back to top
المزيد

    التكنوقراطية وحكومة التكنوقراط .. دراسة موجزة

    استخدم مصطلح ” التكنوقراط ” في الأصل للاشارة إلى تبني وتطبيق المنهج العلمي في حل المشاكل الاجتماعية المتعلقة برفاهية المواطنين من خلال اختيار الافراد اللذين يمتازون بالمهارات التقنية والقيادية التخصصية والأداء الحسن، من أجل تطبيق هذا المنهج ونجاحه.

    وطبقا الى ما جاء به أنصار هذا المفهوم، فأنه يجب عدم الاعتماد بل الغاء دور المال الذي يجعل من البلدان والمجتمعات بلدانا مستهلكة تأكل ممَا لاتزرع وتلبس ممَا لاتنسج، بل الاهتمام بالتطور المستدام النابع من قاعدة الموارد المتوفره، بدلا من الاهتمام بالربحية النقدية، وذلك لضمان استمرارية تشغيل جميع القطاعات المجتمعية والصناعية إلى أجل غير محدد، ودون الرجوع الى الانتخابات الديمقراطية التي يبرز من خلالها أفرادا لايملكون المعرفة أو المهارة المطلوبة لممارسة التكنوقراطية أوالسماح بوصفهم بالتكنوقراطيين، على أقل تقدير.

    أما مصطلح “التكنوقراطية”، فيشير الى الهيكل التنظيمي أو نظام الحوكمة، وهي العملية التي يتم فيها او من خلالها اختيار صناع القرار على أساس من المعرفة التكنولوجية، وليس على أساس الانتماءات السياسية او العرقية او الدينية او .. لنقل المذهبية.

    التكنوقراطية هو المصطلح الذي يعني أساسا حكم الخبراء غير المنتخبين، وفي كثير من الأحيان الأكاديميين اللامعين، الذين يفترض بهم وضع مصلحة البلاد فوق مصلحة أيِ من “الجهات” السياسية او المناطقية او العرقية، واستطرادا، فأن التكنوقراطية غالبا ما تكون في تناقض مع – ولكن ليس لمعارضة- المنتخبين من أبطال الاحزاب السياسية او الفصائل الفاعلة.

    ومن الامثلة على ذلك، ان الشيوعية مارست مفهوم التكنوقراطية، من خلال تسلم البروليتاريا السلطة السياسية وتركهم السلطة الادارية والخدمية للطبقة التكنوقراطية، وكذلك فأن مفهوم التطبيق العلمي فوق قواعد السياسة كان قد مورس ولايزال في الانظمة الرأسمالية، حيث شهدت نماء حركة التكنوقراطية إزدهارا منقطع النظير أبان الفترة ما بين الحربين في الولايات المتحدة، والتي أعتمدت على مصادر الطاقة البشرية دون تكلفتها، وأتسمت تلك الاستراتيجية في استقطاب التكنوقراطيين في أعتمادها على الحشد البشري مصدرا للطاقة في تقديم الحلول السياسية … إستراتيجية كان عمودها الفقري إستيراد الطاقات البشرية العلمية وأحتضانها، حتى استطاعت الولايات المتحدة أن تشكل شعبا هجينا في الاعراق متفوقا في الطاقات والقدرات التي يصعب حصرها، الامر الذي مكَنها من ان تفرض ارادات غير مقبولة في بعض المواقع، وارادات يعيشها العالم أجمع منها جعل الدولار عملة للتداول الدولي، وان الدولار هو بارومتر تحرك أسعار اوقية الذهب.

    وبالرغم من هذا المفهوم أو ذاك، فان مفهوم التكنوقراطية والتكنوقراطيين يبقى مفهوما مبهما وإفتراضيا، كونه مصطلحا لم يظهر مع بروز الثورة العلمية الحديثة في المعلوماتية والهندسة الطبية والاتصالات، والتي لم يتجاوز عمرها السبعين عاما، والتي يشهد الانسان نتائجها كل يوم بل كل لحظة، في زمن إعتُبر فيه من لايجيد إستخدام الكومبيوتر ووسائط الاتصال الحديثة في رسم صفة الاستدامة على حياته والاستجابة لمتطلبات معيشته اليومية، أعتبر أميا…أعتبر أميا … أعتبر أميا.

    لقد كثر إستخدام هذين المصطلحين الفظفاظين من قبل المعجبين بهما، والذين يصورون لانفسهم، ان التكنوقراطي هو جسم متميز فريد، يملك من المعرفة – في  تخصص ما – ما لايملكه الغير، و بهذا رسموا هالة ضباببية ما بين الحقيقة والخيال، الحقيقة التي تؤكد وفرة في أعداد التكنوقراطيين في عالمنا الحاضر وإنحسار مفهوم النخبة الذي اريد منه حصر الحوكمة بإرادة عدد محدد ومحدود. ومن الأمثلة على التكنوقراطيين :هم العلماء والمهندسين و التقنيين الذين لديهم المعرفة الخاصة والخبرات، والمهارات، لتشكيل الهيئات الإدارية الحاكمة، بدلا من الافراد المنتخبين من خلال الأحزاب السياسية ورجال الأعمال، وما أكثرهم في يومنا هذا.

    أذن، ما هي حكومة التكنوقراط ؟

    للإجابة على هذا السؤال علينا ان نتعرف على الكيفية التي تتشكل بها الحكومات في الانظمة البرلمانية، وبالتأكيد ليس في العراق، ولكن في الدول المستقرة منذ سنوات، فعلى العكس من الانظمة الرئاسية التي يتمتع فيها الرئيس بصلاحية إختيار أعضاء كابينته الوزارية، فإن الانظمة البرلمانية تمنح صلاحية إختيار الوزراء وإقرار الكابينة الوزارية الى البرلمان المنتخب. وغالبا ما يتطلب النجاح في إختيار الكابينة من قبل البرلمان، تحالف عدد من الاحزاب لتشكيل الاغلبية التي تستطيع إقرار قبول الكابينة الوزارية المقترحة عليهم.

    يشمل أتفاق المتحالفين منح مناصب رؤساء الوزارات الى تلك الاحزاب، والتي تقوم بدورها في تنصيب أحد أعضائها رئيسا لتلك الوزارة. وعلاوة على ذلك، فإن إتفاق التحالف يمنح، في الغالب الاعم وليس الحصر، منصب رئيس الوزراء للحزب الاكبر في ذلك التحالف. وغالبا ما تبرز شخصية واضحة المعالم لتسنم ذلك المنصب أثناء فترة الانتخابات. فإن كان الامر كما تقدم، فما المقصود بحكومة التكنوقراط .

    من الناحية التقنية، فإن حكومة التكنوقراط: هي حكومة لايتسم وزراءها في إحتراف المهنية والمسلكية السياسية، بل نرى في بعض الاحيان، أن الوزراء لاينتمون الى الاحزاب المتحالفة أصلا، وعوضا عن ذلك، فإنهم يمثلون أفرادا ” خبراء” بما تحتاجة وزارتهم من مهارات وقدرات تضمن عملا منتجا وأستدامة في تطوره. ومثالا على ذلك، ان يكون وزيرا للمالية، شخصية تتمتع بخلفية في العلوم الاقتصادية وممارسة في التطبيق العملي في المصارف الدولية او المحلية،من دون تأريخ في تسلمه المناصب عن طريق الانتخابات الحزبية أو حتى ولوجه في العمليات الانتخابية والدعوة اليها.

    هل من الضرورة ان يكون رئيس الوزراء تكنوقراطيا، أيضا ؟

    في بعض الحالات، شهدنا تكنوقراطيا يترأس الوزارات، لكن هذا ليس أمرا ملحا، ذلك لتشعب الاختصاصات التي يتطلبها تسيير أعمال البلدان، وإستحالة ان يجمع رئيس الوزراء الخبرات لفهمها جميعا، ولا حتى الاغلب منها، تلك التي من المفترض ان يتصف بها أعضاء كابينته التكنوقراطية.

    لهذا السبب فإنه من الممكن تنصيب رئيسا للوزراء من أحد الاحزاب الرئيسة، او ان يكون مستقلا تكنوقراط في مجال معين، وخير مثالين على ذلك هما رئيسي وزراء اليونان وإيطاليا في عام 2011، حيث وصفا بالتكنوقراطية، كونهما خبراء إقتصاديين ( وليسوا حملة بكلوريوس، وعملوا في الترجمة، كما هو الحال في الدول التي يطلق عليها، النامية)، وهذه ليست اشارة على وجوب ان يكون رئيس الوزراء خبيرا إقتصاديا.

    متى ترشح البلدان التكنوقراطيين لقيادة بلدانهم ؟

    غالبا ما تذهب البلدان لتشكيل حكومات تكنوقراط عند فقدان الحكومة لثقة ودعم البرلمان لها، وكذلك لاسباب أخرى متعددة منها قانونية، او دستورية، أو سياسية، والاعم الاغلب أسباب واقعية منها تردي الاوضاع الاقتصادية وزيادة البطالة وتفشي الفساد المالي والاداري، ممًا تتطلب الدعوة الى إنتخابات مبكرة يصعب تنظيمها، لذلك تلجأ الشعوب المتقدمة الى تشكيل حكومات تعتمد على التكنوقراط ولو لفترة مؤقتة، لحين إجراء الانتخابات المؤجلة، وتسمى مثل هذه الكابينة بحكومة تصريف الاعمال، ومما لم  يخطر ببال أحد، ان احد الحلول الادارية عند بروز تلك المسببات التي تدعو الى تغيير الحكومة المتلكئة، هو تشكيل حكومة ساندة لها، او كما يطلق عليه أحيانا ” بحكومة الظل “، والتي غالبا ما تكون بعيدة عن التكنوقراطيين، حينئذ يطلق على تسمية هذه الحكومة ذات المسندين ” بالحكومة العرجاء”.

    أن حلولا كهذه مفيد بشكل خاص في البلدان ذات الديمقراطيات الفتية نسبيا وغير المستقرة في بعض الأحيان، للمساعدة في بناء الثقة الجماهيرية، من حيث نشر مفهوم هو أنه بالامكان الوثوق بنظام حكومة منتخبة يمكن تغيير أعضائها بعد حين و بشكل دوري كما يتوقعه ويتوق اليه الجمهور . وما يضمن التغيير السلمي للسلطات هو انه في حال فقدان الحزب الحاكم او الكتلة الحاكمة في الانتخابات المتوقعة ورفضه لنتائج تلك الانتخابات، لا يمكنه او يمكنهما التمسك بالسلطة لأنهم كانوا قد أصبحوا خارج كابينة التكنوقراط، قبل بدء الحملة الانتخابية .

    الملخص:

    ان التكنوقراطية هي عملية ممارسة التكنوقراطيين للحكومة غير الخاضعة لسلطة السياسيين او المتنفذين، وان التكنوقراطيين هم أفراد من المجتمع، يمتلكون من العلمية والمهنية في مجال تخصصاتهم، مما يسمح بتسميتهم بالخبراء، أفراد يفترض فيهم الاخلاص والامانه والعمل من اجل تطبيق علميتهم على الواقع السياسي والاجتماعي من اجل رفاهية المواطن، وان حكومة التكنوقراطيين، سواء الثابت منها او لتصريف أعمالها، فيها منفعة في غلق باب الاستحواذ على السلطة وفتح بوابة التبادل السلمي لها.


    المصادر:

    http://arsenalfordemocracy.com/2015/03/28/drawbacks-of-technocracy-part-1-europes-political-crisis/#.VvZIcVJKWAg

    https://en.wikipedia.org/wiki/Technocracy

    http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2011/11/2011111675931523936.html

    http://www.economist.com/node/21538698