back to top
المزيد

    العراق بحاجة الى إجراء فوري لمعالجة مشاكل الطاقة

    سعد الله الفتحي

    ليس هناك وقت طويل لأن حدة التظاهرات في المدن آخذت بالازدياد.

    لقد غدت التظاهرات في المدن العراقية الآن فقرة اخبارية يومية. وتطالب التظاهرات باحداث تغييرات سياسية واقتصادية، ويلقي المتظاهرين باللوم على الحكومة لتقاعسها في محاسبة المسؤولين الفاسدين. ووصل الأمر ببعض الجماعات الى المطالبة بحل الدستور والبرلمان وإعادة تشكيل مجلس الوزراء ليشمل فقط تكنوقراطاً مستقلين، بعد أن فقدت الثقة في السياسيين الذين تتهمهم بالتستر على بعضهم البعض.

    بدأ كل شيء تقريباً في منتصف شهر تموز عندما خرج متظاهرون في محافظة البصرة للمطالبة بتحسين الكهرباء، في وقت تجاوزت فيه درجات الحرارة 50 درجة مئوية. ثم إتسعت الاحتجاجات لتمتد الى بغداد وباقي مدن جنوب العراق، وقد تتحول إلى عصيان مدني إذا لم تتحرك الحكومة سريعاً للقيام بالاصلاحات.
    ومن غير المستغرب أن تؤدي خدمة الكهرباء المتردية إلى اندلاع ثورة، لما لها من تأثير حيوي جدا على المعيشة والاقتصاد بالنسبة للجميع. وكانت وزارة الكهرباء قد ذكرت في عام 2011، أن القدرة التوليدية المنصوبة هي 16854 ميغا واط ، في حين بلغ متوسط ​​الإنتاج السنوي 6153  ميغا واط، اي ما نسبته 36% من القدرة التوليدية. أما التجهيز للمستهلكين فقد بلغ 4693 ميغا واط، ما يعني أن الخسائر نسبتها 24%.
    وذكرت ادارة معلومات الطاقة الامريكية في تقريرها “تحليل العراق” أن التجهيز في عام 2012 كان 66 مليار كيلوواط في الساعة، أي ما معدله 7534 ميغاواط، بضمنها استيراد 913 ميغا واط. أما خسائر التوزيع فقد بلغ متوسطها 36% ​​بين عامي 2005 و 2012. وازدهرت تجارة توليد الكهرباء خارج الشبكة الوطنية على مستوى الاعمال والمنازل، حيث يصل مستوى الانتاج في بغداد لوحدها الى 1000 ميغا واط، الأمر الذي يزيد من الطلب على انواع الوقود الخفيف كالغازولين والديزل.

    صناعة مضطربة

    اشترى العراق في عام 2008، 74 مولد توربين غاز بسعة مجتمعة  تبلغ 10.2 ميغا واط، لكن قسما كبيرا منها بقي قابعا تحت ظروف تخزين غير ملائمة لعدم وجود ميزانية أو وقود، والأهم من ذلك كله عدم وجود الجهد الهندسي المطلوب لتحويل تلك المعدات إلى محطات عاملة لتوليد الكهرباء.
    تعتبر الكهرباء المظهر الأكثر وضوحا من مظاهر الصناعة المضطربة للطاقة في العراق لكنها ليست الوحيدة. وتستحوذ شركات النفط الأجنبية على إنتاج النفط الخام إلى حد كبير، أما الشركات العراقية الخبيرة فهي مهمشة تماما.
    ازداد انتاج النفط في شهر تموز من 2.4 مليون برميل يوميا إلى 3.3 مليون برميل يوميا، ولم يسمع أحد بمصير مليارات الدولارات التي قيل انه تم صرفها على نفقات وتكاليف وحدات الانتاج العالية، في تطوير حقول النفط العراقية. أما الآن وقد انخفضت أسعار النفط، فإن العراق يواجه صعوبة في تسديد ديون الشركات النفطية، وقد يضطر إلى تخصيص نحو ربع انتاجه من النفط لهذا الغرض.
    أما بالنسبة لشمال وغرب العراق، فقد تسبب تنظيم داعش في توقف التنمية هناك، حيث تسيطر قوات البيشمركة الكردية على حقول كركوك، في حين يحتل تنظيم داعش حقل القيارة وحقولاً أخرى في صلاح الدين. كما لا تزال المشاكل بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان على حالها، ولا يوجد في الافق اي حل منظور، حيث تعمل حكومة إقليم كردستان بشكل مستقل، وتتحدى الحكومة في كل خطوة تخطوها، حتى أنها وقعت 58 عقدا مع شركات نفطية دون علم أو موافقة بغداد. وتقوم حكومة إقليم كردستان بتصدير النفط بشكل مستقل، مما يلغي الاتفاق الأخير مع وزارة النفط للتصدير من خلال شركة تسويق النفط العراقية (سومو). ويعتبر هذا الوضع هشاً جداً، كما أنه يزرع بذوراً لنزاعات مستقبلية وعواقب لا حصر لها.

    المستثمرون

     يواجه العراق صعوبة في تزويد السوق المحلية بالمنتجات النفطية، لأن المصافي التي طاقتها الانتاجية المفترضة 0.9 مليون برميل يوميا، تعمل بطاقة فعلية لا تتجاوز 70%. وازداد الطين بلَّه مع احتلال تنظيم داعش لمصفى بيجي الذي يعتبر اكبر مصفى نفطي عامل في العراق.

     يستورد العراق منذ العام 2004 حوالي 90 ألف برميل يوميا من المنتجات البترولية الخفيفة مثل البنزين والكيروسين والديزل ولا يزال هذا النقص موجودا. وتبلغ تكاليف هذا الاستيراد حوالي 40 مليار دولار، وهو مبلغ يكفي لتحديث المصافي الحالية عن طريق إضافة قدرات جديدة وإنتاج منتجات ذات جودة أفضل. ولا تزال المصافي الأربعة الجديدة التي أعلن عنها في 2010 بانتظار مستثمرين لا يحتمل أن يأتون.

    وكان العراق قد منح عقد مصفاة واحدة بطاقة 140.000 الف برميل يوميا بكلفة بلغت أكثر من 6 مليار دولار، وهو ما يقرب من 40% من كلفة البرميل الواحد من مصاف جديدة مماثلة في المنطقة.
    أما معالجة الغاز في الشمال والجنوب فتبلغ طاقته مجتمعة 16.5 مليار متر مكعب سنويا، مع أنها تعمل بما نسبته 44% من طاقته الفعلية. وذكرت وزارة النفط في شهر حزيران أن كمية الغاز المشتعل تبلغ 1491 مليون قدم مكعب في اليوم، أي 15.6 مليار متر مكعب في السنة، وهو ما يعادل 270.000 الف برميل نفط يوميا. ومع ذلك فإن الحكومة ترى أنه من الأسهل استيراد الغاز من ايران بتكلفة كبيرة جدا وحتى هذا يتأخر ايضاً. إن قطاع الطاقة ضروري لرفاهية الشعب، وما لم تتخذ الحكومة إجراءات جذرية لتنشيط هذا القطاع، فإنها قد تتسبب في سقوطها. وسوف تستمر الاحتجاجات في عموم العراق.


    سعد الله الفتحي|  رئيس سابق لقسم دراسات الطاقة في سكرتارية أوبك في فيينا

    المصدر :

    http://gulfnews.com/business/analysis/iraq-needs-instant-action-to-redress-energy-woes-1.1586821