دانيال زيزنواين
في الخامس والعشرين من تشرين الثاني ، لقي 15 شخصاً من عناصر الامن التونسي حتفهم بانفجار حزام ناسف في حافلة كانت تقلهم. وقع الانفجار في شارع محمد الخامس و هو طريق رئيسي في وسط العاصمة. جاء هذا التفجير الارهابي كضربة اخرى للنظام السياسي الديمقراطي الجديد في تونس. فإن داعش الذي تبنى هذا الهجوم هو ايضاً المسؤول عن الهجمات في متحف باردو الوطني التونسي في آذار من العام الحالي و منتجعاً سياحياً بمدينة سوسة الساحلية .
ان اطاحة تونس بالنظام الاستبدادي لزين العابدين بن علي عام 2011 ألهم الشعوب في شمال افريقيا و الشرق الاوسط بالانتفاض على حكوماتهم الاستبدادية و عرفت هذه الانتفاضات فيما بعد بالربيع العربي. بعد مرور ما يقارب الخمس سنوات استطاعت تونس الحفاظ على استقرارها النسبي و تشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة الحزب العلماني (حركة نداء تونس) و بالاضافة الى الحزب العلماني فان الحكومة تضم ايضا الجماعات الاسلامية . بعد انتهاء الثورة في تونس اشاد الجميع بعملية الانتقال السلسة و الناجحة الى النظام الديمقراطي.
ان هذا الانجاز جعل من تونس هدفاً لداعش ، ففي بيان صدر بعد الهجوم على الحافلة، ان داعش قد حذرت من ان الهجمات ستستمر ضد ( الطغاة في تونس) الى ان يتم تطبيق (قوانين الله) داخل البلاد. وان انضمام اكثر من ثلاث الاف تونسي في تنظيم داعش هو ما اثار مخاوف الحكومة اذ يزعم ان احد هؤلاء هو من فجر نفسه في الحافلة في شارع محمد الخامس.
من جانبها حذرت الحكومة على ضرورة حماية البلاد من التونسيين العائدين من مناطق الصراع مثل سوريا، و لكنها لم تقدم اي افكار جديدة حول هذا الموضوع و لا كيفية القيام به. و الامر الذي اثار القلق هو ردة فعل الحكومة البطيء في سنّ حالة الطوارئ و فرض حضر التجوال و اعطاء سلطة اكبر للقوات الامنية .
الازمة السياسية التي تواجهها تونس اليوم تعد جزءاً من المشكلة ، فان (حركة نداء تونس) ، و الذي يضم في صفوفه تحالف من تيارات سياسية مختلفة مثل الجماعات العلمانية و مجتمع رجال الاعمال و كذلك بعض المسؤولين في نظام زين العابدين بن علي السابق، مقسمة الى فرعين رئيسيين ، اذ يقود الفرع الاول “حافظ قائد السبسي” نجل الرئيس التونسي “الباجي قائد السبسي” ، و يقود الفرع الثاني “محسن مرزوق” و هو الامين العام لحزب نداء تونس و الناشط السابق في مجال حقوق الانسان . ان التصدعات في حركة نداء تونس التي تراكمت شيئاً فشيئاً منذ انتصاراتها في الانتخابات الرئاسية و البرلمانية العام الماضي اصبح امرا واضحاً للعيان في مؤتمر عقد للحزب اوائل تشرين الثاني. جائت تلك التصدعات نتيجة لافتقاد اعضاء الحزب قاعدة ايديولوجية واحدة و التي جعلت التوترات الداخلية امراً لا مفر منه. فعلى الرغم من وجود خطوط ايديولوجية فاصلة تقسم المجموعتين فان هذا التصدع ينبع من المسائل الدنيوية كسيطرة الحزب و مواقف الحكومة .
يضم الفرع الذي يقوده حافظ قائد السبسي عدداً كبيراً من المسؤولين الذين كانوا منتمين إلى حزب “التجمع الدستوري الديمقراطي” برئاسة زين العابدين بن علي الرئيس السابق لتونس. و بناءا على ماسبق فقد اتهم مرزوق و جماعته بأن الفرع الذي يقوده حافظ قائد السبسي يدعمون اجندة معادية للديمقراطية و العمل على سيطرة الحزب على الدولة و بالتالي تقويض النظام السياسي التونسي الذي انشئ بعد الثورة. و ان حافظ قائد السبسي يسعى للحصول على دور بارز في الحزب مما أثار مخاوف محسن مرزوق باحيائه للسياسة العشائرية .
ان الصراع مابين فرعي حركة نداء تونس جاء في مرحلة يمكّنه بشكل قوي التأثير على قدرة الحكومة في التصدي للتهديد الارهابي المتزايد. و ذلك ان خطاب الرئيس السبسي الى شعبه و الذي تم عرضه على شاشات التلفزيون الاسبوع الماضي كان موجهاً بشكل رئيسي لحل المشاكل الداخلية في حزبة بدلا من معالجة تبعات الهجمات الارهابية في بلده، الامر الذي اثار الانتقادات و الخوف من ان يدمج السبسي الحزب الحاكم مع الدولة كما كان الحال في عهد زين العابدين بن علي.
نتيجة لتلك النزاعات الداخلية في الحزب ، فقد اعلن ما يقارب الـ 32 نائباً استقالتهم من كتلة حزب “نداء تونس” و الموالين لمحسن مرزوق في الثامن من تشرين الثاني، و لكنهم و منذ ذلك التاريخ فقد أجلوا انسحابهم و بنفس الوقت لم يتراجعوا عن تهديدهم بالانسحاب بشكل رسمي ، مما جعل حزب “نداء تونس” في موقف حرج .
من جانبها ، فإن حزب النهضة الاسلامي ، الذي حكم البلاد في الفترة من 2012 الى 2013 ، قد صرحت بأنها لا تنوي الاستيلاء على الحكم و احتكاره ، و اعربت عن اهتمامها في الحفاظ على الائتلاف الحكومي الحالي. و على الرغم من ذلك فان استمرار النزاعات داخل حزب نداء تونس و التي من شأنها تدمير الحزب ستؤدي الى ترك الساحة لحزب النهضة و استلامهم للسلطة في تونس. ان استلام حزب النهضة للحكم سيعود على تونس باضرار كبيرة، كما اكد ناقدين للحزب الاسلامي بان الحزب لم يكن حاسما في اجراءاته بالقضاء على الارهاب الاسلامي طوال مدته في الحكم. و يقول ناقدين اخرين ان الحزب يدعم بشكل غير صريح الجماعات الجهادية و انه لايمكن الاعتماد عليهم في محاولة التصدي لهذه الجماعات . و من جهته فقد اعرب حزب نداء تونس ، الذي لعب بشكل فعال في اقامة نظام سياسي ديمقراطي في تونس، التزامه الجاد اتجاه الديمقراطية التونسية ، و لكن في الوقت الحالي فانه يصعب الجزم فيما لو كان الحزب قادرا على قيادة حملة ضد تنظيم داعش و جماعات متطرفة اخرى .
و مما يزيد من الشكوك السياسية ، وجود الاضطرابات داخل اجهزة الامن التونسية كـ ( الامن الوطني و قوات الشرطة و الحرس الوطني) و التي تطورت بصورة بطيئة منذ سقوط نظام بن علي و التي مازالت بحاجة الى اصلاحات عديدة. و ترى الادارة التي تسلمت السلطة مابعد الثورة ان اجهزة الامن متزعزعة و متراجعة. و بدورها تدعي الاجهزة الامنية التونسية بان العملية الديمقراطية عرقلت جهودها في مكافحة الارهاب . و نتيجة لذلك فان الانقسامات داخل حزب “نداء تونس” ادت الى احباط رسم خطة شاملة لمكافحة الارهاب.
ان الجيش التونسي يزداد قوة مع الوقت ، وذلك بسبب قرار الحكومة التكتيكي باعلان حالة الطوارئ التي اعطت للقوات الامنية سلطة اكبر و منع هجمات ارهابية اخرى لاستعادة الاستقرار في البلاد. فقد اعلن مكتب الرئاسة التونسية انه سيتم غلق الحدود التونسية- الليبية لمدة 15 يوما للحد من تدفق الارهابيين المفترضين من ليبيا و كذلك قدمت وعودا بتجنيد رجال امن اضافيين بما يقارب ستة آلاف شخصا من اجل تعزيز قوات الامن في البلاد. و استمرار فرض حضر التجوال الليلي كجزء من حالة الطوارئ التي تم اعلانها في تونس.
ان هذه التدابير و القرارات الحكومية تعكس في ظاهرها توجه الحكومة في مكافحة الارهاب، و لكنها ايضا تثير بعض المخاوف من احياء سمات الحكومة السابقة، و المتمثلة في القمع المفرط على العديد من اشكال المعارضة السياسية و مضايقة النشطاء السياسيين بشكل غير ظاهر للعيان و التواجد العدواني لرجال الامن في انحاء البلاد و التي تكمم و بشكل فعّال السياسة التونسية.
هناك مخاوف اخرى تتمثل بتحجيم الحريات المدنية و حرية التعبير و ذلك بسبب اجراءات حكومة الطوارئ ضد النشاطات الاسلامية . كان يدّعي نظام بن علي باستمرار تحييده لتهديدات الاسلام الراديكالي و لكنه في الواقع كان يستهدف اي مظهر من مظاهر الجدال السياسي او الجماعات المعارضة له. هذه المخاوف تصاعدت حين قدمت الحكومة لقوات الامن مسؤوليات اكبر و ذلك بعد الهجمات الارهابية السابقة. و تمثلت هذه المسؤوليات في اغلاق المؤسسات الاعلامية غير المرخصة و اغلاق المساجد غير القانونية. و ان اعطاء هذا الكم من السلطة و النفوذ للقوات الامنية التونسية ، كما كان الحال في عهد بن علي، سيجعل المؤسسات الديمقراطية الناشئة تعاني كثيرا.
قدمت الولايات المتحدة الامريكية و حلفائها الاوروبيين دعما واضحا لتونس ، و انهم سيستمرون بدون شك بدعم تونس في عملية انتقال الحكم بعد الثورة و صراعها الجديد مع داعش. في الوقت الحالي فان تونس بحاجة ماسة الى المزيد من المساعدات في تدريب قواتها الامنية و المساعدة في وضع استراتيجية واسعة النطاق ضد الارهاب في بلادها و بالاضافة الى المساعدات المالية الامريكية. و بالفعل ، فان اي جهد دولي لمكافحة تنظيم داعش سيتمثل بتكريس حرص الدول و تقديم الموارد الضرورية لتونس. يتوجب على اصدقاء تونس الغربيين ان يستمروا بحَثّ تونس على اصلاح اجهزتها الامنية ، و الاهم من ذلك كله ان تتاكد تونس من ان الصراع مع تنظيم داعش الارهابي لن يكون على حساب حقوق الانسان و سيادة القانون في الدولة ، مع ان موازنة هذا الامر يصعب تحقيقه لكنه يعد امراً ضرورياً.
من بين الدول التي مزقتها الحروب كسوريا و ليبيا و اليمن و كذلك مصر التي ظهر فيها النظام الدكتاتوري، فإن تونس و بخلاف تلك البلدان التي انبعثت فيها الربيع العربي لا تزال بقعة مشرقة وسط مشهد يملؤه السواد، و لكن في الآونة الأخيرة يبدو ان تونس على مقربة من فقدان هذه الميزة.
دانيال زيزنواين : استاذ زائر في برنامج الدراسات الامنية في جامعة جورج تاون ، حيث يقوم بتدريس السياسة التاريخ المعاصر في شمال افريقي.
المصدر :
https://www.foreignaffairs.com/articles/tunisia/2015-12-07/isis-strikes-tunisia