د. رعــد سامي التميمي |المفوضية العليا المستقلة للانتخابات
* ان الآراء الواردة ادناه هي آراء شخصية ولا تمثل رأي المفوضية.
تعد قوانين الاحزاب من المرتكزات الرئيسة للديمقراطيات في العالم، كونها تنظم الحياة الحزبية في اطار منافسة سياسية شفافة ترتكز على أسس ديمقراطية رصينة تسمح بالتداول السلمي للسلطة، والمشاركة الفاعلة في إدارة الحكم. كما انها تنظم العديد من القضايا المهمة في بنية الحزب الداخلية وتفاعلاته الخارجية في ظل البيئة السياسية للنظام السياسي القائم على التعددية الحزبية. وقد استندت المعايير الدولية الى جملة مؤشرات لقياس مدى فاعلية قوانين الاحزاب في تنظيم الحياة الحزبية في جو من التعددية السياسية الفاعلة والمستدامة.
وعليه فان القوانين الخاصة بتنظيم الحياة الحزبية تندرج في اطارها عدة مؤشرات مهمة يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار عند تشريع تلك القوانين، مع الاشارة الى اختلاف الخصوصيات السياسية التي تنعكس على صياغة تلك القوانين من دولة الى اخرى، بحسب طبيعة التجربة السياسية ومدى تطورها، اي انه لاتوجد صياغات قانونية او قوانين جاهزة يمكن تطبيقها على جميع البلدان، وانما لكل بلد او تجربة سياسية خصوصيتها التي تؤخذ بنظر الاعتبار عند تشريع القوانين، مع التأكيد على المشتركات المتوافرة في المعايير الدولية للديمقراطيات والتي من الممكن اعتمادها كنهج عند اقرار القوانين.
وانسجاماً مع ذلك، وعلى الرغم من الولادة المتأخرة لقانون الاحزاب، وللوقوف على الفرص والتحديات التي تتضمنها بنود هذا القانون ومواده، سنحاول من خلال الاشارة الى بعض المعايير الدولية للديمقراطيات ومدى انسجامها مع البنود والمواد الواردة في قانون الاحزاب الذي صوت عليه مجلس النواب بتاريخ 2015/08/27. وانطلاقاً من ذلك فان المعايير الدولية لقياس الديمقراطيات التي وضعتها الامم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن، يمكن ادراجها بالاتي:
اولاً: وجود هيئة مستقلة لها صلاحيات الاعتماد والتصديق وسحب اجازة الاحزاب:
أشار القانون الى تأسيس دائرة تسمى دائرة شؤون الاحزاب، وظيفتها التصديق على تأسيس الاحزاب على وفق الشروط والضوابط الواردة في القانون، وهنا اعطى القانون صلاحية التصديق على تأسيس الاحزاب لمفوضية الانتخابات، كونها المسؤولة على وفق الدستور والقانون عن كل ما يتعلق باجراء الانتخابات والاستفتاءات.
في حين كان هناك جدل سياسي كبير بشأن ما ورد في مسودة القانون من منح تلك الصلاحية الى وزارة العدل، وهو امر لايمكن الركون اليه، كون ان وزارة العدل هي وزارة حكومية، وقد تمثل حزباً منافساً، ومن ثم فان اناطة تأسيس الاحزاب بها يعد امراً غير صحيحاً…فضلاً عن اسباب عديدة لامجال لذكرها جميعاً ولكن اهمها ايضاً ان وزارة العدل لاتملك صلاحية اصدار الانظمة واللوائح، في حين ان المفوضية تمتلك تلك الصلاحية وفق ماخولها قانون مفوضية الانتخابات رقم (11) لسنة 2007 المعدل. الا ان القانون تجاهل منح مفوضية الانتخابات صلاحية تجميد او سحب اجازة الحزب في حال مخالفته للشروط والتعليمات الواردة في القانون، اذ اعطى اجازة حل الحزب او تجميده لمحكمة الموضوع وبطلب من دائرة شؤون الاحزاب، اي ان المفوضية ومن خلال دائرة شؤون الاحزاب، لاتملك صلاحية حل الحزب او تجميده في حال مخالفته للشروط والتعليمات، وانما لها حق الطلب او التوصية فقط.
وهنا فان القانون اعطى صلاحية منح اجازة تأسيس الحزب للمفوضية، في حين لم يمنحها صلاحية تجميد الحزب او سحب اجازتة… وكان من باب اولى ان تمنح كلتا الصلاحيتين للمفوضية، مع امكانية الطعن بقرارها امام محكمة الموضوع، لان ذلك سيعطي المفوضية زخماً قانونياً اكبر في ممارستها لاختصاصها المتمثل في ادارة الانتخابات وتنفيذها، وكذلك الرقابة على الحملات الانتخابية وتنظيمها على وفق القوانين الانتخابية النافذة.
ثانياً : المواطنة اساس الديمقراطية:
اشارت المادة (5) اولاً من القانون الاتي (يؤسس الحزب او التنظيم السياسي على اساس المواطنة وبما لا يتعارض مع احكام الدستور)، وهنا نسلط الضوء على سابقة ايجابية مهمة من خلال الاشارة الى المواطنة كركيزة اساس للديمقراطية، وهي انتقالة نوعية نعتقد باهميتها في بناء الوحدة الوطنية في البلاد مع الاشارة الى ان الدستور والعديد من القوانين ذات العلاقة قد اغفلت عنها في موارد عدة.
الا انه وفي ذات السياق نجد ان هناك اغفالاً عن المواطن، خاصة فيما ورد في المادة (32) ثانياً من القانون والتي تشير الى ( تحجب الاعانة من الحزب او التنظيم السياسي لمدة (6) اشهر بطلب مسبب من دائرة الاحزاب وبناءً على امر قضائي في حالة ارتكابة احدى الحالات التالية: (أ) قيامة بعمل من شأنه الاعتداء على حقوق وحريات مؤسسات الدولة والاحزاب او التنظيمات السياسية او المنظمات غير الحكومية)، وهنا اغفل القانون المواطن وممتلكاته في حال تعرضها الى التجاوز كشرط لحجب الاعانة او سحب الاجازة، وهي من الامور التي نعتقد باهميتها لان المواطن هو جوهر الديمقراطية وهدفها، كما انه مصدر السلطات، بحسب ما ورد في الدستور.
ثالثاً: الديمقراطية الداخلية في بنية الحزب:
ان التجارب الدولية تشير الى ان قوانين الاحزاب يجب ان تنظم الديمقراطيات الداخلية في بنية الحزب، وذلك من خلال وجود انتخابات دورية لانتخاب رئيس الحزب او امينه العام ونوابه، وذلك من خلال الاشارة في النظام الداخلي للحزب، مع التأكيد على ان الانتخابات يجب ان تكون باشراف الهيئات الانتخابية وبوجود قضاة يصدقون على تلك المحاضر كشرط اساسي لتسجيل الحزب واعتماده، والذي يسمح بالتداول الدوري لرئاسة الحزب، وبما يقود الى تأسيس احزاب ذات طابع مؤسسي مستندة الى اطر ديمقراطية رصينة.
وقد اشار القانون الى ذلك بصورة عامة من خلال تأكيده على اعتماد الاطر الديمقراطية، ولم يشر صراحة الى ماهية الاطر الديمقراطية؟ وكذلك لم يشر الى الانتخابات الدورية كاساس في اختيار رئيس الحزب او امينه… وهو ما جاء في نص المادة (6) اولاً ( يعتمد الحزب او التنظيم السياسي الاليات الديمقراطية لاختيار قيادات الحزب او التنظيم السياسي).
رابعاً الرشد السياسي اساس العمل السياسي:
اشارت المادة (9) الى الاتي (يشترط في من يؤسس حزب او تنظيم سياسي ان يكون قد اكمل الخامسة والعشرين من العمر ومتمتعاً بالاهلية القانونية).
وهنا نشير الى ان السماح الى من اكمل الخامسة والعشرين بتأسيس حزب بانه يتنافى مع الدستور وقوانين الانتخابات لان الاخيرة اعطت حق الترشح لعضوية مجلس النواب لمن اكمل الثلاثين من العمر، ومن ثم السماح لمن هو دون ذلك من العمر الى تأسيس حزب يتناقض بشكل كبير مع شروط الترشح الواردة في القانون، ناهيك عن ان سن الخامسة والعشرين هو ليس السن الكافي للنضوج والرشد السياسيين… وربما يتساءل البعض ويقول ان قوانين الانتخابات قد اعطت حق الانتخاب لمن اكمل سن الثامنة عشرة، وهنا نقول ان المشاركة في الانتخابات والادلاء بالاصوات، تختلف عن تأسيس حزب يحمل في بنيته رؤية سياسية لإدارة الدولة، ومن ثم نعتقد ان سن الخامسة والعشرين من العمر لايتماشى مع النضوج والرشد السياسيين. والنقطة الجوهرية الاخرى فان ذلك سيسهم ايضاً في تأسيس العديد من الاحزاب غير الفاعلة سياسياً، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان زيادة عدد الاحزاب السياسية عن المقبول قد يشتت العمل السياسي.
خامساً: الرقابة على التمويل والانفاق:
ان عملية تمويل الاحزاب هو لغرض تحقيق تكافؤ الفرص وايجاد فرص متساوية بين الاحزاب المتنافسة في الانتخابات، الا ان:
- تمويل الاحزاب من خلال تقديم اعانة مالية تندرج ضمن الموازنة العامة للبلاد قد يثقل كاهل الدولة، خاصة ان العراق يعاني من ازمة مالية حادة وضعف في البنى الاقتصادية، وان تخصيص اعانات هو امر لايتناسب مع الوضع المالي والاقتصادي في البلاد خاصة للعشر او الخمسة عشر سنة القادمة.
- اشارت المادة (44) الى الاتي ( تتولى دائرة شؤون الاحزاب توزيع المبلغ الكلي للاعانة المالية على الاحزاب وفقاً للنسب الاتية:
– (20)% بالتساوي على الاحزاب المسجلة على وفق احكام القانون.
– (80)% على الاحزاب الممثلة في مجلس النواب على وفق عدد المقاعد التي حاز عليها مرشحوها في الانتخابات النيابية).
وهو ما يعني ان مبلغ الاعانة سوف يقسم الى قسمين الاول بواقع (20)% يوزع لجميع الاحزاب قبل الانتخاب، والثاني (80)% يوزع الى الاحزاب الفائزة بنسبة عدد المقاعد التي فازبها الحزب… وهذا ما اشارت اليه المادة (44) ثالثاً ( يعمل باحكام هذه المادة في الانتخابات النيابية القادمة). وهنا نتساءل ما الغاية من ذلك التمويل بعد انتهاء الانتخابات؟
3- اشارت المادة (37) ثانياً الى الاتي ( تمنع كل التبرعات المرسلة من اشخاص او دول او تنظيمات اجنبية).
في حين ان المادة (41) اولاً اشارت الى الاتي ( على الحزب الامتناع عما يأتي: قبول اموال عينية او نقدية من اي حزب او تنظيم سياسي او جمعية او منظمة او شخص او اية دولة اجنبية الا بموافقة دائرة شؤون الاحزاب).
وهنا نجد ان هناك تناقضاً واضحاً فيما ورد في المادة (37) ثانياً من منع قاطع بقبول التبرعات من جهة اجنبية، وفي ماورد في المادة (41) اولاً التي اشترطت قبول التبرعات من الجهة الاجنبية بموافقة دائرة شؤون الاحزاب! ومن خلال ما تقدم حاولنا تسليط الضوء على قانون الاحزاب من خلال الوقوف على الفرص التي وفرها والتحديات التي سلطها، تاركين للمشرع وللزملاء من اصحاب الاختصاص والباحثين والمعنيين بهذا الشأن من تسليط الاضواء على هذا القانون الذي يعتقد الجميع بأهميته للحياة السياسية.