في الرابع من شباط أعلن المتحدث باسم الجيش السعودي أحمد العسيري بأن المملكة العربية مستعدة لارسال قوات برية الى سوريا لقتال داعش إذا ما قرر التحالف بقيادة الولايات المتحدة القيام بعمليات برية ضد هذه الجماعة الإرهابية .
ليست المرة الأولى التي تظهر فيها المملكة العربية السعودية حرصها على المشاركة في الحرب ضد الجماعات المتطرفة، إذ أنها كانت من بين أولى الدول العربية التي إنضمت إلى التحالف الدولي ضد داعش، وهناك مثال آخر على رغبة السعوديين بأخذ زمام المبادرة في المعركة ضد الإرهاب، إذ قامت بتشكيل تحالف عسكري إسلامي يضم 34 دولة، أغلباها إسلامية أواخر العام 2015، وذلك بهدف تنسيق عملياتها مع قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة.
إن مشاركة المملكة العربية السعودية بحرص في مثل هذه المبادرات يبدو متناقضاً على أقل تقدير نظراً لمسؤوليات المملكة في نشر تفسيرها الوهابي الرسمي للإسلام بين المجتمعات السنية في جميع أنحاء العالم منذ أن بدأت عائدات البلاد من النفط بالارتفاع في السبعينيات، تم إنفاق عشرات المليارات من الدولارات من أجل نشر هذا الإصدار البروتستانتي من الإسلام السني، الذي بدوره ساهم بشكل كبير في صعود التطرف الإسلامي.
لقد اعترف بتورط المملكة الأيديولوجي في تشكيل هذه المجموعات الإرهابية مثل داعش من قبل أفراد المؤسسة الدينية السعودية إذ إعترف الشيخ عادل الكلباني، الإمام السابق للمسجد الحرام في مكة المكرمة بأن داعش “فرع” من السلفية، إذ أنهم يعتمدون على نفس الكتب والمبادئ التي يعتمد عليها رجال الدين الوهابية، إن أحد الإعتقادات المتطرفة التي تدرس من قبل العلماء السعوديين هي الفكر التكفيري أو الطرد، الذي يقوم على مبدأ أن أولئك المسلمين الذين لا يحملون نفس المبادئ الدينية والتفسيرات الوهابية هم كفار (مرتدين)، مما يجعل منهم أعداء الإسلام وبذلك لا تعود هناك أي حماية وقدسية لحياتهم أوممتلكاتهم، في الواقع فإن غالبية الذين قتلوا من قبل داعش (وغيرها من الجماعات المستوحاة من الوهابية – السلفية) هم من المسلمين.
يبدو أن هناك وعي متزايد من العلاقة الخبيثة بين العقيدة الدينية الرسمية للسعودية ومعتقدات وممارسات الجماعات الإسلامية، وهانك تزايد في أعداد الناس المدركين لذلك في الغرب. وما هو أكثر أهمية من ذلك هو بدء بعض صناع القرار بالتساؤل إلى أي مدى يمكن للغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، أن يحافظ على العلاقات الودية مع المملكة العربية السعودية، نظراً لأن آثار الدعم غير المشروط لنظام الحكم في السعودية يمكن أن يكون حول قضية الإرهاب.
ويمكن رؤية المثال على هذه المواقف المتغيرة في حدث إستضافه مجلس العلاقات الخارجية ومقرها نيويورك في 29 كانون الثاني، إذ سنحت للسيناتور كريس ميرفي فرصة لمناقشة السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، في حين أنه بدأ بإنتقاد السياسيين الجمهوريين الذين يتهمون الإدارة الديمقراطية بعدم إمتلاكها لاستراتيجية لهزيمة داعش، إلا أنه سرعان ما انتقل إلى التركيز على ما أسماه “الحقائق المزعجة” التي على الولايات المتحدة الأمريكية – والغرب بشكل أوسع – مواجهتها في مكافحة التطرف، وكانت نقطته الرئيسية في خطابه هي أن ادارة اوباما تمتلك خطة لهزيمة داعش، ولكنها استراتيجية قصيرة الامد لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار، أن انتشار النظريات والممارسات المتطرفة يرجع فضله الى مليارات الدولارات التي تنفقها دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر على المؤسسات الدينية الوهابية، قال السيناتور “وفقاً لبعض التقديرات منذ الستينيات قام السعوديين بصرف أكثر من 100 مليار دولار في تمويل المدارس والمساجد في جميع أنحاء العالم في مهمة نشر الوهابية المتزمتة” وأشار كذلك الى كيفية مساهمة السياسات السعودية أيضاً بشكل غير مباشر في انتشار الإرهاب هذا هو الحال في اليمن إذ سمح الفراغ السياسي الناجم عن الحرب الأهلية التي تقدم فيها المملكة الدعم العسكري للرئيس هادي من خلال الضربات الجوية للجماعات الجهادية بالسيطرة على بعض الأرضي في بعض مناطق البلاد.
إن أفكار السناتور مورفي في كيفية عكس هذا الاتجاه واضحة تماماً إذ قال “يجب على الولايات المتحدة وقف دعم المملكة العربية السعودية في حملتها العسكرية في اليمن، على الأقل حتى نحصل على تأكيدات بأن هذه الحملة لا تشتت الانتباه عن مكافحة داعش والقاعدة حتى نعمل بعض التقدم في ما يخص تصدير السعودية للوهابية، ويتحتم على الكونغرس ألا يوقع على أي مبيعات عسكرية إضافية إلى المملكة العربية السعودية حتى يتم منح ضمانات مماثلة، إذا كنا جادين في بناء استراتيجية ناجحة لهزيمة داعش والقاعدة، على هذه الإستراتيجية ان تأخذ بعين الاعتبار المستقبل كذلك”.
على الرغم من إعترافه بكيفية إستفادة الولايات المتحدة من الحفاظ على علاقة ودية مع المملكة العربية السعودية، إلا أن السيناتور الديمقراطي قام بخطوة جريئة من خلال الإشارة إلى الحقائق المزعجة التي على الولايات المتحدة أن تبدأ التعامل معها.
كما كتب جوش كوهين في الآونة الأخيرة، بدأ سياسيون غربيون اخرون بالتنديد في مساهمة المملكة العربية السعودية في انتشار التطرف، ويشير كلام السيناتور مورفي بأن انتقادات السياسات السعودية بدأت بالتزايد وبكسب الأرضية إذ أصبحت مسؤوليات الغرب أكثر وضوحا أيضاً، أن الأمل هو أن يترجم مثل هكذا وعي إلى تدابير للحد من تورط المملكة مع الإرهاب، وخلاف ذلك فإن جذور المشكلة لن تمس أبدا.