لؤي الخطيب، رئيس معهد العراق للطاقة، وزميل مركز بروكنجز الدوحة.
لدى كركوك تاريخ طويل من المتاعب، فهذه المحافظة ذات المليون شخص – تقريباً- والتي تقع في قلب المنطقة الكردية العراقية كانت ذات مرة منطقة انطلاق حملات الرئيس العراقي صدام حسين ضد الأكراد. أنضم لتلك المعركة لفترة وجيزة حزب كردي واحد، الحزب الديمقراطي الكردستاني، في معركته المريرة مع الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK). قبل وصول صدام حسين إلى السلطة، هوجمت مصافي النفط في كركوك من قبل المتمردين الأكراد.
لا عجب إذن من قيام الرئيس العراقي السابق الكردي جلال طالباني بوصف المدينة المنكوبة بـ”قدسنا”، وهي مدينة يدعي الكثيرون إنها لهم. في هذه الأيام، تزايد عدد المدعين. لم يزل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لاعبين مهمين، وكلاهما من المكونيين للبيشمركة، ولكن الآن هناك ايضا الحشد الشعبي وداعش.بعد كل هذا، لاتزال كركوك مرنة بشكل مدهش.
المضاعفات
ربما كان طالباني على حق في أن كركوك معقدة مثل القدس. يتم تعريف هوية المدينة الغنية بالنفط من خلال مجتمعاتها الرئيسة الثلاث العرب والأكراد والأتراك، من السبعينيات الى التسعينيات حاول صدام محو هذا التنوع من خلال حملة التعريب التي أعطت العرب السنة الحوافز للانتقال إلى المنطقة، اذ انضموا إلى السكان العرب الآخرين الذين غامروا هناك للاستفادة من كثرة النفط في المحافظة.
وبعد تغيير النظام في عام 2003، كان الأكراد سريعين في تصفية الحسابات، فقاموا بطرد عائلات سنية من منازلهم، ومنذ ذلك الحين كانت هناك جهود وساطة مكثفة وترتيبات أمنية معقدة، والمعروفة خلال وقت الولايات المتحدة في العراق باعتبارها الآلية الأمنية المشتركة. جلبت قوات مكافحة الإرهاب المستخدمة في المناطق المتنازع عليها مراكز القيادة العراقية والكردية والولايات المتحدة معا لتنسيق الدوريات وتجنب الاشتباكات.وأوشكت قوات مكافحة الارهاب على الانهيار مرات عدة ، مما أدى تقريباً إلى فتح الصراع في ديالى المجاورة في أب 2008 عندما طالبت الحكومة العراقية قوات البيشمركة بمغادرة المناطق المتنازع عليها في غضون 24 ساعة، ومع ذلك ساد هدوء هش في كركوك.
سرّب خط أنابيب صدأ يمتد من حقول كركوك إلى مصفاة بيجي في محافظة صلاح الدين كمية كبيرة من النفط إلى نهر دجلة، وفقاً لمسؤول بشركة نفط الشمال طلب عدم الكشف عن اسمه. أثار التسرب الذعر بعد أن قام شخص بإشعال النيران في النفط، مما شكل سحباً هائلة من الدخان فوق عاصمة المحافظة تكريت، وفقاً لسكان المدينة. قامت سيارات الإسعاف بإجلاء السكان الذين يعانون من صعوبة في التنفس.
ومع ذلك وعلى مر السنين، ازداد القلق بعد أن زاد وجود البيشمركة في المدينة،ورأى الأكراد فرصة في دخول داعش في أذار 2014 وقاموا بضم المدينة للإقليم في الوقت الذي انهار فيه الجيش العراقي، حتى إنّ أحد السياسيين الأكراد قال بان كركوك أصبحت جزءاً من “كردستان الكبرى”. استجابت بغداد، في البداية على الأقل، من خلال التحذير من وجود عواقب وخيمة.
أمست الأمور أكثر تعقيداً في السنوات التي تلت ذلك،فقد دخل نصف مليون لاجئ سني للمحافظة، ومن المحتمل ان يزيد هذا التوتر في التوازن الديموغرافي الحساس، انه لمن الصعب قياس العدد السكاني لأن التعداد الأخير كان في عام 1957. معظم السكان السنة مرعوبون من داعش وقلقون بشأن الجماعات الموالية لايران القادمة إلى المدينة، ولهذا فهم يتقبلون الأمن النسبي النابع من السيطرة الكردية في الوقت الراهن. لكن السنة الآخرون غير متصالحين مع هذا، فقد حذر احد شيوخ السنة البارزين بأنه يتحتم على الأكراد التخلي عن السيطرة على المدينة بعد هزيمة داعش.
المرونة
رغم خطورة الأمور، إلا أن كركوك لم تنهار، يهاجم داعش المدينة بشكل دوري، ولكنها ليست تحت الحصار الدائم مثل بلدة حديثة. في كركوك لم تكن العلاقات السنية مع البيشمركة وبغداد سيئه بما فيه الكفاية لتسهيل السيطرة الكاملة لداعش على المدينة كما هو الحال في الموصل،يعود هذا الفضل الى محافظ المدينة الكردي، نجم الدين كريم، وهو رجل عازم على وقف تمزق المدينة،حتى الآن كان قادراً على مقاومة الضغوط من قبل أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، التي يديرها الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبغداد لتحديد ما هو مصير كركوك، ما إذا كانت ستكون جزءاً من المنطقة الكردية أو لا، وذلك بسبب علاقاته الجيدة مع غيره من المسؤولين في مركز السلطة الكردية، الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي له صلات تاريخية مع ايران، وبالتالي علاقات أفضل مع الأحزاب الشيعية في بغداد.
ففي تصريحاته في أعقاب انسحاب القوات العراقية الاتحادية من كركوك في حزيران من العام الماضي، كان جواب كريم مبهماً عندما سأله أحدهم عما إذا كانت زيادة وجود قوات البيشمركة يعني أن كركوك تقترب من أن تصبح منطقة كردية. عادة ما يكون الاتحاد الوطني الكردستاني أقل حزماً بشأن القضية الانفصالية الكردية من منافسه الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا يعني أنه قد يكون هناك فرصة لأن تتوصل بغداد والاتحاد الوطني الكردستاني إلى تسوية سلمية فيما يخص المدينة. البديل هو قيام الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني بأن يقرر من جانب واحد مصير المدينة، مما قد يؤدي إلى انضمامها إلى الإقليم .وقد ساعدت علاقات كريم الأخرى في تخفيف حدة التوتر بين مقاتلي الحشد الشعبي والبيشمركة، فقد اجتمع مع هادي العامري، الامين العام لمنظمة بدر، أحدى تشكيلات الحشد الشعبي، لمناقشة هذه القضايا وتعزيز التعاون الأمني، كما واستخدم علاقاته في بغداد للمساعدة في التوصل إلى توافق هش بين بغداد وأربيل لصالح كركوك.
في أواخر عام 2014، قررت بغداد السماح بحساب نفط كركوك كجزء من نفط المنطقة الكردية الذي يتم إرساله إلى شركة تسويق النفط الحكومية (سومو) بوصفه جزءاً من التصدير الاتحادي،وفي المقابل فإن المناطق الكردية تحصل على 17 في المائة من الميزانية العراقية. قال كريم أنه لطالما تحصل كركوك على نسبة مئوية عن سعر كل برميل من حقول كركوك، فان هذا سيمكنه من المضي قدماً في مشاريع إعادة الإعمار.
تم الحديث كثيراً عن اتفاق النفط بين بغداد وأربيل في ذلك الوقت، ولكن يبدو أنه بدأ بالانهيار منذ ذلك الحين،ومع انخفاض أسعار النفط، ترى أربيل أن السيطرة على نفط كركوك أكثر أهمية من أي وقت مضى. إذ يشكل إنتاج النفط في كركوك 50% من صادرات النفط الكردية الحالية، وهذه كمية حرجة لمنطقة كردية صغيرة ولكنها مستقلة نفطياً. إذا كانت كركوك تحصل على الكثير من ميزانيتها من إنتاج النفط ، الذي يتم تصدير بعضه من خلال سومو وبعضه من خلال المنطقة الكردية، فإنّ هذا يرمز إلى التوازن الدقيق للقوة المالية والسياسية التي يجب على كريم التعامل معها.
التصويت
لسنوات وضعت كركوك تحت الأضواء لإجراء استفتاء لتحديد الوضع النهائي، كما تنص على ذلك المادة 140 من الدستور العراقي. من المهم أن يتم إجراء التصويت أخيرا.سيخير السكان إما بالمجيء الكامل تحت سلطة بغداد أو الانضمام إلى حكومة إقليم كردستان أو البقاء كمنطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي. ليس هناك خيار مثالي، ولكن قدراً من الحكم الذاتي قد استفادت منه المدينة. بعد كل هذا فإنها في حال أفضل من الموصل في محافظة نينوى المجاورة.
أيا كان خيار أهالي كركوك، ينبغي أن تنفصل قضية النفط عن قضية الأراضي المتنازع عليها، سيكون من المستحسن لكركوك مواصلة الشراكة مع شركة نفط الشمال الاتحادية، والقيام بدعوة الاستثمارات الأجنبية، وتشكيل شركة خاصة بنفط كركوك لتشغيل الحقول النفطية في المحافظة. في هذا السيناريو، فإن كركوك ستبقي على المكانة التجارية بشكل أفضل، وسوف تتخلص من السياسات النفطية لحكومة إقليم كردستان، التي تأتي مع مسؤولية ان يتم بيع النفط المتنازع عليها بأسعار منخفضة عبر تركيا.
ولعل أفضل ترتيب سيكون في إيجاد شراكة مع بغداد كمنطقة مستقلة، والعمل مع الحكومة الاتحادية لتسويق النفط للمستهلكين المحليين، فضلاً عن استخدام ممر البصرة لتصدير نفطها إلى الأسواق الآسيوية. وعلاوة على ذلك كمنطقة فأن كركوك تتمتع بالحصة الدستورية من ايراداتها وكذلك من أموال النفط. سيساعد هذا على تعظيم إيراداتها، مما سيوسع الصناعات المحلية ويزيد من فرص العمل.
البديل هو أن نرى تحول كركوك الى بوليصة تأمين لإنقاذ المنطقة الكردية، التي تواجه ديوناً بمليارات الدولارات وتفتقر إلى زعيم منتخب ديمقراطياً. دعا الزعيم الحالي، مسعود بارزاني، لإجراء استفتاء على الاستقلال بعد وقت قصير من استيلاء البيشمركة على المحافظة، منذ 2008 دعا برزاني إلى التحايل على بغداد وبيع النفط المتنازع عليه مباشرة في السوق الدولية بسعر منخفض بمساعدة تركيا. أدى كل هذا إلى رؤية العراق لهذه الانتهازية، وعدت شحنات النفط هذه غير قانونية من قبل المحاكم الأمريكية.
وهي تواجه القرار، ربما ستشعل كركوك فوضى في محافظات العراق، اذ ستزيد ضجة السكان المحليين على نحو متزايد لتحقيق اللامركزية. أن العمل الآن نحو نظام اتحادي سيحافظ على وحدة العراق ويحسن الامن والاقتصاد في البلاد. على هذا النحو، ينبغي أن تكون كركوك حذرة من الانضمام إلى منطقة كردية ضعيفة لا تستطيع الاستقلال من دون نفط كركوك، وخاصة إذا تمت إدارتها من خلال سلالة غير ديمقراطية،لكن الوقت قد ينفد،وقد يكون كريم الرجل المناسب لهذه المهمة، لكنه لن يكون في منصبه إلى الأبد.
ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .
المصدر:
https://www.foreignaffairs.com/articles/iraq/2016-01-18/iraqs-jerusalem