إيميلي غلازر في نيويورك، ونور ملص في بغداد، وجون هيلزينراث في واشنطن
يود مركز البيان التنويه بأن بعض المعلومات في هذا المقال قد تم نفيها من قبل البنك المركزي العراقي هذا الأسبوع .
المسؤولون في بنك الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة قلقون من تدفق مليارات الدولارات من العراق الى البنوك الايرانية المحاصرة، وربما الى مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية.
ذكر مسؤولون أمريكيون وعراقيون مطلعون أن بنك الاحتياطي الفدرالي ووزارة والخزانة الأمريكية أوقفا مؤقتاً تدفق مليارات الدولارات إلى البنك المركزي العراقي هذا الصيف، وذلك بسبب مخاوف متزايدة من أن العملة التي تدخل الى العراق، يجري تهريبها في النهاية الى البنوك الإيرانية، وربما حتى الى مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية. وتهدف هذه الخطوة التي لم تُنشر في السابق الى وقف الشحنات النقدية التي دفعت بالنظام المالي في العراق الى حافة الأزمة، وأشرت إلى لحظات متغيرة في الجهود الرامية لتفادي تدفق الدولار إلى خصوم الولايات المتحدة.
كما يلقي هذا الموقف بضلاله على أحد أهم جوانب المعركة طويلة الأمد للولايات المتحدة ضد الإرهاب، مثلما يعرب المسؤولون العسكريون الأمريكيون عن قلقهم من أن الأسلحة الأمريكية تصل إلى أعدائهم، يقوم المسؤولون الماليون بعملية تعقب عالمية للحيلولة دون وقوع الدولار في أيدي أعداء يمكنهم استخدامه لتمويل نشاطاتهم الخاصة. وبعد أن وافق المسؤولون العراقيون هذا الصيف، على تشديد القيود على توزيع الدولار الأمريكي من قبل البنك المركزي العراقي، استأنف الدولار تدفقه مرة أخرى تحت إشراف أفضل من السابق، بحسب مسؤولين أمريكيين وعراقيين وأشخاص مطلعين.
ومع ذلك، فإن انتشار تنظيم الدولة الاسلامية قد أثار مخاوف المسؤولين الامريكيين حول إمكانية استغلال العملة الصعبة من الدولار من قبل الإرهابيين. وتسيطر هذه الجماعة المتطرفة على نحو ثلث مساحة البلاد، ومن ضمنها الموصل التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في العراق، وتحصل على تمول جيد من خلال جباية الضرائب، وبيع النفط، ونشاطات أخرى. وذكر وزير المالية هوشيار زيباري أن السلطات العراقية قد إتخذت جملة من الإجراءات لوقف تدفق الدولار الى تنظيم الدولة الاسلامية ، إلا أنه اعترف بصعوبة الأمر بسبب تفشي الفساد وطبيعة الاقتصاد المعتمد على النقد.
وتعود جذور المشكلة إلى شهر كانون الأول الماضي، عندما دعا مسؤولون في بنك الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة إلى عقد لقاء سري في قاعة فندق بمدينة اسطنبول مع مسؤولين عراقيين. وقال بعض الأشخاص ممن حضروا الاجتماع الى أن الأميركيين أصابهم الرعب من الكم الهائل من شحنات الدولار التي يتم ضخها الى العراق، وعدم وضوح أين انتهى بها المطاف.
وكان الدولار الأمريكي قد أصبح، منذ الإطاحة بنظام صدام حسين، والمساعدة الأمريكية في تأسيس البنك المركزي العراقي في عام 2004، العملة الرئيسية في البلاد لأن الكثير من عمليات الاقتصاد تعتمد على هذا النقد. وعندما يحتاج العراق إلى المزيد من العملة الورقية، يجري سحب المال من حساب البلاد في بنك الاحتياطي الفدرالي الذي يتم تمويله من الاحتياطيات النفطية، ويتم نقله جواً إلى بغداد.
وتشير بيانات جمعها البرلمان العراقي، واطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال، أن المبالغ المودعة في ارتفاع، حيث ازداد التدفق السنوي للدولار الأمريكي في العام 2014 والذي كان يأتي من بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك، إلى العراق بمقدار 13.66 مليار دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف مبلغ الـ 3.85 مليار دولار في عام 2012. ولا يتلائم هذا الارتفاع مع التباطؤ الذي اصاب الاقتصاد العراقي في الآونة الأخيرة، وهذا ما أثار شكوك المسؤولين الأمريكيين من أن هذه الدولارات يجري تخزينها بدلا من تعميمها.
ويفيد مسؤولون أمريكيون واشخاص آخرين على أطلاع بخفايا الأمور، أنه كان من الصعب معرفة الأمر على وجه الدقة، فحتى الأمس القريب، كان مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ممن يشرفون على تدفق الأموال فقط ، يستلمون تقاريراً شهرية متفرقة باللغتين العربية والإنكليزية، وهي عبارة عن جداول بيانات بصيغة برنامج إكسل، ووثائق رقمية غير قابلة للاستقصاء، بالاضافة الى بعض التقارير المطبوعة، بما في ذلك ملاحظات مكتوبة بخط اليد. وقد أصر المسؤولون الامريكيون في اجتماع اسطنبول، على تشديد الضوابط وتبادل المعلومات حول الكيفية التي يتم بموجبها توزيع الدولار على الشركات المالية في العراق، بحسب مسؤولين أمريكيين وعراقيين. وبدأ مسؤولو البنك المركزي العراقي بالفعل، في شهر كانون الثاني، مشاركة المزيد من المعلومات حول الأمر.
ويعمل نظام توزيع الدولار في العراق وفق آلية تُمكِّن البنوك المركزية الأجنبية من الاحتفاظ بالدولار، كما أن باستطاعتها دعوة بنك الاحتياطي الفيدرالي لتوزيع العملة. يتم نقل العملة الورقية الجديدة فئة 100 دولار جواً إلى بغداد بعد أن يتم سحبها من بنك الاحتياطي الفيدرالي في مدينة إيست روثرفورد في ولاية نيو جيرسي. ثم يجري في بغداد، نقلها إلى البنك المركزي العراقي، حيث تباع في المزاد اليومي إلى الشركات المالية العراقية التي تشتري الدولار بالدينار العراقي، وهو عملة البلاد التي تستخدم على نطاق واسع. وقد تركزت المخاوف الأمريكية، في وقت مبكر، على حوالي 2000 شركة مالية تدعى أنها شركات صيرفة، وتشارك بشكل فعال في مزاد العملة في البنك المركزي.
ويعتقد مسؤولون أمريكيون أن العديد من تلك الشركات العراقية لها صلات بتنظيم الدولة الاسلامية، كما أن هناك مخاوفاً عميقة لديهم من أن شركات الصيرفة تلك يجري استخدامها كقنوات لإمداد التنظيم المتطرف بالعملة الصعبة. وفي حين تكاد الولايات المتحدة تفقد سيطرتها بشكل نهائي، في مرحلة ما، على الدولار الذي يرسل إلى الخارج، فإن بنك الاحتياطي الفدرالي قد يُمنع من إرسال النقود إلى أطراف يعرف البنك أنها ستقوم بتوزيعه على خصوم الولايات المتحدة.
وذكرت المتحدثة باسم بنك الاحتياطي الفدرالي إن “البنك يسعى إلى موائمة حاجة البلدان الأخرى للوصول إلى ودائعها من الدولار على هيئة أوراق نقدية أمريكية لأغراض مشروعة”. وأضافت المتحدثة أن “هناك عدداً من البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، بضمنها البنك المركزي العراقي، لديها حسابات في بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك، وتقوم أحياناً بسحب العملة من حساباتها. ويعمل بنك الاحتياطي الفدرالي، في معرض تقديمه لهذه الخدمة، مع وزارة الخزانة لضمان التزام البنوك المركزية بالقوانين التي تحظر التعامل مع الأنظمة الأجنبية التي عليها عقوبات مالية، والإرهابيين وتجار المخدرات الدوليين. وقد زاد بنك الاحتياطي الفدرالي ، استجابة لطلبات أكبر من المعتاد على العملة وتطور الوضع الأمني، بتكثيف رقابته وسيطرته على شحنات العملة المتوجهة إلى العراق. وقد تم تعليق ارسال شحنات العملة لفترة مؤقتة هذا العام، حيث تعمل وزارة الخزانة وبنك الاحتياطي الفدرالي مع البنك المركزي العراقي لتعزيز الرقابة التي كانت تمارسها في هذا المجال”.
قال بعض المسؤولون العراقيون ممن لديهم مخاوف مماثلة، أن الفساد والكسب غير المشروع مثَّلَ مشكلة كبيرة لسنوات، وهو ما يفسر لماذا أثار المسؤولون الامريكيون الآن فقط قضية العملة التي تحتاج إلى معالجة سريعة. وقال مسؤولون امريكيون أن الوضع في العراق قد تطور على مدى السنوات القليلة الماضية، وأنهم منحوه المزيد من الاهتمام بينما ازداد الطلب على الدولار. وقد ذكر مسؤولون عراقيون، يعملون في إطار اتفاق توسيع تبادل المعلومات، لنظرائهم الأمريكيين أن ثلاثة بنوك إيرانية عليها عقوبات اقتصادية، هي بنك التعاون الإقليمي الإسلامي، وبنك ملي وبنك بارزيان قد حصلت في الأقل على ملايين الدولارات عن طريق مزاد العملة. وتعمل تلك البنوك، مثلها مثل باقي البنوك الإيرانية الأخرى، في ظل العقوبات الدولية، ولم يكن يسمح لبنك الاحتياطي الفدرالي قانوناً، أن يضخ شحنات من الدولار وهو يعلم الى أين ستؤول.
كما ذكر مسؤولون أمريكيون وأشخاص على علم بالمسألة إنه كان لدى المسؤولين الأمريكيين في حينه مخاوف من أن تنظيم الدولة الإسلامية قد تمكن من الوصول إلى بعض مصادر العملة الصعبة من الدولار عن طريق المزاد، فيما يعرب مسؤولون عراقيون عن اعتقادهم أن الأموال قد ذهبت بالتأكيد إلى تنظيم الدولة الاسلامية من خلال هذا المزاد. هذا بالاضافة الى أن شركات الصيرفة في مدينة كركوك التي يسيطر عليها الأكراد، والتي تقع خارج سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية ، ولكنها على مقربة من خطوط المواجهة مع التنظيم المتطرف، هي، وفقاً لمسؤولين عراقيين، من بين الأماكن الأكثر نشاطاً لنقل الدولار الى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية ومسلحيه الذين سرقوا في وقت سابق، في عام 2014، حوالي 100 مليون دولار من البنك المركزي العراقي في الموصل، بحسب شخص مطلع على السرقة.
استنادا إلى المعلومات الجديدة، قام مسؤولون أمريكيون بإرسال طلب خطي خلال شهر تموز إلى المسؤولين العراقيين يفيد بأنه يجب عزل البنوك الإيرانية، كما نقلوا بشكل منفصل للمسؤولين العراقيين معلومة مفادها أن بنك الاحتياطي الفدرالي لن يوافق على طلبات النقد حتى يتحسن الوضع العام. وقد تم تسليم القرار الأمريكي الى البنك المركزي العراقي في وقت تكاد مخزونات العراق من العملة تنفد من البنك المركزي العراقي. وأصيب الكثير من العراقيين بالذعر بعد هذا القرار الذي أثر على سعر الصرف الذي بدأ بالتقلب بشكل أكثر من المعتاد. ولم يرد محافظ البنك المركزي العراقي على طلبات للتعليق على الموضوع.
وكان عدد من المسؤولين الأمريكيين، بما فيهم دانيال غلاسر، السكرتير المساعد لشؤون تمويل الإرهاب في مكتب وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، قد توجهوا الى بغداد في شهر تموز الماضي، لمناقشة الحلول الممكنة. وقد وافق المسؤولون العراقيون، ومن بينهم محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق في اجتماع عُقد في غرفة طعام بالسفارة الأمريكية، على تسليم رزم من البيانات إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي سيتشاركها مع وكالات الاستخبارات الأمريكية، وقاموا في وقت لاحق باستئجار شركة إرنست آند يونغ، وهي إحدى شركات الحسابات الأمريكية، لمراقبة عمليات المزاد.
وكان بنك الاحتياطي الفدرالي والاحتياطي الفدرالي في نيويورك قد أرسل حوالي 500 مليون دولار في السادس من حزيران، قبل أيام فقط من إعلان البنك المركزي العراقي أن مخزونه من الدولار قد بدأ ينفد. كما ارسل البنك المزيد من الدولار بعد أسابيع منذ ذلك الوقت. وقال غلاسر، في مقابلة، أنه “من منظور مكافحة الإرهاب، ليس من مصلحتنا أن تكون هناك أزمة اقتصادية في العراق بسبب نقص الدولار الأمريكي”. ولم يتم حل المشكلة بشكل كامل، ففي الثاني من كانون الأول، استضافت وزارة الخزانة اجتماعا سرياً في واشنطن تركز على شركات الصيرفة العراقية التي قد يكون لها صلات بتنظيم الدولة الاسلامية، وفقاً لأشخاص مطلعين على خبايا الاجتماع.
وقال أحد من هؤلاء الأشخاص إن شركتين من شركات الصيرفة تلك يملكها عراقيون لديهم صلات سياسية، وإن مسؤولين أمريكيين ناقشوا السبيل الأمثل لإقناع المسؤولين العراقيين الآخرين بإنهاء تلك العلاقات.
المصدر :
http://www.wsj.com/articles/u-s-cut-cash-to-iraq-on-iran-isis-fears-1446526799?alg=y