back to top
المزيد

    الظلام في الدولة الإسلامية، ما تحكيه لنا الكهرباء عن تنظيم الدولة الاسلامية

    أندرو شيفر ، ديفيد إنساين

    نجح تنظيم الدولة الاسلامية، من خلال العديد من التدابير خلال العام الماضي، في معاركه بشكل مفاجئ، وسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق. ويشير معهد دراسات الحرب، على سبيل المثال، الى أنه في آب من العام 2014، كانت المناطق التي يسيطر عليها التنظيم مجرد خيطين رفيعين يمتدان من غرب وشمال بغداد الى كوباني على الحدود السورية- التركية. غير أن الخريطة قد تغيرت كثيراً  بعد مرور عام واحد، إذ تظهر خريطة محدثة أن التنظيم استولى على مساحات أكبر من الأراضي عبر سوريا والعراق طولاً وعرضاً. ولم يتمكن أحد من الوقوف بوجه التنظيم وعكس انتصاراته في سوريا حتى الآن، إلا الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة ، حيث تمكنت من استعادة السيطرة على أراضٍ كبيرة على طول حدود شمال سوريا خلال الصيف.

    ومع هذا، فإنه بالتركيز الدقيق على الأرباح والخسائر الإقليمية  للتنظيم، لا يتوفر لدينا إلا رؤية محدودة للنجاح الفعلي للتنظيم في المنطقة. هناك فشل في الإجابة على السؤال عن ما إذا كان التنظيم  يحقق فعلا هدفه المتمثل في إنشاء وحكم دولة إسلامية مستقلة. كان هناك بالطبع الكثير من الأدلة القولية حول هذا الموضوع، ولكن الأدلة المستندة إلى بيانات، غير متوفرة.هناك، على الرغم من ذلك، وسيلة واحدة لقياس الأداء المباشر لحكم التنظيم: من خلال إمدادات الكهرباء، وهي الخدمة الأساسية اللازمة لوجود الإضاءة في البيت والشارع، وتشغيل الثلاجات والتلفزيونات والراديو، وغيرها من الأجهزة الأساسية، وتشغيل أجهزة دعم الحياة في المستشفيات، ومحطات معالجة المياه. من دون كهرباء، تتوقف جميع الأعمال التجارية وينهار النشاط الاقتصادي، ويُشرَّد ملايين العمال.

    وقد قمنا، من خلال استخدام بيانات جمعتها وقدمتها لنا وزارة الكهرباء العراقية، بقياس التغير في مستويات الكهرباء في المناطق التي يسيطر عليها  التنظيم منذ أن فرض سيطرته عليها في الصيف الماضي، ومقارنة هذه المستويات مع تلك الموجودة في مناطق خارج سيطرته. انخفض إنتاج الكهرباء في المناطق التي يسيطر عليها  التنظيم في العراق بشكل حاد عقب انتشار التنظيم في البلاد العام الماضي، وبقيت الامدادات منخفضة للغاية حتى آذار. (ويتناقص مؤشر البيانات بعد آذار، ولهذا فإن هذه البيانات تمثل أفضل وأحدث ما لدينا عن جهود الإدارة العامة للتنظيم).  وتعاني محافظتي نينوى والأنبار بشكل خاص، من فقر شديد يشمل كل نواحي الحياة هناك. كما انخفضت مستويات الطاقة الكهربائية إلى الصفر خلال الشهور القليلة الماضية من تغطية البيانات.

    1
    (1) استهلاك الكهرباء اليومي في المحافظات التي تخضع لسيطرة التنظيم، أغسطس 2013- مارس 2015.
    2
    (2) استهلاك الكهرباء اليومي في المحافظات التي تخضع لسيطرة التنظيم بالمقارنة مع المتوسط في بغداد والبصرة، أغسطس 2013- مارس 2015

    أكبر العوامل التي تسهم في عجز التنظيم عن توليد الكهرباء هو نقص الوقود. وقد أدى إغلاق مصفاة بيجي حالياً الى توقف محطة كهرباء بيجي بسبب قلة إمدادات زيت الوقود الثقيل. كما قام الاكراد في الوقت نفسه، بإيقاف تجهيز الغاز إلى محطة كهرباء التاجي. وتعكس هذه التغيرات الحادة في إمدادات الكهرباء بعد تشرين الأول 2014 (في نينوى، على سبيل المثال) تغييرات في الوقود المتوفر لدى التنظيم. وعلى الرغم من أن  التنظيم قد تمكن من احتلال المصافي الرئيسة، إلا أن هذا لم يؤثر كثيراً على قدرته في توفير إمدادات الكهرباء في المنطقة. ولم تعد تلك المصافي ذات فائدة تذكر بسبب استهداف القوات الأمريكية لها. ومن الممكن أيضاً أن التنظيم قد قرر بيع كل ما لديه من النفط في السوق السوداء لمواصلة عملياته، بدلاً من تشغيل محطات توليد الكهرباء. وبغض النظر عن جوهر القصة، فإن التأثير هو نفسه التنظيم لا يوفر الكهرباء لشعبه. في المقابل، شهدت مناطق مثل بغداد والبصرة، التي بقيت تحت سيطرة الحكومة المركزية، تغييراً طفيفاً في معدل استهلاك الكهرباء خلال نفس تلك الفترة.

    ولكن، هل أن فشل التنظيم في توفير السلع العامة يهم؟  يذكر ستيفن كوك، وهو زميل إيني إنريكو ماتي لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، في مدونته، أنهم لا يهتمون “الشيء المضحك حول التأكيد على أن الدولة الإسلامية هي على وشك عدم الاستقرار بسبب فشلها في إشعال الأضوية يتجاهل حقيقة أن عدم القدرة على توفير الخدمات الأساسية لا يجعل التنظيم في وضع استثنائي في منطقة يعتبر فيها العمل كصاحب مولد يعمل بالديزل أمر جيد جدا.” وتظهر البيانات بوضوح أن الحال مختلف قليلاً في العراق. (بما أن الوقت ليس مناسباً للعمل كصاحب مولد يعمل بالديزل، لانه لا يمكن تشغيل المولدات في ظل أزمة شحة الوقود).

    بطبيعة الحال، لدى المراقبين بالتأكيد الحق في التساؤل عما إذا كان فشل التنظيم في الحكم سيكون، أم أنه بدلا من ذلك، سيقوي التنظيم. في النهاية، هناك مجموعة متنوعة من الدراسات التي تشير الى أن الجماعات المتمردة يمكن أن تستفيد من الصدمات الاقتصادية السلبية من خلال تسهيل توظيف الجهود. وفرضية هذا العمل، هي أنه سيكون من السهل تجنيد المقاتلين المحتملين عندما يكونون في فقر مدقع وفي حاجة  لفرص عمل. وقد أثبت  علماء في جامعتي بيركلي ونيويورك، على سبيل المثال، أن الصدمات السلبية للنمو الاقتصادي في الصحراء الكبرى في أفريقيا تسببت في زيادة احتمال الحرب الأهلية، التي كان الجميع يشكون في احتمال حدوثها، لأن الشباب هم “أكثر عرضة لحمل السلاح عندما تكون فرص دخلهم في الزراعة سيئة مقارنة مع دخلهم كمقاتلين.” وفي دراسة أخرى أكثر مباشرة، قام بها نفس العلماء، جنباً إلى جنب مع زملاء في جامعتي ستانفورد وهارفارد، تبين أن خطر الصراع في أفريقيا يزداد بين المناطق التي فيها “اعتماد كبير على الزراعة الديمية ” في أعقاب الزيادة في درجات الحرارة. كما يكشف علماء آخرين عن أنماط مماثلة في كولومبيا. كما تبين ايضاً أن الظروف الاقتصادية المحلية قد غذَّت حركات القرصنة في العصر الحديث.

    على طول هذه الخطوط، فإن انعدام الكهرباء قد يعزز في الواقع، موقف التنظيم في العراق وسوريا. وبهذا المنطق، وبوجود لعبة وحيدة في المدينة، فإن التنظيم سيختار جنود المشاة بسهولة. وعلى الرغم من ذلك، تشير الدراسات حول تنظيم القاعدة في العراق، أن هذا الأمر ليس دقيقاً بطبيعة الحال. وقد وجد باحثون من جامعة برينستون ومؤسسة راند، وهي منظمة غير ربحية تقدم البحوث والتحليلات للقوات المسلحة الأمريكية، أن مقاتلي تنظيم القاعدة في العراق (كثير منهم يقاتلون الآن في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية) قد قاتلوا بأُجور أقل بكثير من معدل السوق. خلافاً للرواية الشعبية في ذلك الوقت، لم يكن تنظيم القاعدة يجند الشباب الغاضب العاطل عن العمل، بل حظي  بانضمام عدد كبير من المنظرين الذين لم تكن الأجور تعني لهم شيئاً.

    3
    صبي يمشي بين براميل من الوقود للبيع داخل محطة غير عاملة للبنزين في حلب، 13 يناير، 2015.

    هناك طريقة أخرى لقياس عمق فشل التنظيم في توفير السلع الأساسية في المنطقة، وهي من خلال النظر في ما إذا كان المدنيين الساخطين الذين ضاقوا ذرعاً بالأوضاع المتردية، سوف يتحولون ضد التنظيم الإرهابي. كثيرا ما حاجج منظري مكافحة التمرد والممارسين على حد سواء، بأن إقدام المدنيين على تقديم معلومات عن المتمردين للقوات الحكومية يؤثر بشكل كبير على نتائج التمرد. يحدث هذا حين ترجح كفة القوات الحكومية وتكون أقوى من المتمردين الذين يتحدونها، فإنها قد تفتقر إلى المعلومات عن حركة التمرد وهويات أعضائها ومواقع مخابئ الأسلحة. بعبارة أخرى، على الرغم من أن عدم تماثل السلطة عادة تستفيد منه القوات الحكومية، فإن عدم تناسق المعلومات يستفيد منه المتمردون، مما يساهم بشكل أكثر أو أقل في تعويض الفرق في السلطة. لذلك فإن المخبرين المحليين، يهدددون هذا التوازن من خلال ترجيح ميزة المعلومات بعيداً عن المتمردين.

    يقدم لنا البحث المستفيض عن حرب العراق أدلة على أن قرار المواطنين تبادل المعلومات حول المتمردين يعتمد على كيفية تأثير الأنشطة الحكومية والمتمردين عليهم. وقد وجد أحد الزملاء، من بيانات رُفعت عنها السرية مؤخراً حول حرب العراق، أن عدد الاخباريات التي كان المواطنون يدلون بها لقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة خلال الحرب، قد انخفض بعد أن قامت قوات التحالف بهجمات الحقت ضرراً  بالمدنيين عن غير قصد.  بالمقابل، ارتفع عدد الاخباريات من قبل المواطنين بعد هجمات للمسلحين أسفرت عن سقوط ضحايا من المدنيين.

    وتشير وثائق وزارة الدفاع الداخلية التي أفرج عنها البنتاغون لنا مؤخراً، إلى أن الاخباريات لعبت دوراً كبيراً في حرب العراق. وتصف أحدى الوثائق الخط الوطني الساخن الذي أنشئ لتزويد المواطنين بوسائل تساعدهم في الإبلاغ عن المعلومات، بأنه “مصدر معلومات بالغ الأهمية لكل من قوات التحالف والحكومة العراقية في مكافحة الإرهاب.” كما تشير وثيقة أخرى إلى أن برنامج الاخباريات “كان فعالاً جداً الى درجة أن الرئيس ونائب الرئيس ووزير الدفاع طلبوا بيانات تاريخية عنه.” وترسم قصص الأخبار العسكرية خلال حرب العراق صورة متفائلة. وقد أدت الاخباريات إلى اكتشاف أكثر من ” 450 من الألغام المضادة للدبابات” في مدينة الصدر، ومصنعاً لصنع القنابل ومخابئ الأسلحة، والمنازل الآمنة للإرهابيين. كما يحكى أن برنامج الاخباريات قد دلَّ قوات التحالف على مكان أبي مصعب الزرقاوي.

    على نفس المنوال، أدى الفشل في التحكم الفعال من قبل الدولة في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية، الى بروز نوايا سيئة  تدفع المواطنين الى عدم الإبلاغ عن هويات المسلحين وأماكن وجودهم وانشطتهم للقوات الحكومية. ويمكن إعتبار هذا الاتجاه هو الوحيد الذي قد يساعد في إضعاف تنظيم الدولة الاسلامية إذا ما كانت لدى القوات الحكومة العراقية والسورية الوسائل اللازمة وسيلة لجمع الاخباريات والتصرف بناء على معلوماتها. يفتقر النظام المحاصر للرئيس بشار الأسد في سوريا، بشكل واضح الى مثل هذه القدرات. أما في العراق، فإن الصورة ليست قاتمة تماماً، حيث أنشأت الحكومة هناك عدداً من مراكز الخطوط الساخنة للمدنيين عقب ظهور التنظيم. إذا ما أرادت الحكومة استعادة المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، فإن عليها أن تستغل سوء الإدارة  للتنظيم، وتسهيل تدفق المعلومات من المواطنين، التي ستستخدم لاحقاً في استهداف المتمردين وعملياتهم.

    ويبدو لنا أن جهود التنظيم في الحكم كارثية. مع ذلك، تشير البحوث إلى أن عجز التنظيم حتى الآن في الحكم قد لا يكون أثر على  قدرته على شن الحروب في وقت واحد ضد النظامين العراقي والسوري.  بالرغم من ذلك، يجب على الحكومة العراقية أن تكتسب زخماً في مكافحة التنظيم، وقد تجد أنه من الممكن توجيه استياء المواطنين العراقيين الذين عانوا من حكم التنظيم ، بحيث يؤدي بهم إلى الإدلاء بمعلومات استخبارية، وبالتالي، إضعاف قبضة التنظيم الإرهابي في العراق.


    أندرو شيفر ، هو مرشح لدرجة الدكتوراه في جامعة برينستون وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية. شغل سابقا منصب محلل البنتاغون والخارجية زميل في مجلس الشيوخ الأمريكي. وهو مهندس كهربائي لأكثر من 40 عاماً. وكان مستشار وزارة الخارجية الامريكية 2005-2012 في بغداد .

    ديفيد إنساين ، ماجستير الهندسة الكهربائية من جامعة ولاية نيو مكسيكو.

    المصدر:
    https://www.foreignaffairs.com/articles/syria/2015-10-23/lights-islamic-state