كيفن سوليفان
خرجت عربات بيضاء وقت العشاء لتقديم الوجبات الساخنة لمقاتلي داعش غير المتزوجين في مدينة هيت غرب العراق. وقام فريق من النساء الأجنبيات، اللاتي انتقلن من أوروبا وانحاء مختلفة من العالم العربي، بالانضمام لداعش والعمل في مطابخ جماعية لطهي العشاء للمقاتلين، والذي يتم تسليمه إلى منازل صودرت من الأشخاص الذين فروا أو قتلوا، وفقاً لعمدة المدينة السابق. وقد استقدم داعش عشرات الآلاف من الناس من جميع أنحاء العالم من خلال الوعد بالجنة في وطن إسلامي أنشأه على الاراضي التي غزاها في سوريا والعراق.
ولكن الواقع خلاف ذلك، فقد خلق المسلحين مجتمع وحشي طبقي، اذ تختلف الحياة اليومية تماماً بين المحتلين للأرض والناس، وفقاً لمقابلات اجريت مع أكثر من ستة وثلاثون شخصاً فروا مؤخرا من داعش. يقدم التنظيم للمقاتلين الاجانب واسرهم السكن المجاني، والرعاية الطبية، والتعليم الديني، وحتى نوع من الوجبات للذين يكونون في سيارات مسلحة، وفقاً لتلك المقابلات. ويتم دفع رواتب المسلحين إلى حد كبير من خلال الرسوم والضرائب المفروضة على ملايين الناس الذين يسيطرون عليهم في رقعة أرض كبيرة مماثلة للمملكة المتحدة.
يقول أولئك الذين يسيطر داعش على مدنهم وبلداتهم بأنهم لا يواجهون وحشية المتشددين الذين يقطعون رؤوس أعدائهم ويستعبدون نساء الأقليات فقط، ولكن أيضاً النقص الحاد في أساسيات الحياة اليومية. لا تصل الكهرباء للعديد من السكان الا لساعة أو ساعتين يوميا فقط، وقد لا تصل المياه الى بعض المنازل لأيام. ان فرص العمل نادرة، لذلك لا يستطيع الكثير من الناس شراء المواد الغذائية التي تضاعفت أسعارها ثلاث مرات أو أكثر. ويفتقر الناس الى الرعاية الطبية، وأغلقت معظم المدارس، وفرض حظراً على السفر خارج الدولة الإسلامية تحت تهديد السلاح.
على مدى العامين الماضيين، نشر المسلحون سيل من الدعايات المتطورة عبر الإنترنت والتي ساعدت على إقناع ما لا يقل عن 20.000 مقاتل أجنبي، العديد منهم مع اسرهم، لكي يأتوا من مناطق بعيدة مثل أستراليا. تصور الحملة، التي انتشرت إلى حد كبير على اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعية، المكان مليئاً بعجلات فيريس وحلوى القطن، حيث تختلط الأسر المحلية مع الأجانب المدججين بالسلاح ولكن السكان المحليين الذين تمت مقابلتهم قالوا بان حياتهم اليومية مليئة بالخوف والحرمان في “الخلافة”، التي يحكمها المتشددون من خلال استخدام نسخة متطرفة من الشريعة الاسلامية.
قال محمد أحمد، 43 عاما، وهو عامل سابق في جامعة الدول العربية من دير الزور، وهي بلدة قرب الرقة، عاصمة التنظيم في شمال سوريا “عدنا إلى العصر الحجري” واضاف “لقد كان لدينا منزل جميل مع أرضيات من الرخام والسيراميك”، واضاف أحمد الذي فر من منزله في شهر حزيران ويعيش الآن جنباً إلى جنب مع 20.000 الف سوري في مخيم الأزرق في الأردن. “خلال كل حياتنا، كان لدينا كل ما نحتاجه، ثم عندما جاءوا، بدئنا الطهو على نار في الخارج ونغسل ملابسنا في الدلو”.
قال العديد من الذين تمت مقابلتهم بان داعش أقل فساداً في الواقع وقدمت خدمات حكومية أكثر كفاءة، مثل بناء الطرق وجمع القمامة، من الحكومتين السورية والعراقية. في العراق، قال البعض بان داعش تعامل السنة بشكل أفضل من الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد، ولكن لم يقل اي من الذين تمت مقابلتهم بانهم يدعمون المسلحين، وقال جميعهم بان حكومتهم الناجحة لا تبرر سلوك الجماعة الوحشي والمتعصب.
قال حكمت القعود، 41 عاما، القائممقام السابق لمدينة هيت، واحد الذين فروا في نيسان، والذي يقسم وقته الآن بين بغداد وعمان، “اننا نكرههم”.
وصل داعش إلى السلطة في أعقاب سنوات من القتال في سوريا والعراق، والتي حطمت العديد من المؤسسات العامة. لكن الأشخاص الذين قابلتهم قالوا بان الاضرار التي تسبب بها داعش أسوأ من ذلك، اذ يمكن ان يحس بها في العقود القادمة، مثل تغيير المكاسب التي تحققت في التعليم العام، وتخريب البنية التحتية الطبية، وإنشاء نظام قضائي يستند على الإرهاب، وتعريض جيل من الأطفال للعنف الشنيع والمدمر نفسيا. وبالنسبة للنساء الذين يعيشون في ظل حكم داعش، فانهم معرضين لنظام يجبرهم على ان يصبحوا زوجات للمقاتلين، وفي بعض الأحيان يتم اختطافهم واجبراهم على الزواج.
قدم العديد من الذين تمت مقابلتهم اسمهم الأول فقط ورفضوا الكشف عن هويتهم حفاظاً على سلامتهم وسلامة أفراد عائلاتهم الذين لا يزالون يعيشون تحت سيطرة داعش. قد تمت مقابلتهم عبر سكايب، او عن طريق مكالمات هاتفية من سوريا والعراق، أو بشكل شخصي في العراق، وتركيا، والأردن. اما أولئك الذين تحدثوا من المناطق الداخلية التي تسيطر عليها داعش، فانهم فعلوا ذلك بخطر كبير، فقد قالوا ان المتشددين يراقبون الإنترنت عن كثب. لقد اتفقوا على التحدث لكي يتمكنوا من نقل قصة الحياة داخل خلافة داعش.
قال ما يقرب من الجميع في مقابلاتهم بأنهم قد شهدوا عملية ذبح أو عقوبة وحشية أخرى. يكاد يكون من المستحيل التحقق بشكل مستقل بهذه الشهادات، كما أنه من المستحيل التحقق من المزاعم في الكثير من المواد الدعائية التي نشرت من قبل داعش. لا يسمح المتشددين للصحفيين أو لغيرهم من المراقبين بدخول أراضيهم، وقد نشروا عدة اشرطة فيديو لقطع رؤوس صحفيين قامت بالقاء القبض عليهم.
وقد رتبت المقابلات التي أجريت على مدى عدة أشهر بشكل عشوائيا أو من خلال الاتصالات الراسخة في المنطقة. على الرغم من أن هناك العديد من النشطاء بين الذين تمت مقابلتهم، الا ان واشنطن بوست لا تعتمد على افادات الناشطين في المقابلات. في معسكر الأزرق، استعرض صحفيي واشنطن بوست سجلات القادمين، وتحدثوا من أولئك الذين جاءوا مؤخراً من المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين. استمرت العديد من المقابلات لساعتين أو أكثر.
يسيطر المسلحون على المجتمعات الزراعية الصغيرة والمناطق الحضرية الكبيرة، بما في ذلك الموصل، وهي مدينة عراقية يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون شخص. تختلف سياسات داعش إلى حد ما في كل منطقة، لذلك ليس هناك طريقة موحدة للحياة، ولكن في المقابلات ظهر تشابهة حول ظروف المرأة، والصحة، والتعليم، والعدل، والاقتصاد بين مختلف المناطق التي يسيطر عليها داعش. يجب أن تكون المرأة محجبة بالكامل، ويتم جلدها اذا ما غادرت المنزل دون مرافقة احد الذكور. بقى الكثيرمن النساء ببساطة في المنزل خوفاً من أن يتم اعتقالهن في الشارع ويتم أجبارهن على الزواج من مقاتلين أجانب.
وعادة ما تكون المستشفيات محجوزة للمقاتلين الأجانب، ويعمل بها أطباء جاؤوا من مناطق بعيدة مثل بريطانيا وماليزيا. ويضطر السكان المحليين الحصول على الرعاية من عيادات سيئة التجهيز، والتي تمتلك ادوية منتهية الصلاحية وموظفين مدربين بشكل سيء.
في بعض الأماكن أغلق داعش خدمة الهاتف المحمول والإنترنت، وفي الاماكن التي لا تزال فيها هاتين الخدمتين موجودة، يحاول المتشددون السيطرة عليها. كما قاموا بانشاء مقاهي للإنترنت والتي أصبحت مراكز للدعاية التي تشجع المجندين الشباب في جميع أنحاء العالم لترك منازلهم والالتحاق بداعش. فقد اقنعوا حوالي 200 أميركي، البعض لا يزال في سن المراهقة، في شيكاغو، ودنفر، ومينيابوليس، وغيرها من مدن الولايات المتحدة بمحاولة الوصول إلى سوريا، الا ان معظمهم اعتقل قبل الوصول إلى وجهتهم، وفقا لمسؤولين أمريكيين. باستثناء المدارس الدينية لأطفال المقاتلين الأجانب، أغلقت المدارس بشكل عام. وصادر المسلحون دبلومات الكليات وقاموا بأحراقها بشكل علني. قالت مدرسة رياضيات تعيش في الموصل “الحياة تحت داعش كابوس يومي” وأضافت طالبتاً عدم ذكر اسمها “لدينا مستقبل مجهول ربما سيقوم داعش بقتلنا، أو ربما سنموت في الحرب، أو بعدها. ما نمر به الآن هو الموت البطيء “.
قام المسلحون بنصب نقاط تفتيش لمنع الناس من الفرار، ولكن الذين تمت مقابلتهم قالوا بان هناك شبكة متنامية من المهربين يعملون على مساعدة الناس على الفرار، اذ يهرب الفارون الى الأردن، وتركيا، ولبنان، والمناطق التي لا يسيطر عليها المسلحون في العراق بأعداد متزايدة. قال مسؤولون بالامم المتحدة ان 60 في المئة من اللاجئين الذين عبروا الحدود السورية الأردنية في الآونة الأخيرة هروبوا من المناطق التي يسيطر عليها داعش.
تصور دعايات داعش المسلحين كمحررين، فقد أظهر فيديو مؤخرا احد المقاتلين المسلحين وهو يقدم الحلوى في دار للمسنين. ولكن وفقا للناس الذين تمت مقابلتهم، فإن غالبية السكان يرون المتشددين كقوة احتلال لا ترحم، ويحاولون الابتعاد عنهم قدر الإمكان.
قال الناشط الذي يطلق على نفسه اسم أبو إبراهيم الرقاوي، من مواليد الرقة والذي يدير موقع تواصل اجتماعي يسمى بالرقة تذبح بصمت.”حتى لو كنا نراهم في الشوارع أو في المحلات التجارية، الا انه لا يوجد اختلاط بيننا” وقال بان الناس في الرقة “يشعرون بأنهم غرباء في مدينتهم.”
لماذا ينضم الناس ويبقون ؟
حقق داعش بعض النجاحات من خلال تجنيد السكان المحليين.وقال اولئك الذين تمت مقابلتهم بان الكثير من أصدقائهم وجيرانهم في سوريا والعراق اختاروا الانضمام إلى داعش ليصبحوا مقاتلين، ومعلمين، وعاملين في مكاتبهم الحكومية. بعضهم فعل ذلك لايمانهم بهدف المسلحين بتوحيد العالم تحت تفسيرهم المتطرف للشريعة الإسلامية.
ولكن معظم الناس الذين يعملون لصالح داعش فعلوا ذلك بدافع اليأس الاقتصادي، وفقا لتلك المقابلات. في الأماكن التي ارتفعت فيها أسعار المواد الغذائية وامسى كثير من الناس يعيشون على الخبز والأرز، يؤكد بعض الرجال من أن المحاربة مع داعش هي السبيل الوحيد لإعالة عائلاتهم. قال ياسين الجاسم، 52 عاما، الذي فر من منزله بالقرب من الرقة في شهر حزيران “لا يوجد عمل لذلك عليك أن تنضم إليهم من أجل العيش” واضاف “لقد انضم إليهم الكثير من الناس المحليين. لقد توجهوا الى داعش بسبب الجوع “.
قال بيتر نيومان، مدير المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في كلية كينجز في لندن أنه وعلى الرغم من قيام المقاتلين الأجانب بدفع عجلة التنظيم “على المدى الطويل، فإنهم سيتحولون إلى عبء”. كما قال بان القبائل المحلية انتفضت ضد تنظيم القاعدة في العراق في منتصف العقد الاول من الالفية الجديدة بسبب اعتبارهم الجماعة منظمة أجنبية. قال بان الناس الذين يعيشون تحت سيطرة داعش يمكن أن يفعلوا الشيء نفسه وخاصة في العراق. ولكن الذين تمت مقابلتهم من الذين عاشوا في ظل داعش قالوا بان التنظيم يقمع أي انتفاضة محتملة من خلال قتل الاشخاص الذين يشتبه في ولائهم.
قالت فاتن حميد، 70 عاما، وهي جدة فرت من بلدتها قرب الرقة في شهر ايار وتعيش الآن في مخيم الأزرق، بان العنف يزيد الغضب المحلي تجاه المسلحين، ولكنه يخلق الشكوك أيضا بين السكان، لانه من الصعب تشكيل أي نوع من حركات المقاومة عندما يفكر الناس بان أصدقائهم وجيرانهم قد يكونون مخبرين للمتشددين. واضافت “انهم يحاولون قلبنا ضد بعضنا البعض”.
قال أحمد، الذي فر من بلدته قرب الرقة في حزيران، بان بعض المقاتلين العرب يحاولون الاختلاط مع السكان المحليين، ولكن الأوروبيين وغيرهم من غير العرب لم يفعلوا ذلك. وقال بأنه على الرغم من أن متشددين الدولة يزعمون بأنهم جاءوا لخلق حياة أفضل للمسلمين، الا ان اهتمامهم يبدو منصباً على المعارك مع الجماعات المتمردة الأخرى والقوات الحكومية. قال، “لقد كانوا عدوانيون دائما، ويبدو أنهم غاضبون”. واضاف “انهم هنا للقتال، وليس للحكم”.
خلال مقابلته في مخيم الأزرق، أشار جاسم أنه وخلال عيشه تحت سيطرة داعش، اصيب حفيده ذو العامين بورم في المخ. أراد الأطباء 800 $ لإزالته. لم يعمل جاسم، وهو مزارع ، منذ ان سيطر المتشددون على بلدته. كان يائساً ولذلك في أواخر شهر ايار ذهب للمتشددين وتوسل بان يساعدوه على انقاذ حياة حفيده، فاجابوه بان عرضوا عليه خيار. قال “قالوا لي، إذا ستعطينا ابنك للقتال معنا، فسوف ندفع تكاليف علاج حفيدك”.
ان فكرة قيام أحد أبنائه بالقتال مع داعش اصابته بالغثيان، والتفكير بفقدان حفيده يكسر قلبه. فأخذ جاسم عائلته وهرب في شاحنة تهريب. وقال ان ابنه يسأل السلطات الأردنية للحصول على مساعدة طبية لطفله الصغير. قال جاسم “لن اعود إلى سوريا” واضاف “انها ليست بلدي بعد الآن”.
مواجهة ‘الخلافة’: هذه القصة هي جزء من سلسلة عن جماعة الدولة الإسلامية واصطدامها مع الولايات المتحدة وغيرها من العازمين على وقف صعود المجموعة السريع.
كيفن سوليفان | صحفي أمريكي ومراسل بارز في صحيفة واشنطن بوست وعمل سوليفان في هذا المنصب منذ عام 1991.
المصدر :
http://www.washingtonpost.com/sf/life-in-the-islamic-state/2015/10/01/overview/