليس ذي قيمة بالنسبة لمملكة غنية بالنفط، ومعتادة على إنفاق الملايين من أجل الضغط، وهي تعتبره اقتراحا واطيء الكلفة، وذو قيمة عالية.”
    جاء ذلك بينما كانت الأزمة المالية، التي كانت قد بدأت قبل بضع سنوات، تضرب بأطنابها على مؤسسات الفكر والرأي وكذلك الجامعات، حيث تم تقليص الميزانيات بشكل كبير. كما أن المنح المقدمة من حكومة الولايات المتحدة أو من الجهات المانحة المحلية قد بدأت تجف بشكل تدريجي كذلك. كانت تلك المؤسسات في حاجة ماسة إلى المال، عندما وصلت دفاتر الصكوك الخليجية. وبحلول عام 2014، كانت أموال الخليج في واشنطن قد أصبحت واضحة. فمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، على سبيل المثال، قد فتح مكتبا شاهقا في وسط المدينة، وبتمويل مقداره مليون دولار من دولة الإمارات العربية المتحدة. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز، في ذلك العام، تحقيقا على التمويل الحكومي الأجنبي لمؤسسات الفكر والرأي، وهي ورقة انتشرت بشكل كبير. وقد وجد أن الملايين من التبرعات تذهب الى العديد من المؤسسات الأكثر تأثيرا في واشنطن، والتي كانت “تنتج أوراق السياسات، وتستضيف المنتديات، وتنظم جلسات إعلامية خاصة لكبار مسؤولي حكومة الولايات المتحدة، تتماشى عادة مع جداول أعمال الحكومات الأجنبية.”

    ما الذي يشتريه المال الخليجي في واشنطن

    منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط فيل غوردن، يتحدث في حزيران 2014 مع وزير الاقتصاد والتجارة القطري أحمد بن جاسم آل ثاني في منتدى العالم الاسلامي – الأمريكي، الذي تم تنظيمه في مركز بروكينغز في قطر.
    منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط فيل غوردن، يتحدث في حزيران 2014 مع وزير الاقتصاد والتجارة القطري أحمد بن جاسم آل ثاني في منتدى العالم الاسلامي – الأمريكي، الذي تم تنظيمه في مركز بروكينغز في قطر.

    وقد ذكر تحقيق مجلة التايمز عدة حوادث تفصيلية لتبرعات من الحكومات الأجنبية للتأثير المباشر على سلوك مؤسسات الفكر والرأي:
    قال سليم علي، باحث زائر سابق في مركز بروكينغز في قطر أنه ابلغ بعدم بكتابة انتقادات للحكومة القطرية. أشارت رسائل البريد الإلكتروني بين مركز التنمية العالمية والحكومة النرويجية إلى مبادلة تقوم بموجبها النرويج بـ “التبرع” للمركز المذكور، والذي بدوره سيساعد في إقناع مسؤولي الحكومة الأمريكية بزيادة تمويل الجهود العالمية لحماية الغابات بقيمة 250 مليون دولار. قدمت الحكومة اليابانية لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، الذي يرعى الآن المسؤولون اليابانيون باسم “العلماء الزائرين” والذين يمنحون وصولا إلى مسؤولي الحكومة الأمريكية من خلال فعاليات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS وعلاقاته السابقة.
    حصلت دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي أيضا مانحة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، على دعوة لسفيرها في الولايات المتحدة للمشاركة في لجنة عامة إلى جانب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية في وقتها مارتن ديمبسي، حيث استجوبه السفير بقسوة حول التزامات الولايات المتحدة تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أكد لي الأشخاص الذين تحدثت معهم لإعداد هذه المادة، أنه حتى أولئك الذين ينتقدون جدا موقف المؤسسات التي تقبل التبرعات الخليجية والتأييد الأمريكي الظاهر لواشنطن للسعوديين، أكدوا أنهم يعتقدون أن هذه الحوادث هي الإستثناء وليس القاعدة. ولم يشر أي منهم الى أنه كان على علم بأي مبادلات، صريحة أو ضمنية، بين دول الخليج والمستفيدين من أموالها، وقالوا أنهم يشككون في أن يحدث شيء من هذا القبيل في أي من المؤسسات التي تحمل علامة واشنطن. (المبادلة الوحيدة الواضحة التي وجدتها مجلة التايمز بين مركز التنمية العالمي والنرويج، وكانت تنص على تبني سياسة كان المركز المذكور يدعمها مقابل تلقي تبرعات).
    بدلا من ذلك، فقد وصفوا التبرعات الخليجية بأنها تلعب دورا أكثر دهاء من ذلك بكثير في التأثير على واشنطن – وهو تصريح أقل وضوحا، وبالتالي فإنه أقل دراماتيكية. ولكن هذا الدور هو أيضا، بحسب التصميم، نظامي ومقنع، مما يجعله أقل فظاعة، وإن كان أكثر تشويها من الحوادث التي وصفتها مجلة التايمز. وقال أحد الخبراء “هذا لا يعني أن اشترى ودفع ثمنها”، في اشارة الى احدى مؤسسات الفكر والرأي الافتراضية، أو الأكاديمية التي سيتم تمويلها من التبرعات الخليجية. غير أن هناك نوعا من التأثير الإسكاتي. الأمر ببساطة هو حول ما لا يكتب عنها”. وقد وصف ذلك الخبير، مثل آخرين، التأثير غير المعلن الذي من خلاله قد يفكر العلماء، الذين هم على علم بحساسيات الممولين، مرتين قبل الكتابة بشكل حاسم حول تلك القضايا. وقال الخبير ” يمكنني أن أكتب عن الطائفية السعودية، ولكنني بعد ذلك قد اخسر بعض المال” ، يمكنني أن أكتب عن انتهاكات حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكنه، كما تعلمون، هناك تجاوزات في كل مكان، وهناك مليون أمر آخر أستطيع أن أكتب عنه. وقال خبير آخر “لن يؤثر ذلك على الأرجح على كيفية التحليل، ولكن قد يكون هناك بعض من فرض الرقابة الذاتية على بعض الموضوعات التي لا داع لإثارتها، وهي الموضوعات التي تعتبر حساسة بالنسبة للسعوديين أو غيرهم من ممالك الخليج.”
    على الرغم من أن المصالح الأمريكية والخليجية قد جنحت أبعد عن بعضهما البعض منذ عام 2011، فقد ثبت أن الإجماع المؤيد للخليج في واشنطن يتمتع بمرونة غريبة. يتسبب هذا، على حد قولهم، في ممارسة اهتمام ونقاش كبيرين في واشنطن، حيث السلوك السيئ لدول الشرق الأوسط الأخرى، وخاصة خصوم الولايات المتحدة مثل إيران. ولكن السلوك السيئ من قبل حلفائها في الخليج، مثل انتهاكات حقوق الإنسان، ومعارضة الحركات الديمقراطية، وإجراءات السياسة الخارجية التي غالبا ما تقوض المصالح الأمريكية، بينما هي بعيدة عن التجاهل، فإنها تناقش بحدة أقل وتيرة. ويبرز هذا خصوصا “عندما يتعلق الأمر بالجماعات الإسلامية المعارضة، أو أسئلة الديمقراطية، أو قضايا حقوق الإنسان،” بحسب أحد الخبراء، نقلا عن القضايا التي تنظر إليها الحكومات الخليجية على أنها حساسة للغاية.
    وقال لي ذلك الخبير أن “الكثير من الأماكن التي تمول من قبل السعوديين ما زالت تكتب على تلك القضايا. لكني أشك في أنها قادمة من أعلى إلى أسفل، لأنه لا يمكنك الكتابة على شخص محدد”. غير أن الطبيعة البشرية من شأنها أن تقود شخصا ما الى القول، “هل هناك خط أحمر علي أن افكر فيه، فقط كي أكون حذرا؟ ربما يريدون فقط أن يكونوا أكثر حذرا”. وقال أحدهم أن مخاطر الرقابة الذاتية تزداد وضوحا، عندما يعد الممولين الأجانب بتبرعات متكررة بدلاً من كتابة صك لمرة واحدة. وأضاف “هذا النوع الخطير حقا من التمويل هو تمويل متجدد، لأنه يؤدي إلى رقابة ذاتية”.
    يعطي التبرع المتكرر الجهة المانحة المزيد من النفوذ بسبب التهديد الضمني بالانسحاب. كما أن المتلقون للتبرعات يعرفون أن المانحين يأخذون الكثير من العوامل في الاعتبار، عند النظر في تجديد التبرع من عدمه. إذا كان المتبرع على الحياد، وربما لمجرد انه يفكر في مشاريع أخرى، ولا أحد يريد ورقة سياسته أو تعليقاته شديدة اللهج على لوحة، لكي تكون الشيء الذي تدفع من خلاله الجهات المانحة إلى الجانب الآخر. وعندما سألت عن أدلة على هذا التأثير في إسكات الجميع، ذكر جميع من تحدثت اليهم نفس الاسم، وهي ميشيل دان.
    قصة دان هي قصة سيئة السمعة في دوائر الفكر والرأي في واشنطن، وكثيرا ما تذكر، ولكنها نادرا ما يتم مناقشتها. كانت دان دبلوماسية محترمة عملت لما يقرب من 20 عاما في وزارة الخارجية، وتم توظيفها، في عام 2011، في مركز أبحاث يسمى المجلس الأطلسي لرئاسة قسم جديد يركز على الشرق الأوسط ، بإسم مركز رفيق الحريري، وهو رئيس وزراء سابق للبنان كان قد اغتيل سابقاً.
    ما حدث بعدها كان حساسا للغاية، ولذا فإنني سوف اقوم باستنساخ وصف الصحيفة الدقيق للأحداث:
    تم إنشاء المركز بتبرع سخي من قبل بهاء الحريري، ابنه البكر، وبدعم من بقية عائلة الحريري، التي ظلت نشطة في مجال السياسة والأعمال في منطقة الشرق الأوسط. كما شغل ابن آخر لرفيق الحريري منصب رئيس الوزراء للبنان للمدة من 2009-2011. غير أنه بحلول صيف عام 2013، عندما أطاح العسكر في مصر قسرا برئيس البلاد المنتخب ديمقراطيا، محمد مرسي، سرعان ما أدركت السيدة دان أن هناك حدودا لاستقلاليتها. وبعد أن وقعت على عريضة، وأدلت بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة لوقف المساعدات العسكرية لمصر، واصفة الاطاحة بالسيد مرسي بأنها “انقلاب عسكري”، دعا بهاء الحريري المجلس الأطلسي للشكوى ضد المدراء التنفيذيين الذين لديهم معرفة مباشرة بالأحداث ، رفضت السيدة دان التعليق على هذه المسألة، ولكنها بعد أربعة أشهر من تلك الدعوة، غادرت المجلس الأطلسي.

    وقال رئيس المجلس الأطلسي للصحيفة ان دان غادرت بمشيئتها، لأسباب لا علاقة لها بهذا الحادث. (وانضمت السيدة دان بعدها إلى مؤسسة كارنيجي، وهي واحدة من المؤسسات القليلة التي تعمل بشكل كبير على الأوقاف بدلا من التبرعات). ولم يدَّع أحد ممن تحدثت معهم أن لديه دليلا على أن السيدة دان قد تعرضت لضغوط لتغيير موقفها. من المهم أن نلاحظ أن الممولين هنا كانوا سُنَّة لبنانيين، وليسوا من منطقة الخليج، رغم أن مصالحهم في المنطقة في كثير من الأحيان متوافقة.
    غير أن الشكوك حول “لماذا تتركين وظيفة كهذه؟ الأمر يثير الكثير من الأسئلة؟”، منتشرة كثيرا الى حد أن هذا الحادث، وحوادث أخرى مماثلة، كان لها آثار ردع. إنها تجعل الناس يفكرون مرتين قبل اتخاذ موقف يعرفون أنه سيقلب أحد المانحين الرئيسيين ضدهم. ويشكك البعض بهذا النوع الذي يلعبه هذا التأثير، بدرجة أقل، في التوظيف كذلك. وقال أحد الخبراء “لا أعتقد أنهم يستدعون قطر ويسألونها التوظيف، لكني اعتقد انهم اذا كانوا يبحثون عن سلسلة من المرشحين، وشخص ما يقوم بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في قطر، فإنهم قد لا يصلون الى القائمة القصيرة. لماذا السعي خلف المتاعب؟”.
    يقول كثيرون أن نوعا من المحرمات قد تم تطويره ضد عدم استعداء دول الخليج من خلال انتقادها، أو من خلال اتخاذ مواقف سياسية تعتبرها تلك الدول خطوطاً حمراء، خوفا من اغضاب الجهات المانحة الحالية، أو نفور مانحين آخرين في المستقبل. حتى المال في حد ذاته قد أصبح موضوعا محرما. واضاف “الجميع يعلم ذلك، ولكن لا أحد يحب التحدث عن ذلك، لأنهم جميعا يريدون المال. لا أحد يريد أن يخاطر بعدم حصول مؤسسته على حصتها من الكعكة”، وبينما تجف مصادر التمويل التقليدية، تتنافس مراكز البحوث والمؤسسات الأكاديمية على دولارات الخليج، مما يزيد من حوافز المؤسسة على أن تأخذ هذه الاعتبارات في الحسبان. “أنت قلق جدا حول جامعتك أو مؤسستك الفكرية، لأن الجميع يعاني من الأزمة المالية، والجميع بحاجة ماسة للمال وليس هناك الكثير من منه هناك.”

    تصلب الخط المؤيد للخليج في واشنطن
    ولكن هذه التأثيرات تتحدث فقط عن سبب خجل مجتمع سياسة واشنطن الخارجية من انتقاد دول الخليج، أو من اتخاذ مواقف مخالفة لها حيال مواضيع حساسة. إنهم لا يفسرون لنا لماذا يبدو هذا المجتمع مهتما جدا بشأن اتخاذ مواقف تتماشى مع مواقف تلك الدول الخليجية، أو، كما فعل الكثيرون، ردا على تعليقات أوباما المؤيدة للمملكة العربية السعودية، في هذا الصدد، ووفقا لأشخاص تحدثت اليهم، فإن المال يلعب دورا أكثر دهاء. قبل فترة طويلة، بدأت دول الخليج ضخ الكثير من الأموال الى مؤسسات الفكر والرأي، وكانت المواقف مؤيدة للخليج بالإجماع في واشنطن. كما قالوا أن التبرعات قد عززت من حكمة تقليدية موجودة مسبقا، وهي تفضيل دول الخليج ومصالحها. علاوة على ذلك، فقد ساهم هذا المال في تعزيز هذه الحكمة التقليدية، حتى تغير الوضع في الشرق الأوسط بشكل كبير. وعلى الرغم من أن المصالح الأمريكية والخليجية قد جنحت عن بعضهما البعض منذ عام 2011، إلا أن الإجماع المؤيد للخليج في واشنطن لا يزال يتمتع بمرونة غريبة.
    وقد اخبرني أحدهم أنه “بالنسبة لمعظم هؤلاء الناس، فإن هذا ما كانوا يقولونه على أية حال؛ وأنهم لا يعتبرون أنفسهم يشترون ويُدفع ثمنهم”، غير أنه مع تدفق أموال الخليج إلى واشنطن، فإن الأشخاص الذين يعبرون عن هذه الحكمة التقليدية الموالية للسعودية قد مُنِحوا منابراً أكبر، والمزيد من الأمن الوظيفي، والمزيد من الفرص. ويمكن للزمالات أو مراكز البحوث الممولة من قبل الخليج أن توفر رواتبا جيدة ومواردا تدفع مسيرتها الى الأمام، وتساهم في تضخيم وجهات النظر حول سياستها المنحازة الى الخليج.
    ويقول عضو في مجتمع سياسة واشنطن الخارجية، ويعمل في واشنطن “إن المال يعطي لهم منبراً، ووظيفة، وموارد لإدارة العلاقات العامة تساهم في دعمهم أكثر. إنها تأثير اختيار. إذا كنت تفضل سياسة خارجية تدخلية، وترغب في احتواء إيران، فإنني أعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تنتشر في المنطقة. هذا ما كنت تعتقده، وهذا أيضا ما يريده السعوديون.” يعتبر هذا التأثير الاختياري ذاتي التعزيز. وبما أن المؤسسات التي تفضل الخط السعودي تحصل على المزيد من المال، فإنها تساهم في توسيع فرص العمل للأشخاص الذين يتشاطرون نفس وجهات النظر، وبالتالي تضخيم تلك الآراء إلى أبعد من ذلك. وليس لأحد أن يشعر أن ما يقومون به هو نوع من رد الدين لدول الخليج، لأنهم يعبرون عن آرائهم الصادقة.

    وزير النفط السعودي ابراهيم النعيمي متحدثاً في حدث نظمه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن في عام 2013.
    وزير النفط السعودي ابراهيم النعيمي متحدثاً في حدث نظمه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن في عام 2013.

    كان الدور الأكثر أهمية للتمويل الخليجي، بحسب كثيرين، هو ترسيخ تلك الحكمة التقليدية المؤيدة للخليج حتى في السنوات التي تلت الربيع العربي، وهي الفترة التي تصرفت فيها المملكة العربية السعودية بالضد من مصالح الولايات المتحدة . لقد جعل التغيير في منطقة الشرق الأوسط العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية أكثر سمية، والمصالح بين البلدين أقل محاذاة، بالنظر الى الحرب الكارثية السعودية في اليمن، أو التمويل السعودي للمتطرفين في سوريا، إلا أن إجماع واشنطن لا يزال قويا تجاه السعودية. ويتساءل البعض، لو أن ذلك المال لم يكن موجودا، هل كانت الحكمة التقليدية الموالية للسعودية ستبقى على حالها في واشنطن، على الرغم من تغيير الحقائق الذي يبدو أنه يكتسب المزيد من الشكوك؟
    إن اهتمامهم ليس لأن العلماء يقومون عمدا بدعم وجهة النظر السعودية، ولكن لأن أموال الخليج قد فعلت ذلك، وقامت مع مرور الوقت، بتشويه مجتمع سياسة واشنطن الخارجية من خلال المساعدة في تعزيز وتضخيم الأصوات الموالية للخليج ضد الاصوات المشككة، وقد تحدث لي أحدهم عن التبرعات الخليجية بالقول أن “كان دائما هناك، ولكن التصعيد حدث بعد الربيع العربي. قبل ذلك كانت دول الخليج في غير حاجة للقيام بذلك، وكان هناك إجماع للنخبة على أن تلك المؤسسات هي أوقاف. أما الآن فقد تغير الحال كثيرا. المخاطر الآن أكبر بالنسبة لدول الخليج”.

    المال يشتري الألفة، والألفة تولد الراحة والتعاطف
    سافر الى دبي مؤخرا، ديفيد روثكوبف، الرئيس التنفيذي لشركة استشارية دولية وفريق السياسة الخارجية الذي ينشر مجلة السياسة الخارجية، للحصول على حدث تساهم مجلته في دعمه. كان مؤتمرا دوليا نموذجيا، يتألف من لجنة خبراء سياسية، واجتماعات ودية، تضم الكثير من واضعي السياسات والعلماء الأمريكيين. مثل العديد من هذه المؤتمرات، عُقد هذا الحدث في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي غالبا ما تستضيف مثل هذه الأحداث، وعادة ما توفر لهم الاكتتاب المالي الحكومي. وعند عودته، كتب روثكوبف، عمودا صحفيا في مجلة السياسة الخارجية، يشيد فيه بحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة ويعتبرها “مختبرا لإنتاج أفكار جديدة ومثيرة حول مستقبل الحكم، ووضعها على قمة مجموعة صغيرة جدا من أكثر الحكومات المبتكرة والناجحة في قيادة العالم “. وقد ضمَّن روثكوبف في وسط العمود ملاحظة يقر فيها بأنه سوف يأتي ليكون في دبي، وأنه قد التقى مسؤولين حكوميين إماراتيين أعجب بهم كثيرا، ويرجع ذلك جزئيا إلى حكومة هذا البلد المساهمة في مصالحه التجارية:

    (من خلال الكشف الكامل، كنت في دولة الإمارات العربية المتحدة لتعديل الطبعة الخامسة من مشروع PeaceGame للسياسة الخارجية، والتي نستضيفها بدعم من الحكومة الإماراتية. وعليه فإن الآراء التي يتم التعبير عنها في هذا العمود هي آرائي الخاصة، وهي مستقلة عن تلك العلاقة ، وأقوم بكل جهد ممكن لتشكيل هذا الهدف. وللأسباب ذاتها فقط، يجب على العلاقات التجارية للسياسة الخارجية أن لا تؤثر على المحتوى التحريري لدينا بشكل إيجابي، وأنه لا ينبغي أن تساهم في تحيزنا لأن ننكرتعليقا إيجابيا حيث كان مقررا. وعلى أية حال، يمكنك الحكم على هذا بنفسك. إن قصة إبداع القادة الإماراتيين جديرة بالدراسة بغض النظر عن الطريقة التي قد يعرض فيها السجل العام في البلاد).

    إن كشف روثكوبف مدرك للمعالجة المباشرة للقلق من أن أموال الحكومة الإماراتية يمكن أن تكون قد جعلته يتحيز. وبالفعل، فإن الأمر يستحق أخذه في كلمته حول أن هذا العمود يعكس رأيه الصادق. ولكن العمود يعكس شكلا أكثر دهاء من شراء النفوذ، وهو نوع قامت دول الخليج وخاص الإمارات العربية المتحدة بنشره في واشنطن لإحداث تأثير كبير، وهو شراء الألفة. هذا هو السبب في أن الأشخاص الذين تحدثت اليهم، اقترحوا أن تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة، وغالبا ما تتكفل بالمؤتمرات الدولية المتكررة، والتي يحضرها الكثر من العاملين في مؤسسات الفكر والرأي والأكاديميين وصناع القرار، وحتى الصحفيين ممن يعملون في واشنطن.
    نتيجة لذلك، فقد كان كثير من مؤسسات السياسة الخارجية لواشنطن قد ذهبت الى دولة الإمارات العربية المتحدة، على الاغلب في رحلة معلوماتية فيها ما يكفي لتبرير مثل هذا العمل، ولكنها كانت مرتاحة بما يكفي لتولد مشاعراً جميلة. ربما تحدث الحضور بشكل عرضي مرة أو مرتين مع المسؤولين الإماراتيين، إلأا أنه لا شيء من شأنه أن يبدو عدوانيا مثل الضغط، ولكنه كاف للحصول على بطاقة أو بطاقتي اعمال.
    وقد ذكر لي خبير في الشرق الاوسط ، يعمل في واشنطن، أنه “قد يكون نصف مؤسسة السياسة الخارجية قد سافروا الى دبي أو أبو ظبي. انهم يركبون مقاعد الدرجة الأولى، ويقومون بزيارة المتاحف.” بالنسبة لأولئك الذين لديهم فضول لمعرفة المزيد، كما كان روثكوبف، فإن المسؤولين الإماراتيين الذين غالبا ما يجيدون اللغة الإنجليزية ويعرفون العادات الأمريكية، سيكونون سعداء بلقائهم. ينجح هذا الأمر فقط، لكي تؤمن دولة الإمارات العربية المتحدة تسليم رسالتها المقنعة. إن ما يشتريه البلد، من خلال مثل هذه المؤتمرات، هو الوصول إلى نقل هذه الرسالة إلى جمهور صغير ولكن قوي من النخب السياسة الخارجية الأميركية. سماع هذه الرسالة، بطبيعة الحال، لا يحول تلك النخب الامريكية إلى مضحكين موالين للإمارات، ولكن يمكن للألفة والعلاقات الشخصية أن يكون لها أدوات قوية. ولأن الكثير من النخب السياسة الخارجية للولايات المتحدة قد التقت وقضت وقتا مع المواطنين والمسؤولين الإماراتيين، فهي بطبيعة الحال أكثر عرضة لأنسنة الإماراتيين. كما أنها أيضا أكثر دراية بالفروق الدقيقة في وجهات النظر الإماراتية في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك تفضيلات دولة الإمارات العربية المتحدة للسياسة الأمريكية في المنطقة.
    العلاقات مهمة
    إنها ليست مجرد مؤتمرات بعيدة. لقد كانت دول الخليج تبني علاقات شخصية في واشنطن لسنوات. سفير الامارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة، على سبيل المثال، معروف عنه استضافة المهرجانات الخيرية الباذخة، والتي تضم ضيوفا من جورج دبليو بوش إلى مستشار الأمن القومي سوزان رايس. وقد تحدث أحد المحسنين في واشنطن لصحيفة هافينغتون بوست أن العتيبة “كان معروفا بأنه مصدر سهل للمال من دون شروط” . وقال محسن آخر إن المناسبات الخيرية هي مولدات تأثير إنتاجي، بسبب وجود الكثير من اعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ في العالم، وكل مساعدي البيت الأبيض، ويمكنك إجراء حديث وانجاز شيء ما، لا يمكن الحصول عليه في مكان آخر.
    وفي عام 2013، أقام العتيبة بشكل مفاجيء، حفل عيد الميلاد الخمسين لمذيع MSNBC جو سكاربورو ، وحضره عدد من المسؤولين رفيعي المستوى في البيت الأبيض. كان العتيبة ضيفا دائميا في برنامج سكاربورو، الذي يشيد فيه بدولة الإمارات العربية المتحدة، ويصفها بالنظام الملكي المحافظ والتقدمي في الوقت نفسه. وفي عام 2014، شارك العتيبة في مأدبة عشاء لرعاية الأطفال، إلى جانب مذيع شبكة فوكس نيوز بريت باير، الذي مدح السفير كثيرا. تتحاذى هذه العلاقات الشخصية بشكل طبيعي مع موقف فوكس نيوز حول الشرق الأوسط، الذي يعكس جدول أعمال دولة الإمارات العربية المتحدة الخاص، وهو معارضة التنظيمات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين، والداعية إلى سياسات تدعم دول الخليج ضد إيران، وتطالب بانتشار الجيش الأمريكي في المنطقة.

    مذيعي MSNBC جو سكاربورو وميكا برزيزينسكي في حدث مع السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة في عشاء تكريمي العام 2011 في واشنطن، نظمه المجلس الاطلسي.
    مذيعي MSNBC جو سكاربورو وميكا برزيزينسكي في حدث مع السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة في عشاء تكريمي العام 2011 في واشنطن، نظمه المجلس الاطلسي.

    تميل مثل هذه القصص إلى التركيز على ان دولة الإمارات العربية المتحدة، على عكس دول الخليج الأخرى، تركز على زراعة تأثير مفتوح، بالاضافة الى التأثير على الصحفيين. (لقد عرضت علي رحلات مجانية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ولكني لم اقبلها). غير أن دول الخليج الأخرى، مثل المملكة العربية السعودية، تنشر الكثير من الاستراتيجية ذاتها، وبنجاح مماثل. الفرق هو أن هذه الدول تركز بدرجة أقل على الظهور في وسائل الإعلام، وتركز أكثر من ذلك على بناء علاقات أكثر هدوءً، ولكن ربما تكون أكثر أهمية مباشرة بين السعودية وصناع السياسة الأمريكية. وقد تحدث لي أحد المعنيين أن “دولة الإمارات العربية المتحدة ركزت ظاهريا بطريقة مختلفة عن المملكة العربية السعودية”، مشيرا إلى أن المسؤولين السعوديين والأمريكيين يعملون معا على مدى عقود، ولديهم تنظيم مشترك ورؤية مشتركة حول منطقة الشرق الأوسط.
    وقال لي عضو آخر في مؤسسة السياسة الخارجية لي أن هذه علاقة مؤسسية كنت قد حصلت على المساعدات الأمنية والتعاون الأمني ومكافحة الإرهاب والعلاقات المخابراتية.
    كل من عمل في حكومة الولايات المتحدة حول سياسة الشرق الأوسط لديه على الأرجح، في مرحلة ما، عملت مع نظير سعودي حول هدف سياسي مشترك من نوع ما. وهذا يعني أن العمل في مؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن يعج بالألفة المريحة مع السعوديين، والذين هم في حالة انسجام مع وجهات النظر والمخاوف السعودية، والذين غالبا ما يكون لديهم علاقات شخصية مع هؤلاء النظراء. العلاقات مهمة جداً. لدى السعوديون في جميع انحاء العاصمة واشنطن، علاقات طويلة الأمد مع كثيرين، بحسب خبير في السياسة الخارجية. كما ان لديهم تأثير كبير على الطريقة التي يتم من خالالها صياغة التحليلات الاستراتيجية، لأنهم شركاء مفيدون.
    كثيرا ما تتطور هذه العلاقات في عالم واسع ومربح من المخابرات أو الاستشارات العسكرية أو المقاولات، وهي ساحة ربح منها مسؤول أمريكي سابق الكثير من المال. هناك أيضا العديد من المسؤولين السابقين في وزارة الدفاع، والاستخبارات، ووزارة الخارجية يتمتعون بعلاقات وثيقة مع دول الخليج (بما في ذلك المملكة العربية السعودية) عن طريق عالم الاستشارات والمقاولات، بحسب تصريح خبير ثالث في واشنطن، قال لي ذلك. وقد لاحظ ذلك الخبير أن هذه الدول تنفق عشرات المليارات في كل عام لشراء المعدات وتلقي المشورة من الشركات الأمريكية. ولكن إذا كانت الألفة مع المسؤولين السعوديين والإماراتيين تولد الراحة مع تلك البلدان، والتعاطف تجاه الأهداف والسياسات، فإن عكس هذا هو الصحيح فيما يتعلق بالعدو الأكبر لدول الخليج، وهي إيران.
    لقد نبه الاتفاق النووي الذي ابرمته الولايات المتحدة مع إيران، المملكة العربية السعودية ودولا عربية أخرى في الخليج تخشى من ان أمريكا تميل بعيدا عنها نحو عدوها منذ فترة طويلة. ولم تكن هذه الدول تخجل من التعبير عن همومها، وتفضيلها بقاء الولايات المتحدة معادية لإيران. دول الخليج تلك، بحكم العلاقات الطويلة الأمد مع واشنطن، لديها قدر كبير من التواصل والوصول إلى أعضاء مجتمع السياسة الخارجية الأميركية. ويقول أحد الخبراء أنه يعتقد أن الكثير من ذلك هو حول إيران، في إشارة إلى أنه بما أن السياسة الخارجية لواشنطن لديها علاقات قديمة مع المملكة العربية السعودية، فإنها في نفس الوقت لديها شكوك قديمة وبعدٌ عن إيران. وأكد الخبير أن هناك ميزة كبيرة لهذا الشك. ولكن، لأن الكثيرين في واشنطن لديهم علاقات طويلة الأمد مع المسؤولين السعوديين، وليس لديهم نفس العلاقات مع ايران، فإنهم يكونون عرضة لأنسنة والتعاطف مع السعوديين. هذه الظاهرة أكثر منطقية إذا سمحت بفرضية أن واشنطن، قبل بدء وصول المال، وفي بعض الحالات قبل بدء بناء علاقات تقليدية، كانت تفضل المملكة العربية السعودية والمصالح السعودية. لقد أعطى هذا النفوذ الافضلية لدول الخليج لتضخيم هذا الاتجاه، والى التشدد حيال ما لا يخدمها من مواقف، من دون أن تأمر أي شخص باتخاذ مواقف مؤيدة للخليج. ولكن من أين تأتي تلك الحكمة التقليدية في المقام الأول؟ ولماذا ثبت أن ذلك مستغرب دائماً؟
    المملكة العربية السعودية هي الوضع الراهن، والوضع الراهن في واشنطن يعتبر ديناً مقدساً

    الرئيس جورج بوش يلتقي السفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأمير بندر بن سلطان في عام 2002.
    الرئيس جورج بوش يلتقي السفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأمير بندر بن سلطان في عام 2002.

    للمال دور جوهري في واشنطن، لكن تحيز الوضع الراهن له صوت أعلى من ذلك بكثير، بحسب زميلي مات ايغليسياس. عندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، فإن المملكة العربية السعودية هي المرادف العملي للوضع الراهن. بدأ تحالف أميركا مع السعوديين في الاربعينيات من القرن الماضي، مع اكتشاف النفط، الذي ساهم في التوفيق بين مصالح الولايات المتحدة والسعودية منذ ذلك الحين. هذا بالاضافة الى الشراكات الامريكية السعودية الاخرى خلال الحرب الباردة، والحرب بالوكالة في أفغانستان، والحرب ضد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والحرب بعد العام 2000 ضد الإرهاب الإسلامي، والآن ضد إيران. كل الجهود الأمريكي في المنطقة كانت بالشراكة تقريبا مع المملكة العربية السعودية. يقول أحد الخبراء في شؤون الشرق الأوسط “يأتي ذلك من تاريخ طويل جدا”. إن أي انحراف عن هذا التحالف، هو اختراق كبير للوضع الراهن، وهذا من شأنه أن يثير الكثير من الجدل. والأكثر من ذلك، أن المملكة العربية السعودية تقع في مركز الوضع الراهن للهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، الذي كان في الماضي، أكثر استقراراً وقابلية للتنبؤ.
    هيمنت أمريكا على مدى عقود، على جزء كبير من منطقة الشرق الأوسط من خلال نظام التحالفات مع الدول العربية، التي كانت أقواها مع المملكة العربية السعودية، وكذلك مع إسرائيل. كانت الديكتاتوريات العربية مؤيدة للولايات المتحدة، ووقفت مع الولايات المتحدة حول إسرائيل (ولو ضمنا)، من أجل عزل إيران، ومحاربة الإرهابيين الإسلاميين. يخدم هذا النظام الولايات المتحدة، من خلال منحها وكلاء في منطقة مليئة بالموارد القيمة، وفي نفس الوقت، أيديولوجية معادية للولايات المتحدة. كما يخدم المملكة العربية السعودية، في إعطاء المملكة الغنية ذات الكثافة السكانية المنخفضة، حماية قوية ضد الأعداء الخارجيين الأكثر سكانا، مما يحافظ على الحكم الملكي بعد فترة طويلة من سقوط معظم الأسر المالكة. وقد اختلف الأشخاص الذين تحدثت اليهم حول الدرجة التي كان عليها الوضع الراهن للتحيز اكثر مما للمال من دور يمكن أن يقوم به. بدلا من ذلك، رأى معظمهم أن الإثنين يعملان سوية، مما يؤدى إلى تفاقم بعضهما البعض. فالمال، بحسب وجهة النظر تلك، يعزز انحياز واشنطن نحو الوضع الراهن بكل تأكيد. ويقول خبير أخر في شؤون الشرق الأوسط أن انطباعه الشخصي كان أن التمويل أقل من التحيز الافتراضي لدعم شريك شبه موثوق في منطقة ذات أهمية كبيرة للولايات المتحدة.”

    وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين اولبرات  تضحك مع الأمير السعودي تركي الفيصل في مؤتمر ببراغ العام 2007.
    وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين اولبرات تضحك مع الأمير السعودي تركي الفيصل في مؤتمر ببراغ العام 2007.

    كل من تحدثت معهم كانوا حذرين من الاشارة الى أن تحيز الوضع الراهن للسعوديين سيظل قائما حتى في حالة عدم وجود التمويل الأجنبي، لكنهم رأوا أن أموال الخليج تساهم في تضخيم هذا الاتجاه، وربما إلى حد كبير، جنبا إلى جنب مع الأصوات التي تردد الحكمة التقليدية الموالية للسعودية. وقد أخبرني أحد الخبراء في واشنطن ما يلي”لن يختفي هذا تماما في حالة عدم وجود هذا المال لأن الناس يعتقدون أن الاهتمام الأمريكي يفضل الإبقاء على الوضع الراهن، ودعم إسرائيل، واحتواء إيران.” ولم يكن لهذا النظام الراهن أن يستمر، وكان سينهار لولا احداث الربيع العربي في عام 2011، والذي شهد صعود الاسلام السياسي والسياسة الشعبوية بينما انهارت الديكتاتوريات القديمة. وبدأ النظام القديم المألوف يختفي، وهو ما خدم بعض الدول أفضل مما خدم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
    بالنسبة لكثير من دول الشرق الأوسط التي كان لها أذرع في واشنطن، اولذين تزعموا هذا الوضع الراهن طوال حياتهم المهنية، كان هذا التغيير مقلقا، وأثار رغبة مفهومة للتمسك بما تبقى من النظام القديم. “لقد أصبحت الديمقراطية كلمة سيئة مرة أخرى. الجميع راغبون في الاستقرار، والاستقرار في السعودية يعني بقاء الوضع على ما هو عليه” يقول لي أحد الخبراء. ولأن التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية كان دائما ركيزة أساسية في الاستراتيجية الأميركية، فإن الحفاظ على التحالف يعمل أحيانا كمرادف للمحافظة على النظام الموالي للولايات المتحدة. عندما يسخر أوباما من التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية، فإنه يهز تلك الركيزة. إن مجتمع واشنطن من خبراء السياسة الخارجية، قلق بالفعل من التغييرات التي تحدث بعيدا عن الشرق الأوسط، وبالتالي فإن دورهم كما فهموه في السابق منذ فترة طويلة، سيكون وفقا لذلك.
    الأساطير الأمريكية:
    قال لي خبير في شؤون الشرق الأوسط في واشنطن، أن هناك توافقا واسعا في الرغبة أن تكون الأمور على الطريقة التي تمت بها من قبل. وهذا يعني التحالف بين الولايات المتحدة مع اسرائيل ومع دول الخليج لاحتواء ايران، ومحاربة الإرهاب، والحفاظ على تدفق النفط. تلك كانت سياسة الولايات المتحدة الخارجية منذ 50 عاما. أما أوباما فإنه يحاول أن يفعل أشياء مختلفة، لذلك فإن ما ترونه هو موقف مؤيد للسعودية، والذي هو أيضا موقف مؤسسة السياسة الخارجية”. ولأن النظام القديم كانم منحازا الى المصالح السعودية، فإن تحيز الوضع الراهن لواشنطن يتم التعبير عنه على أنه انحياز للسعوديين. عندما يدعو مجتمع السياسة الخارجية للحفاظ على هيكل التحالف القديم، وعزل إيران، ودرء الحركات الإسلامية، فإن كل تلك هي مصالح سعودية أساسية. إضافة الى ذلك، فإن السعوديين ودول الخليج الأخرى يميلون إلى وصف العالم، ومكانة أميركا فيه، بطريقة لا يريد سماعها الكثيرين في مجتمع السياسة الخارجية لواشنطن.
    كثيراً ما يتم سؤالي لماذا يبدو الإجماع على سياسة واشنطن الخارجية على أنه يميل بشكل غير معتاد إلى التدخل، وغيره من المواقف السياسية الخارجية العدائية، ولماذا، مقارنة مع مجالات سياسية أخرى، هي خالية نسبيا من أكثر العلماء المتحرري الذهن. بالنسبة لي، يبدو الجواب واضحا: أنت ميال إلى دراسة وممارسة السياسة الخارجية الأمريكية إذا كنت تعتقد أن التدخل الأميركي في الخارج عموما هو قوة للخير.
    لدى المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى هذا الاعتقاد. إنهم يريدون صراحة الهيمنة الأمريكية على منطقتهم لأنها تخدم مصالحهم، وتساعد على الحفاظ على حكمهم في الداخل، وتأثيرهم الكبير في الخارج. عندما تتحدث الى مسؤولين من تلك البلدان، فإنه يبدون متزنين من الناحية العملية مثل رونالد ريغان، واصفين إسقاطات السلطة الأمريكية على العالم، على أنها ضرورية ومرحب بها. وقد ذكر عن الملك عبد الله الثاني، ملك الاردن قوله “أعتقد أنني أؤمن بالقوة الأمريكية أكثر مما يؤمن بها”.
    هذه هي وجهة نظر مشتركة بين حلفاء الولايات المتحدة، الذين قدموا للاعتماد على التطمينات الأمنية الأمريكية، والذين يعرفون أن الولايات المتحدة لديها ميزانية ضخمة وقوة عسكرية يمكن أن تساعد في حل مشاكلهم، والذين كانوا، لسنوات، يستمعون الى الأميركيين وهم يقولون لهم بأن الولايات المتحدة سوف تكون، وينبغي أن تكون مسؤولة. بالنسبة لمحترفي السياسة الخارجية الأميركية الذين يشاركوننا هذا الاعتقاد، فإن مواقفهم متجذرة في المثالية والتفاؤل حول دور قوة الولايات المتحدة، بالإضافة الى الإعتقاد الموكد في الخير المتأصل في الهيمنة الأمريكية. أما بالنسبة لدول الخليج، فهي مسألة ذات اهتمام استراتيجي ومصلحة ذاتية، فالقوة الأميركية ليست مفيدة فقط بالنسبة لهم، ولكن لازمة لدعم الأنظمة الخاصة بهم، والتي غالبا ما تكون أنظمة استبدادية عفا عليها الزمن، وتتمتع بقوة إقليمية كبيرة أكبر من حجمها. إن كون كلا الفريقين يشتركان في نظرة عالمية هو امتياز، إلى درجة غير عادية، لتأكيد القوة الأميركية ولتلك التي تخشى عواقب التقاعس الأميركي.
    إن هذه النظرة إلى العالم، بالنسبة للأميركيين، متجذرة كثيرا في عقيدة السياسة الخارجية كما هو الحال في شيء من الأساطير. الهيمنة على الشرق الأوسط، في أساطيرنا، ترد دائما بمسحة من الاعتزاز، ولكنها تُذكر زوراً على أنها أكثر استقرارا، وأكثر ترحيبا، وأكثر دواما مما هو عليه بالفعل أو ما كانت عليه. إن إسقاطات السلطة الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي لديها سجل حافل ، تعتبر، ليس فقط، أداة مفيدة، بل جوهرية في حد ذاتها. في تلك الأساطير، كانت لحظة الأحادية القطبية الأمريكية بعد الحرب الباردة، سلمية، ليس بسبب عدم وجود صراع بين القوى العظمى أو حروب بالوكالة، ولكن لأنه أكثر مثالية وجاذبية أن يكون تأكيد القوة الأميركية هو الأمر الفاضل والمساهم في الاستقرار. بناء على هذا، فإن السبب الجذري لأي مشكلة في العالم، يجب أن يكون غياب إسقاطات السلطة الأمريكية، والحل، بالتالي، هو دائما قوة أمريكية أكبر. لقد حاول ويحاول صناع السياسة الخارجية الأمريكية، على مدى عقود، اقناع حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك دول الخليج، بشراء حصة من هذه الأساطير. وقد فعل الكثيرون ذلك، وبدءوا بالاعتماد على النتائج المترتبة على هذا النظرة. وتقوم دول الخليج الآن بإنفاق هائل لإقناع واشنطن بأساطيرها الخاصة. كثيرون في واشنطن يستمعون لذلك، وهم على استعداد أكثر من أي وقت مضى، للإستماع الى حكمتهم، خصوصا عندما يبدو أن تلك الحكمة مزورة من قبل الواقع.


    ملاحظة :
    هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .

    المصدر:
    http://www.vox.com/2016/3/21/11275354/saudi-arabia-gulf-washington