أنجلي رافال ونيل هيوم – فاينينشل تايمز – لندن
احدى النكات المتبادلة بين رجال الأعمال في الرياض هي ان وزارة الاقتصاد والتخطيط السعودي قد اصبحت وزارة ماكينزي.
برزت الاستشارات الإدارية كقوة مؤثرة من ضمن الاستشارات الرئيسة الاخرى لولي ولي العهد في المملكة، محمد بن سلمان، الذي يسعى لاتباع برنامج اصلاح اقتصادي شامل لمواجهة تراجع اسعار النفط. إن احدث الافكار المطروحة للخروج من بيئة التغيرات الجذرية هو احتمالية تعويم سوق الاوراق المالية لشركة أرامكو السعودية ، وهي شركة النفط التي تسيطر عليها الدولة السعودية المتحفظة والمصدر الرئيسي لسلطة آل سعود و ثروتهم .
إن احتمالية ادراج شركة ارامكو السعودية ، وهي أكبر شركة نفط في العالم ، او احدى الشركات التابعة لها ، سيكون امراً معقداً، الأمر الذي يتجلى بتخلي المملكة عن السيطرة ولو على جزء بسيط عن مصادر قوتها وذلك تماشياً مع المصلحة الوطنية . لا تسيطر شركة ارامكو السعودية فقط على أصول الموارد الثمينة في البلاد ، ولكنها مرتبطة بنسيج المجتمع السعودي فهي المسؤولة عن بناء الملاعب والمدارس والمستشفيات.
قال احد المطلعين على الصناعات النفطية السعودية ” ان شركة أرامكو تكمّل سياسة الدولة في مجالات اخرى، وانني في الحقيقة لا ارى اي فائدة من ادراج الشركة في سوق الاسهم”. وبالاضافة إلى جمع الاموال للحد من عجز الميزانية المتضخمة ، فقد قال الامير محمد بن سلمان، ذو الثلاثين عاماً، إن العمل على التعويم سيحسن الشفافية كما سيقوم بمنع حصول فساد محتمل، تسبب تصريح الامير محمد بغضب المسؤولين التنفيذيين في شركة ارامكو السعودية.
ان المحادثات مع كبار المسؤولين في مجال الصناعات النفطية في البلاد وكذلك المسؤولين التنفيذيين المطلعين في شركة ارامكو السعودية ، قد اظهروا مخاوف على نطاق واسع ليس فقط فيما يخص ادراج الشركة بل التواصل غير المتأني مع السوق ايضاً. إن تصريحات الامير محمد التي وصفت بالحماسية اتجاه التعويم التي نشرت في مجلة (الايكونومست) سرعان ما تبعتها بيانات صادره عن شركة ارامكو السعودية قائلة فيه: انها تدرس خيارات عديدة ، من بينها ادراج بعض من البيتروكيماويات والاصول الانتاجية الاخرى ، الى بيع الاسهم في الشركة الام ، التي تشمل المصدر الاساسي لاعمال انتاج النفط الخام .
ستكون هذه الخطوة استجابة حادة آخرى لانهيار أسعار النفط. وقد تم بالفعل الإعلان عن حملة الخصخصة، وخفض الإنفاق واصلاحات الدعم. وقال احد الاشخاص ، ان شركة ارامكو قد طلبت من المستشارين وضع مقترحات لطرح ما يقارب من 20% من قيمة الشركة ، على الرغم من ان المرجح ان يتم بيع نسبة اقل بكثير من الاسهم المعروضة. وصرح مطلعون على صناعة النفط السعودي أنه كان امراً مبكراً ولم يكن واضح الشكل الذي سيتخذه الادراج . وكانت المناقشات حتى وقت قريب تركز على بيع اسهم كل من قسم التكرير وقسم البتروكيماويات.
صرح دبلوماسي غربي ” ان فكرة التعويم اصبحت جدية منذ تولي الملك سلمان الحكم” وقال شخص مطلع على المسألة ” ان بعض اصحاب المناصب العليا في شركة ارامكو السعودية قد اوضحوا امرا للامير محمد بن سلمان، ان ادراج اسهم من الشركة الام واهم مصادر اصولها ستكون فكرة سيئة للغاية “.
من بين المخاوف من عملية الادراج هي ان عملية بيع الحصة سيستفيد منها التجمع الصغير للاثرياء من المستثمرين المحليين وبالتالي منع الشركة من مواصلة الاستثمار في البرامج الاجتماعية دون تدخلهم، وذلك وفقاً لشخصين مقربين من شركة ارامكو السعودية . كما بيّن احد المطلعين في الشركة ، ان هذا القلق يوضح الانقسام والتباعد بين قيادة شركة ارامكو السعودية و الامير محمد، الذي عيّن في أيار بصفته الرئيس المطلق لصناعة النفط. وان (العرض العام الاولي) لم يتم طرحه من قبل مسؤولين في شركة ارامكو. واضاف مصدر رفيع المستوى في صناعة النفط ” بدلاً من وضع اقتراح مدروس لهذا الامر ، فان قرار الامير قد خلق فوضى عارمة . لنكن واضحين ، لم يكن هناك اجماع حول قرار الادراج”. ويرى الامير محمد ان الادراج سيعزز من الشفافية و تساعد على منع الفساد ، ووفقاً للمحلل المالي المقرب للعائلة المالكة “ان شركة ارامكو السعودية كانت صندوق مغلق لفترة طويلة “.
ومن المؤكد فأن الشركة تعد مبهمة للغرباء حتى وان كانت الامور مختلفة من الداخل، اذ انها تتبع المعايير الدولية وتعتمد على شركة اكسون موبيل لهياكلها الادارية. وبالرغم من ذلك ، فان احتمالية الادراج سيعد امراً معقداً وذلك بسبب السرية التي تحيط الاعمال الداخلية في ارامكو السعودية، مما يصعّب عملية التحقق من القيمة الحقيقية للاحتياطيات، خاصة مع انحدار اسعار النفط الى ادنى مستوى له منذ 11 عاماً.
وبالنسبة للمستثمرين ، فأن مسألة انتهاء المصالح الوطنية وبداية ملكية حاملي الاسهم هو امر غير واضح لحد الآن. وبحسب معلومات من اشخاص مطلعون على الشركة ، يتم فرض ضرائب على ارباح الشركة بنسبة 85% ، ويدفع عائدات انتاج النفط بنسبة 20% للحكومة . ويقول محللون صناعيون ، ان الضرائب والعائدات واسعار التحويل هي امور بحاجة الى ان يتم مراعاتها عند التقييم .
وقال جيم كرين، زميل في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس، انه من غير المرجح ان اسهم اصول استكشاف النفط وانتاجه في المملكة ، اللتان تعدان جواهر تاج المملكة، سيكونان امراً سهل الحصول عليه، فالطريقة التي ينظر اليها المستثمرون الى الطاقة الانتاجية الفائضة في المملكة هو مثال للصراع المحتمل بين حاملي الاسهم الجدد والمالكين الحاليين. واضاف قائلا:” ان النظام السعودي يستخدم الطاقة الفائضة لتوليد قوة للنظام و(تمارس) تأثيرها دولياً. وان حاملي الاسهم الجدد قد يعارضون فكرة استثمارهم في الاصول الرأسمالية التي تركت بدون استعمال”.
إن أي تعويم لأسعار الصرف المحلي في المملكة العربية السعودية يجب أن يكون محسوباً بدقة حتى لا يخل بتوازن السوق. وقال مصرفيون و محامون انه من غير المحتمل ان الادراج سيكون في كبرى احتياطي النقد الاجنبي اذ سيتطلب كشف مفصل عن احتياطات الشركة و الطاقة الانتاجية، الامور التي كانت تحت حراسة مشددة على مدى التاريخ. وقال مصدر رفيع المستوى “ان ما نراه هو ممارسة الاستيلاء على المال” ، “و هذا لا يعتبر سياسة” .
المصدر :