عقد مركز البيان للدراسات والتخطيط بالتعاون مع المعهد العراقي للاصلاح الأقتصادي (IIER) ندوة بعنوان (الآثار النقدية للسياسة المالية في العراق) وذلك يوم السبت الموافق23-1-2016، إذ تضمنت الندوة ورقة قدمها الدكتور باسم عبد الهادي رئيس مركز الابحاث في الهيئة الوطنية للاستثمار محاور عدة ، تمثلت بمقدمة بشأن السياسة المالية في العراق من تغير الأهداف وثبات الآليات، واختلال النفقات والإيرادات العامة في مواجهة الاستدامة المالية، فضلاً عن البعد المالي في تطور عرض النقد والاسعار، ومن ثم استقلالية البنك المركزي وإمكانات تحقيقها في بلد ريعي وسلبيات مزادات العملة اليومية وايجابياتها وصلاحية البنك المركزي في رسم السياسة المالية في العراق، وتطرق في نهاية الندوة إلى إشكالية التنسيق بين السياستين المالية والنقدية في العراق .
وترأس الجلسة الدكتوره اكرام عبد العزيز مدير الدائرة المالية في الهيئة الوطنية للأستثمار والدكتور خالد قحطان عبود مقوماً لورقة الباحث، وحضر الندوة نخبة من الاكاديميين والمختصين وعدد من المدراء العامين من الجهات ذات العلاقة ، وتم خلال الندوة فتح باب المداخلات عبر توجيه الاسئلة إلى المحاضر والإجابة عنها، إذ أشار الدكتور هيثم الجبوري نائب رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب إلى إعداد خطط سريعة وعاجلة لمعالجة الازمة الاقتصادية جراء انخفاض أسعار النفط من خلال دعم القطاعات الاقتصادية الأخرى وتنميتها وإعطاء فرصة أكبر للقطاع الخاص ، وأضاف الدكتور عبد الجبار أحمد العبيدي عميد كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد إلى إعداد دراسة شاملة لاصلاح مختلف القطاعات الاقتصادية عبر خطة إنقاذ لدعم الإصلاحات الحكومية الحالية في المجالات الاقتصادية والمالية وتقويمها، ويعمل المركز بالتعاون مع الباحث على تطوير الورقة البحثية من أجل الوقوف على النقاط التي طُرحت خلال المناقشات لتكون دراسة شاملة ورصينة تعالج أبرز تلك الإشكاليات التي تم ذكرها في محاور الدراسة، ويُذكر أن هذه الندوة هي الأولى بين مركز البيان للدراسات والتخطيط والمعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي .
التنسيق بين السياستين المالية والنقدية.
لقد نصت المادة 24 (التشاور مع الحكومة) على إن يعقد المحافظ والممثلون الآخرون للبنك المركزي اجتماعات دورية منتظمة مع مسؤولي الحكومة لتبادل المعلومات والآراء عن مدى إمكانية تنسيق السياسات النقدية والمالية، فيما نصت المادة 25(القيام بإعمال بالنيابة عن الحكومة) على السماح للحكومة بان تؤمن البنك المركزي العراقي على القيام بمسك حسابات الحكومة والاشتراك في عمليات الاقتراض المحلية والأجنبية التي تقوم بها الحكومة وإدارتها بصفة الوكيل المالي.
الاستنتاجات:
- على الرغم من ارتفاع نسبة النفقات الاستثمارية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلا انه لم يتجاوز ما نسبته 9.6% ، وذلك عام 2010، لينخفض بعدها الأمر الذي يؤشر ابتعاد السياسة الانفاقية عن ترشيد الإنفاق الاستثماري ومحدودية دورها فيحفز النمو الاقتصادي.
- اتسم الإنفاق الاستثماري خلال مدة الدراسة بمشكلتي تدني نسب التنفيذ وتذبذبه وذلك بدلالة الإنفاق الفعلي إلى المخصص في الموازنات العامة إذ قدر متوسط نسب التنفيذ للمدة (2003-2013) بحدود 60% الأمر الذي انعكس سلباً على نمو القطاعات الاقتصادية غير النفطية بشكل خاص.
- من خلال دراسة مضاعف الاستثمار الحكومي يمكن ملاحظة ان هنالك ثلاث سنوات خلال مدة الدراسة قد ظهرت بأرقام سالبة الإشارة الأمر الذي يدل على انفصام العلاقة بين الاستثمار الحكومي والدخل القومي خلال هذه السنوات فضلاً عن انخفاض النسبة لمعظم السنوات الأخرى.
- لقد شهدت النفقات التشغيلية للمدة قيد الدراسة تراجعاً نسبياً إلى إجمالي النفقات العامة وذلك من حوالي 94% عام 2003 إلى حوالي 67% في 2013 في مقابل تحسن نسبة النفقات الاستثمارية إلى إجمالي النفقات العامة،إلا إنها لا تزال مختلة هيكلياً إذ شكلت تعويضات العاملين والمنافع الاجتماعية الجانب الأبرز من هذه النفقات وذلك بحدود 62% كمتوسط للمدة قيد الدراسة علماً أنها قد زادت عن 90% في بعض سنواتها.
- لقد ولّدت الزيادات المتنامية في النفقات التشغيلية ضغوطاً متزايدة على الاستيرادات لتلبية الطلب المحلي من السلع والخدمات مما أفضى إلى زيادة الانكشاف الاقتصادي من حوالي 35% عام 2003 إلى حوالي 98% عام 2010 علما إنها سجلت ما نسبته 63% كمتوسط للمدة قيد الدراسة فضلاً عن ذلك فقد انعكست على سعر صرف الدينار العراقي تجاه الدولار حيث ارتفع من 1936 دينار للدور عام 2003 إلى 1232 في عام 2013 على الرغم من التدخل المباشر للبنك المركزي العراقي للتخفيف من تلك الضغوط عبر مزاد العملة الأجنبية.
- شهدت مدة الدراسة تزايداً في معدلات نمو عرض النقد بالمعنى الواسع، وقد شهدت مكونات عرض النقد بالمعنى الواسع تغيراً واضحاً في أهميتها النسبية لصالح شبه النقد الذي استحوذ على نحو (19%) في المتوسط السنوي للمدة(2003-2008) في مقابل تراجع هذه النسبة في المدة (2009-2013) إلى حوالي (15%) في المتوسط السنوي.
- ارتفاع نسبة معامل الاستقرار النقدي، والتي بلغت نحو( 4.5%) أي ان كل زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة (1%) قابلتها زيادة في عرض النقد بنسبة (4.5%) في المتوسط السنوي للمدة قيد البحث.
- يوضح الأثر التوسعي لصافي الأصول الخارجية على عرض النقد، والبالغ بحدود (55.1%) تزايد اعتماد الإنفاق العام على العوائد النفطية، كما يؤشر تغير مسارات الأُثر النقدي للسياسة المالية عبر عرض النقد من تمويل العجز( قبل عام 2003) إلى تنقيد الفائض Monetization (بعد عام 2003) في إطار اختلال بنية الإنفاق العام واعتماده على العوائد النفطية بشكل رئيس الأمر الذي حول عرض النقد إلى متغير خارجي تؤثر فيه السياسة المالية بشكل كبير.
- تزايد حجم الودائع لدى الجهاز المصرفي ،مما انعكس بصورة مباشرة على تحسن مركز الحكومة النقدي (باستثناء عامي 2003و2004) وهو ما ترك أثرا انكماشيا على السيولة المحلية للمدة قيد البحث،بلغت نحو (-74.6% ) في المتوسط السنوي.
- ان الأثر التوسعي للائتمان الممنوح للقطاع الخاص يعكس محدودية أثر حوالات الخزينة والسندات الحكومية على مزاحمة الائتمان الخاص، إذ ان مساهمة المصارف التجارية في اقتناء الأدوات المالية الحكومية جاءت عبر فائض احتياطياتها.
التوصيات:
- إعادة النظر بأسلوب المفاضلة بين المشاريع الاستثمارية عبر اعتماد دراسات الجدوى الاقتصادية فضلاً عن أسلوب البرمجة المالية لاختيار المشاريع الأفضل بما يحقق زيادة العائد على مستوى الدخل القومي( مضاعف الإنفاق الحكومي)،ويتجاوز “إشكالية العموم المضاعفة” في العراق.
- العمل على تحقيق الاستدامة المالية وإبعاد الإنفاق العام عن الصدمات الخارجية التي تتعرض لها المالية العامة في العراق نتيجة الريع النفطي وذلك من خلال إقامة صندوق سيادي يستوعب نسبة من العوائد النفطية لاسيما في أوقات الصدمات الخارجية الموجبة واستثمار هذه الأموال في نوافذ آمنة.
- إعادة تنظيم فقرتي تعويضات العاملين والمنافع الاجتماعية بما يسهم في تخفيض الضغط الاجتماعي على الموازنة العامة، عبر الحد من توسع القطاع العام، فضلاً عن دعم القطاع الخاص من خلال تعزيز بيئة الأعمال للمساهمة في استيعاب فائض سوق العمل.
- التنسيق بين السياستين المالية والنقدية بما يسهم في تقليل الآثار التضخمية للسياسة الاتفاقية من جهة وتعزيز كفاءة تحقيق الأهداف الاقتصادية الكلية من جهة أخرى من خلال تحديد آليات واضحة للتنسيق بينهما، فضلاً عن المحافظة على استقلالية البنك المركزي العراقي.
- إعادة تنظيم الإنفاق العام لاسيما التشغيلي منه بما يعزز إنتاجية النفقة العامة، ويقلل من الآثار السعرية لهذا النوع من الإنفاق نتيجة لعدم مرونة الجهاز الإنتاجي في العراق.