نور مبشر
” الفوضى التي يمكن إدارتها ” هي فكرة قاصرة مزقت الشرق الأوسط. لفهم لماذا، علينا أن نعود مائة سنة الى الوراء. في عام 1916، وقعت بريطانيا وفرنسا اتفاقية سايكس بيكو سراً، ثم في منتصف الحرب العالمية الأولى، قرروا انهاء الإمبراطورية العثمانية. سيطر السلطان محمد السادس في اسطنبول على الممرات الملاحية الحيوية والثروات النفطية في الخليج الفارسي. في حين قام لورنس بخداع شيوخ العرب مع وعود “بسوريا الكبرى”، قسمت القوى الأوروبية بلاد الشام بالشكل الذي يناسبهم.
لم تكمن المشكلة في قيام الغرباء برسم الحدود، بل كانت هو عدم مراعاة هذه الحدود للناس الذين يعيشون في داخلها، حيث تجاهلت هذه الخطوط المنحوتة في منطقة الشرق الأوسط الجغرافية الطائفية، أو القبلية، أو العرقية. فقد انتهت العديد من المناطق ذات الأغلبية الشيعية تحت السيطرة السنية، والعكس كذلك. كما امسى ثلاثين مليون كردي بلا مأوى. أصبحت هذه السلاله من الملوك الأقوياء من آسيا الصغرى أقلية في تركيا، وسوريا، والعراق، وإيران.
ومع ذلك، لم تكن بريطانيا ولا فرنسا ساذجتين من خلال تقسيمهم الأراضي العثمانية القديمة بهذه الطريقة. ترغب هذه الدولتان بوجود استقرار في الشرق الأوسط للمحافظة على التجارة،وهذا ليس هدفا قويا. لقد كانوا مرتاحين من وجود الخلافات بين السكان الأصليين، واحتاجوا الى حمايتهم. كما كانوا سيشعرون بسعادة عرامة لحفاظهم على الوضع الراهن. حتى لو امتد هذا الصراع الى اماكن اخرى، فإنه لا يزال “فوضى يمكن التحكم فيها”. لم يكن الفشل، الذي كانت بريطانيا وفرنسا بعيدتان عنه بما فيه الكفاية، ليسمح بأي رد فعل سلبي يحرق الدولتان. في الواقع، حتى ظهور تنظيم القاعدة، لم يهتموا بالتطرف الاسلامي بقدر اهتمامهم بالقومية العربية.
عندما نفكر في “فوضى يمكن التحكم فيها” باعتبارها خطر جيوسياسي مقبول، فان صعود وبقاء داعش في السلطة يصبح واضحا. تركيا، على سبيل المثال، فكرت في داعش كأداة للسياسة الخارجية حتى تفجير سروج في تموز. واعتبرت الميليشيات الكردية مثل حزب العمال الكردستاني (PKK) ووحدات حماية الشعب (YPG) “أكثر خطورة من داعش”.
رأت حكومة حزب العدالة والتنمية (AKP)برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، وهي حكومة إسلامية بشكل علني، أن مسلحي داعش اخوة سنة ضالين يمكن أستخدام العقل والمنطق معهم. هدد الأكراد، في الوقت نفسه، حدود البلاد مع صراع لا نهاية له من أجل اقامة دولة كردية. منذ عام 2011، تدفق المسلحون إلى مخيمات داعش عبر تركيا، وازدهرت تجارة النفط والأسلحة غير المشروعة وراء ظهر أنقرة التي كانت تعلم بكل شيء. اصيب اردوغان بالذعر من أنصارات PKK / YPG على داعش في سوريا، أعلن وبقوة ان “إنشاء دولة جديدة على الحدود الجنوبية لتركيا” أمر غير مقبول.
اراد أردوغان ان تقوم داعش بتقييد القوميين الأكراد في سوريا. ولم يهمه البتة تحالف الميليشيات الكردية مع الناتو في المعركة ضد كتائب البغدادي. ستلعب تركيا وبسعادة لعبة مزدوجة إذا كان ذلك يعني التخلص كل من داعش والرئيس السوري بشار الأسد. وكانت القيادة البعثية قد قدمت الدعم المادي والمعنوي لتمرد الاكراد الترك والذي استمر لثلاث عقود. وحمى الأسد أيضا زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، وهو إرهابي معروف دوليا. اليوم، حتى بينما تقوم الطائرات التركية بقصف أهداف داعش في سوريا، فانهم يطلقون العنان لنفس الجحيم على مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
في وقت سابق، في ايول 2014، اعترف الجنرال الأمريكي المتقاعد توماس مكينيرني قائلا “نحن ساعدنا في بناء داعش”. وقد عنى “بنحن”، كل من الاستخبارات السعودي والإسرائيلي جنبا إلى جنب مع وكالة المخابرات المركزية الامريكية. تشارك الأولان في اهتمامهم العميق في احتواء طموحات “الهلال الشيعي” في ايران. ضغط السناتور جون ماكين، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، طويلاً لتسليح “المتمردين المعتدلين” في سوريا بعد تردد الرئيس أوباما بايجاد حل عسكري. أصبحت إعادة اوباما لرسم الخطوط الحمراء للأسد بشكل مستمر كابوس للعلاقات العامة بعد أن قتلت الهجمات الكيميائية في الغوطة مئات المدنيين في اب 2013.
ومن الواضح أن المتآمرين بحاجة الى حيوان مفترس أكثر قوة، وان تجنيد بقايا تنظيم القاعدة في العراق لعب على تهاوي الأسد في الجبهة الشمالية. كما هو الحال مع تركيا، كانت أميركا مرتاحة مع معرفه أن اي كيان سينجو من هذا الصراع لن يكون أقوى من تنظيم القاعدة الأصلي، وبالتالي ستكون “فوضى يمكن التحكم فيها”.
وتجاهلوا أيضاً وبشكل مبالغ فيه قيام رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بالابتعاد عن الشمال، والتذمر الطائفي الذي خلقه. في الوقت الذي تخلت فيه قوات الأسد عن العديد من الاراضي في سوريا، قامت قوات المالكي الضعيفة بفعل نفس الشيء. سقطت الموصل بشكل مذهل، ولكن داعش كان بعيداً عن الضجة بين عشية وضحاها.
هناك نوعان من النتائج الكبيرة المحتملة اذا استمر قتال داعش لفترة طويلة الامد. في غضون عامين، يمكن للعديد من الديمقراطيات العربية اتباع طريق السيسي في مصر والعودة إلى الديكتاتورية العسكرية أو المدنية. تميل المجتمعات المحاصرة مع الحكومات الضعيفة تأريخياً نحو القومية، التي تنتج في كثير من الأحيان عن صعود الطغاة.
على العكس من ذلك، إذا تمكنت الميليشيات الكردية من ارعاب داعش في بلاد الشام، سيكون لديهم حجة قوية لانشاء دولتهم، وسوف يدعمهم الغرب رغم معارضة تركيا، خاصة إذا كان الرئيس الأميركي المقبل مشابه لأوباما في ارسال الجنود الى الأرض. وفي كلتا الحالتين، فإن السلام سيتأخر في الشرق الأوسط لبعض الوقت.
نور مبشر |صحافية مستقلة في باكستان، وكاتبة عمود منتظم لصحيفة ديلي تايمز.
المصدر:
http://www.huffingtonpost.in/smubashir-noor/how-the-manageable-chaos-_b_7997438.html