دايفيد سانجر ، رئيس مراسل واشنطن ونيويورك تايمز
واجهت إدارة اوباما يوم الاثنين تناقض اساسي الذي يكمن في العلاقة المتوترة بشكل متزايد مع المملكة العربية السعودية ، اذ انها لا تستطيع ان تضع نفسها في موقع التنديد على اعدام رجل الدين المعارض الذي تحدى العائلة المالكة، خوفاً من تقويض القيادة السعودية الهشة التي تحتاجها امريكا و بصورة ماسة لمحاربة تنظيم داعش و انهاء الصراع في سوريا.
كثيراً ما تغاضت الولايات المتحدة الامريكية عن القرارات السعودية او اصدرت تحذيرات مختارة بعناية في تقارير حقوق الانسان عندما قضت العائلة المالكة على المعارضة السعودية ومنعت حرية التعبير وسمحت لنخبة السعوديين بتموييل المتطرفين الاسلاميين . وبالمقابل ، فقد اصبحت المملكة العربية السعودية الدولة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة الامريكية بشكل كبير كمصدر مهم للمعلومات الاستخباراتية وهي ايضاً الدولة التي بامكانها مجابهة ايران. لسنوات عديدة كان النفط هو السبب الرئيس للعلاقة بين البلدين اللتين تشتركان ببعض القيم المشتركة.
في يومنا الحاضر ، ومع ارتفاع الانتاج النفطي الامريكي وتصدع القيادة السعودية، فان الاعتماد المتبادل بين البلدين الذي يعود الى بداية الاستثمارات الامريكية في حقول النفط في المملكة العربية السعودية في اوائل الثلاثينيات ، لم يعد يلزم الطرفين في الوقت الحالي كما كان في الماضي.
لكن الاضطرابات السياسية في منطقة الشرق الاوسط والتصور الامريكي بأن السعوديين يعتبرون عنصراً مهماً في استقرار المنطقة و يعملان معاً باستمرار للسيطرة على التصدعات بين البلدين. و بناءا على ذلك، فعندما اعدمت المملكة العربية السعودية (47) شخصاً يوم السبت و من بينهم الشيخ نمر النمر (رجل الدين المعارض للحكومة السعودية ) بقطع رؤوس العديد منهم الامر الذي اعتبرها الامريكيون نمط مماثل لاسلوب داعش في الاعدام وهو ليس فعل دولة متحالفة مع الولايات المتحدة الامريكية. ادى هذا الامر الى صعوبة شرح الادارة الامريكية لهذه العلاقة التي اصبحت متوترة بصورة اكبر من اي وقت مضى. في واقع الحال ، فان عمليات الاعدام تعد احدى العمليات التي توجّت سلسلة من الأحداث في السنوات القليلة الماضية التي أدت إلى وقوع خلافات بين البلدين.
وقال “مارتن انديك” نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة بروكينغز والمساعد السابق لوزير الخارجية “جون كيري” : “نحن لم نعد نملك نفس الرؤيا مع السعوديين منذ فترة طويلة، و قد بدأ هذا الامر مع (مبارك)”.
في عام (2011) ، انتقد السعوديون الرئيس الامريكي أوباما ومساعديه لعدم دعمهم للرئيس المصري حسني مبارك خلال الربيع العربي، و ذلك خوفاً من ان يقوم اوباما بالامر نفسه مع المملكة العربية السعودية اذا ما امتدت الثورة الى المملكة.
ان الاتفاق النووي مع ايران أثار الشعور السعودي بأن الولايات المتحدة الامريكية تعيد التفكير في العلاقة الاساسية القائمة بين البلدين ، وفي زيارات عديدة الى واشنطن تساءل المسؤولون السعوديون بشكل علني عمّا اذا كان بامكانها الاعتماد على حليفهم الامريكي. وفي عام 2008 ، حيث نقلت وزارة الخارجية الامريكية برقية للملك عبدالله ، التي صدرت على موقع ويكيليكس بعد سنتين، التي تحث الامريكيين على “قطع رأس الأفعى” – ايران- وذلك بشن هجمات عسكرية، ولكن الملك توفي قبل عقد الصفقة في الصيف الماضي، فيما لايزال المسؤولون السعوديون يرون ان ايران هي وراء زعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط، كما رأوا ان الادارة الامريكية ساذجة حين اعتقدوا بان ايران ستلتزم بأي اتفاق يذكر عند التفاوض.
منذ ان تم الاتفاق النووي مع ايران في شهر تموز ، كانت ادارة أوباما تطمئن السعوديين باستمرار. اذ دعا اوباما السعودية للانضمام لاجتماع اقيم في كامب ديفيد لطمأنة الحلفاء العرب أن الولايات المتحدة لم تتخلى عنهم، و انه سيبيع لهم اسلحة اكبر من اي وقت مضى. و بالمقابل فإن الادارة الامريكية انتقدت وبشدة التدخل السعودي في اليمن، معتبرين ذلك عملية الهاء عن معركة اكبر و ذلك ضد تنظيم داعش الارهابي.
يقول مارتن انديك ان “القيادة السعودية الجديدة وعلى راسها الملك السعودي سلمان و هو شخص متصلب برأيه يحاول وباستمرار ان يكون له تأثير على السياسة الامريكية ، ويميل الى الافعال ولا يحبذ المحادثات المطولة.
عندما حذر كيري السعوديين من إعدام الشيخ نمر النمر، وهو رجل دين شيعي المولود في السعودية والذي تحدى العائلة المالكة بشكل مباشر، تجاهلت السعودية تحذيره. وكما صرح السكرتير الصحفي للبيت الابيض ، جورج ارنست يوم الاثنين: ” ان هذا التخوف طرحناه على السعوديين مسبقا” مضيفاً الى ان الاعدام “قد سرّع من التداعيات التي كنا قلقين ازاءها”.
ان عملية الاعدام هي الامر الذي جعل الادارة الامريكية مستعدة لانتقاد السعوديين وعلى الرغم من الضغوطات التي واجهت الادارة الامريكية لادانة اعدام الشيخ النمر، فقد حث مسؤولون امريكيون على التزام جميع الاطراف الهدوء ، وكذلك حث جون كيري المنطقة باجمعها الى اتخاذ جميع الاجراءات اللازمة لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي والتعامل مع الازمة السورية.
وقد صرح جون كيري لصحفيين : “اذا كنتم تتساءلون ما اذا كنا نحاول ان نصبح وسطاء في هذا الوضع الحالي ، فان الجواب هو لا” و اضاف ” ان الحلول الفعلية وطويلة الامد لن تصدر من عاصمة الولايات المتحدة واشنطن. ” وبشكل سري، فقد ابدى العديد من المسؤولين الامريكيين غضبهم على السعوديين لاختيار هذه الفترة لاجراء عملية الاعدام.
وأشاروا ايضاً الى ان اوباما وكيري على اتصال مستمر مع اعضاء من القيادة السعودية، و ان اوباما حث السعوديون للانضمام الى محادثات عملية السلام السورية على الجانب الاخر من الطاولة مع الايرانيين. و بناءا على هذه المحادثات سافر كيري الى عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض، وطلب منهم تنظيم الثوار السوريين في مجموعة واحدة لتسهيل عملية التفاوض معهم لوقف اطلاق النار مع الجيش المساند لبشار الاسد.
كان السعوديين مترددين في تنفيذ طلب حليفهم الامريكي، اذ اخبروا نظرائهم في الغرب انهم على استعداد بالمضي قدما في هذا الامر، و لكنهم يتوقعون بأن جهود كيري ستبوء بالفشل و ذلك لان ايران لن توافق على اي عملية قد تؤدي الى ازالة الرئيس الاسد. وفي الوقت نفسه، تراجعت مشاركة السعوديين في الهجمات الجوية ضد تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي حينما نقلوا الاصول العسكرية الى حملتهم ضد الثوار الحوثين في اليمن الذين تدعمهم ايران.
يقول آخرون ممن يتعاملون مع السعوديين بأن هناك نوع من التوتر في القيادة السعودية في الرياض و هو امر نادراً ما شهدوه هناك. كتب الضابط السابق ذو الخبرة الطويلة في شؤون منطقة الشرق الاوسط في وكالة المخابرات المركزية “بروس ريدل” يوم الاثنين : ان المملكة تواجه عاصفة محتملة المتمثلة بانخفاض ايرادات النفط ، والحرب المفتوحة في اليمن، والتهديدات الارهابية من اتجاهات عدة ، و كذلك المنافسة الاقليمية الشديدة مع عدوها ايران.
رأى باتريك كلوسون، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الاوسط، انه من المناسب ان يرسل رسالة موجهة الى واشنطن ، يقول فيها : “السعوديون يقولون : ان لم تقف الولايات المتحدة الامريكية في وجه ايران ، فان الرياض ستفعل”.
ان القلق السعودي من تقارب ادارة اوباما من ايران هو امر مبالغ به، فمنذ الاتفاق النووي، فقد اختبر الايرانيين الصواريخ الباليستية مرتين، وبالمقابل فان الادارة الامريكية ستوجه عقوبات لهم. وفي الاسبوع الماضي، اطلقت سفن بحرية ايرانية صواريخ ضمن (1500ياردة) من محيط مجموعة من حاملات الطائرات الامريكية. واستبعد القائد الاعلى ، آية الله خامنئي، التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية على الرغم من حضور الايرانيين في المحادثات السورية.
في بعض الاحيان، يأمل مسؤولون امريكيون بتحالف الولايات المتحدة الامريكية مع ايران بصورة طبيعية وبشكل اكبر من علاقة الولايات المتحدة الامريكية مع المملكة العربية السعودية ، و لكن ذلك يبدو امر بعيد المنال.
مؤخرا، قال مسؤول رفيع المستوى في الخليج العربي :”ان الايرانيين لا يُعتبرون حلاً بديلاً” مضيفا ” ان لم يكن هناك اي بديل اخر، فان افضل حل هو ان تكف الولايات المتحدة الامريكية عن التذمر بشأن السعودية”.
المصدر :