متابعة لاجتماع دول مجلس التعاون الخليجي
عقد زعماء دول مجلس التعاون الخليجي اجتماعهم السنوي بتاريخ 9/12/2015 بحضور الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، وأمير الكويت الشيخ صباح الصباح، ونائب رئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد آل مكتوم، ونائب رئيس وزراء سلطنة عُمان فهد آل سعيد، وأمير قطر الشيخ تميم آل ثاني، وملك البحرين الملك حمد آل خليفة. وابرز ما جاء في البيان الختامي:
• دعم الحل السياسي في سوريا الذي يضمن وحدة أراضي سوريا واستقلالها وفق اتفاقية جنيف1.
• رفض استمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للمنطقة، ورفض محاولتها لبث الفرقة وإثارة الفتن الطائفية، والأشادة بالأجهزة الأمنية البحرينية لإحباطها عمليات تهريب اسلحة ومتفجرات من ايران إلى البحرين.
• التزام إيران باتفاقها مع دول (5 + 1) بشأن برنامج إيران النووي، والتزام تلك الدول بفرض العقوبات على “نحو سريع وفعال” حال انتهاك إيران لالتزاماتها.
• القلق البالغ من إطلاق إيران لصاروخ بالستي متوسط المدى قادر على حمل سلاح نووي.
• مطالبة الحكومة العراقية بتنفيذ كافة الإصلاحات التي سبق الاتفاق عليها عام 2014 لتصحيح مسار العملية السياسية، بما يحقق مشاركة فاعلة لجميع أطياف الشعب العراقي، ومعالجة الفساد.
• دعم الحكومة الشرعية في اليمن والدعوة لمؤتمر دولي لإعمار اليمن. والأشادة بالانتصارات التي حققتها المقاومة الشعبية والجيش الموالي للشرعية.
• دعم الحكومة الشرعية الليبية.
• الاستمرار في المشاركة بالتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، وادانة الهجمات الإرهابية في فرنسا، والولايات المتحدة، وتونس، ومصر، ومالي، ولبنان، والعراق.
• المطالبة بانسحاب إسرائيل إلى حدود 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية.
البيان الختامي لاجتماع دول مجلس التعاون الخليجي ركز على الالتزام باتفاق جنيف 1 وليس اتفاق فيينا مع ان المملكة العربية السعودية لم تحضر جنيف 1 وحضرت فيينا ووافقت على بنود الاتفاق. الفارق بين اتفاق جنيف 1 في حزيران (يونيو) 2012 وبين اتفاق فيينا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، أن بيان جنيف ابرز اهمية المرحلة الانتقالية التي لم يأت بيان فيينا على ذكرها. لذا تؤكد المملكة العربية السعودية على مرجعية جنيف 1 (بالاصرار على عملية انتقالية تؤدي الى رحيل الاسد) التي من شأنها اعادة فتح باب التفاوض مع السعودية. اذ ترى الرياض ان الهجمات الارهابية التي تبناها تنظيم داعش ساهمت في تليين مواقف الدول الغربية لصالح الموقف الروسي، مع ان هذا الاختلاف في مرجعية جنيف أو فيينا، سيربك المفاوضات القادمة حول سوريا وسيزيد من الانقسامات الدولية.
هل بقت دول الخليج “جبهة موحدة”
تأسس مجلس التعاون الخليجي في 25 آيار (مايو) 1981 في خضم الحرب العراقية الايرانية لمواجهة التحديات الجيوسياسية، فقدمت الكثير من الدعم السياسي والعسكري إلى نظام صدام حسين في قتال ايران. ثم برز دور المجلس عند احتلال نظام صدام حسين للكويت وتطورت العلاقات بين اعضاءه بشكل وثيق بزعامة المملكة العربية السعودية. واستمر التطور في العلاقات إلى درجة ان الملك عبدالله بن عبدالعزيز قدم مقترحا عام 2011 لتحويل المجلس إلى إتحاد خليجي سياسي وعسكري واقتصادي، لكن سطلنة عمان رفضت المقترح.
وبالنظر إلى تاريخ العلاقات بين الدول الستة نجدها تخلو من التوافق وفي كل مراحلها تتبع لزعامة الرياض رغم الجذور التاريخية الحافلة بالخلافات الشخصية والعائلية، الا ان الخلافات لم تكن تطفو على السطح ولم يكن اي من الدول الخمسة قادرا على مواجهة المملكة العربية السعودية. ففي اشارة من تسريب موقع ويكيليكس، قال الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي للسفير الأميركي عام 2006 واصفا العلاقات مع السعودية “الامارات خاضت 57 معركة ضد السعودية خلال الـ250 سنة الماضية، السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء، وانما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط”.
تشعر المملكة العربية السعودية اليوم انها بعد دوامة الربيع العربي بدأت تفقد زعامة مجلس التعاون الخليجي وان دول الخليج الستة صارت تتصرف وفق مصالحها الذاتية بعيدا عن النهج المعتاد في ادارة الرياض لمصالح دول الخليج، فانشغال الرياض في مواجهة الربيع العربي بدعم نظام هنا ومواجهة نظام هناك جعل بعض دول الخليج تشعر بخطر المواجهات والتدخلات على أمنها القومي ومصالحها. وهناك امور اخرى فرقت توجهاتها ولعل اهمها الموقف من الاخوان المسلمين وسوريا واليمن، واتفاقية ايران النووية ثم مراجعة بعض دول الخليج لطبيعة علاقتها مع ايران. والسبب الاساسي اضافة لتغير توجهات المصالح، هو الصراع داخل العائلة المالكة في السعودية وابعادها على زعامة مجلس التعاون.
سلطنة عُمان
منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي التزمت الدول الاعضاء بموقف واحد من كافة القضايا، لكن سلطنة عمان انفردت بموقف مغاير عندما قوت علاقاتها مع ايران، ومن الجدير بالذكر ان السلطان قابوس لجأ إلى ايران في السبعينيات لمواجهة ثورة مسلحة، لذا ترى عُمان في ايران بُعداً استراتيجياً اذا ما تحسنت العلاقات بينهما. وعلى هذا الاساس وضعت عمان خطة لخط أنابيب يغذي مدنها بالغاز الايراني، ولم تكتفي بذلك بل ان هناك تقارير نقلتها مجلة الايكونومست بأن عُمان هي مصدر بعض السلع المحظورة التي تم تهريبها إلى داخل إيران، ولعل الحدث الاهم والذي ازعج بقية دول الخليج استضافة مسقط لاجتماعات سرية بين مسؤولين امريكيين وايرانيين أدت فيما بعد إلى الاتفاق النووي. ولم تشترك عُمان في التحالف العربي ضد اليمن أو سوريا. ووقفت عُمان من قبل وإلى اليوم بقوة ضد المحاولات السعودية لتحويل مجلس التعاون إلى اتحاد واحد لما تخشى من ان تكون هيمنة سعودية على زعامة الاتحاد الخليجي.
واليوم تقوم مسقط بمحاولات حثيثة لايجاد حل سلمي في اليمن إلى درجة ان وزير الخارجية اليمني رياض ياسين أتهم سلطنة عمان بانها قدمت تسهيلات ونقلت عناصر من ‘‘المتمردين’’ إلى أراضيها، ثم إلى بيروت وطهران وموسكو، وانها استضافت لقاءات سياسية بين مبعوث الأمم المتحدة مع ممثلين عن حركة أنصار الله’’الحوثيين‘‘ وحزب المؤتمر الشعبي العام. هذه التوجهات السياسية والاقتصادية العمانية المختلفة عن باقي دول الخليج، جعلت البعض مثل عبدالخالق عبدالله يتساءل وهو المستشار السياسى لحاكم امارة أبو ظبى الذي كتب على صفحته بتويتر قائلا “في ظل تباعد المواقف من اليمن وعدة ملفات إقليمية يدور في الأروقة سؤال هل مجلس التعاون أفضل حالا بدون عمان وهل عمان أفضل حالا خارج مجلس التعاون”.
الامارت العربية المتحدة
تتفق الامارات مع المحور السعودي التركي القطري في ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الاسد ولكن تختلف مع الدول الثلاثة في ما بعد الاسد، وظهر ذلك جليا في حديث لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش أن الامارت لا تريد “تفكيك المؤسسات الحكومية السورية” وبوجود دور للاسد في المرحلة الانتقالية، وهو يناقض موقف السعودية وقطر أن لا دور للأسد في المرحلة الانتقالية وما بعدها. كما ان الموقف الإماراتي من التدخل الروسي في سوريا جاء مناقضا للموقف السعودي القطري واقرب إلى الموقف المصري، حيث قال قرقاش أن “لا أحد سيستاء من القصف الروسي لداعش أو القاعدة، فهو قصف لعدو مشترك”، فرفضت الامارات التوقيع على البيان المشترك الذي وقعت عليه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر،الذي دعت فيه روسيا إلى وقف استهداف المعارضة السورية.
بل ان ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، زار موسكو بعد أيام من بدء القصف الروسي لتوقيع استثمارات إماراتية في روسيا بلغت سبعة مليارات دولار اضافة إلى الاتفاق على جوانب عسكرية. وتطور الموقف الاماراتي الداعم لروسيا بعد وصف وزير خارجيتها إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا بـ “العمل الإرهابي” مما شكل صدمة لمجلس التعاون الخليجي، اذا تعتبر الرياض انها في حالة حرب باردة مع موسكو. ولعل التوجه الاماراتي المغاير سببه الاساسي تحالف السعودية مع تركيا وقطر اللتان تدعمان بقوة الاخوان المسلمين فيما تعتبر الامارات الاخوان منظمة “ارهابية”.
اما الحرب على اليمن، فقد اظهرت خلافا اساسيا وجوهريا بين السعودية والامارات إذ تعتمد القيادة السعودية على التجمع اليمني للاصلاح وهم تنظيم الاخوان المسلمين باليمن لمحاربة الجيش اليمني واللجان الشعبية، في حين ترفض الامارات التعامل مع الاخوان اليمنيين وتعتبرهم ارهابيين. من جانب آخر، اتهمت جهات سعودية الامارات بدعم عودة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وان الإمارات ابلغت صالح بساعة الصفر السعودية ليتجنب قصف طائراتها.
الإمارات لم تخفي علاقتها الوثيقة بصالح وعائلته وقدمت مبادرات سياسية تضمنت إعادة السلطة الى عائلة صالح لكن السعودية رفضتها. ومع ان الإمارات عززت تواجدها العسكري في اليمن لتتمكن من التأثير على مجريات أي تسوية سياسية يضمن عدم اعطاء أي دور للاخوان المسلمين، اصيب الاداء العسكري للتحالف العربي بالتخبط خصوصا بعد إنسحاب القوات الإماراتية من معركة تعز لتعزز وجودها في عدن، مما جعل السعودية تعتمد على القوات السودانية بدلاً عن القوات الإماراتية. وللرد على السعودية، نشرت الامارات بضع مئات من الجنود الكولومبيين في اليمن حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، هذا التنافس السعودي الاماراتي يواجهه ايضاً تنافس قطري وسط تشكيك جهات لجهات اخرى داخل التحالف العربي بتسريب خطط عسكرية إلى الجيش اليمني واللجان الشعبية.
المرجعية الدينية
عندما تحدثت ماري لوبان زعيمة حزب الجبهه الوطنية الفرنسية عن هجمات باريس في 13/11/2015، طالبت باعادة النظر في التحالفات الغربية مع السعودية وقطر لانهما ترعيان الإرهاب وتنشرانه فكراً وعقيدة، داعية إلى تحالف يضم روسيا وإيران ومصر والإمارات، لمحاربة التطرف في الشرق الأوسط. فالامارات كانت قد أعلنت عن إنشاء “مجلس حكماءالمسلمين” في أبو ظبي برئاسة إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب في 19 تموز (يوليو) 2014 من رجال الدين الأزهريين والصوفيين والذي ينافس “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” في قطر ذات التوجه الاخواني،وقال مسؤولون اماراتيون بأن المرجعية الدينية للمسلمين هي الازهر في مصر، وليست “هيئة كبار العلماء” الموجودة في السعودية التي قدمتها الرياض كمرجعية دينية لأهل السُنة في العالم.
إعلان الرياض والاتفاقيات الثنائية
اتفق قادة دول الخليج في الاجتماع الاخير بالرياض على تغيير اساسي في آلية عمل مجلس التعاون الخليجي، إذ نص فيما عرف باعلان الرياض على “إمكانية الاتفاق بين عدد من الدول الأعضاء على أي إجراءات تكاملية تراها في إطار المجلس على أن تتبعها بقية الدول متى ما كان الوقت مناسباً لها”، بمعنى إنه يمكن لدولتين أو ثلاث داخل مجلس التعاون أن تتفق على مشاريع دون انضمام الدول الاخرى الاعضاء،وهو تغيير في المادة التاسعة من النظام الأساسي للمجلس التي نصت على أن أي قرار يصدر من المجلس “في المسائل الموضوعية بإجماع الدول الأعضاء الحاضرة المشتركة في التصويت، وتصدر قراراته في المسائل الإجرائية بالأغلبية”.
وتأتي الرؤية السعودية الجديدة هذه لتسريع عمل بعض الاجندة العسكرية والامنية السعودية التي لم تلقى قبولاً من سلطنة عمان أو الامارات أو قطر، اما في الاتفاق الجديد فيمكن لاحدى دول المجلس الانضمام إلى مشروع الاتحاد الخليجي أو الدخول في اتفاقيات امنية خاصة بين دولتين أو اكثر دون اشتراك الجميع كما هي شأن دول مجلس التعاون منذ تاسيسه. والاتفاق الجديد يتيح للمملكة العربية السعودية والبحرين تحقيق اتحاد خليجي بعد نأي باقي دول المجلس من الدخول في الاتحاد.
ولعل الصورة الحقيقية لما يجري في المملكة العربية السعودية هو فيما قاله توماس فريدمان الاعلامي الامريكي المعروف، إذ قال في حديث خلال لقاء اعلاميين امريكيين واسرائيليين بعد عودته من الرياض: “خلال زيارتي إلى الرياض لاربعة ايام، لم أسمع كلمة “فلسطين” او “اسرائيل” ولا مرة تقريبا، جل تركيزهم هو في مكان آخر، انهم مرعبون من شيء واحد وهو ان تهاجم داعش اسرائيل لانه اذا فتحت داعش جبهه مع اسرائيل فان تحالفكم السُني سيخرج من النافذة، لانه (داعش) سيجعل من القضية الفلسطينية وقتال اسرائيل احدى رسائله الرئيسية وذلك سيسبب لهم تأثير كبير ومشاكل كثيرة”
“لقد احرقوا خمس احتياطاتهم المالية هذا العام، ومنذ 2004 ارسلوا 100 ألف طالب للدراسة في الولايات المتحدة و100 ألف آخرين في اوربا، 30 ألف يعودون كل سنة بتعليم غربي ليبحثوا عن وظائف، وبسبب القيود على الميزانية فسيتوجب عليهم خفض الدعم الحكومي وجمع الضرائب، انهم يركزون بشدة على القضايا الداخلية وبما يتصل بشرعية النظام وفكرة انهم يقودون المسيرة (الاصلاحية)، هي غير واقعية”.