تضم الصين الشعبية في مجتمعها عشرات الاعراق والديانات ومئات اللغات والثقافات وبتعداده الذي وصل الى 1.4 مليار واربعمائة مليون نسمة وبنسبة تقارب الـ (20%) من سكان العالم . فسيفساء المجتمع الصيني يمكن ان يكون تحدياً باعتماد هذا التنوع في المجتمع لإثارة الخلافات والفرق بين فئاته، وكما يحصل في بلدان العالم الثالث، او يمكن ان يستثمر كعنصر قوة، وكما هو لكثير من دول العالم المتقدمة وذات التجمعات السكانية الحديثة كاستراليا وكندا وحتى امريكا في تعدديتها لخدمة تنميتها ونهوضها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً لذا وضعت الاستراتيجيات والخطط العلمية ضمن منهج الاصلاح التدريجي، وتم التمسك بخطواتها التي جنبتهم مخاطر الصراعات لتصل بهم الى الاستقرار السياسي والاقتصادي بالرغم من التحديات العالمية .
وبالرغم من تعددية الاستراتيجيات التي اتبعتها الصين في مجال التنمية الشاملة واعتماد سياسة نبذ العنف والتطرف والأفكار المتشددة ونشر ثقافة التسامح والاعتدال، ولكنها اعتمدت نظاماً صارماً في مجال الادارة العامة ومحاربة المفسدين ومحاسبة المقصرين في عملهم او المتجاوزين على القانون او المعتدين على سياسة الدولة مهما كانت مناصبهم او درجاتهم الوظيفية، اذ تمت معاقبة قرابة خمسين وزيراً او ممن هم بالدرجة نفسها باحكام قاسية جداً بسبب قضايا فساد او رشوة او تقصير وظيفي او جراء خلل في الحياة العامة.
ولقد كان للثورة الصناعية في المملكة المتحدة ( 1750- 1850 م) التأثير الكبير والمتصاعد للتنمية الشاملة وعلى الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وبعدها انتشرت في جميع انحاء اوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان، ومن ثم في بقية دول العالم، ومن ضمنها بعض من دول العالم العربي، حيث ادت الى البدء في التصنيع، ولو على قدر محدود وبطيء، فانتشرت الصناعات البسيطة والتحويلية في معظمها، بالإضافة للصناعات النفطية للدول المنتجة له، ولكن بقيت تقنياتها والياتها والمكننة المستخدمة قديمة وغير مواكبة للتطورات والتكنولوجيا الرقمية الحديثة التي حصلت وتحصل عليها الدول المصنعة لها، ولكن مع ذلك فقد حصل بعض الاستقرار والنمو في تلك البلدان العربية، وانخفضت نسب البطالة وازدادت نسبة المتعلمين والمثقفين والمهنيين، بالرغم من انها كانت تسير ببطء، وسببها الانتقال من المجتمع الزراعي الى المجتمع الصناعي، أي اصبحت لديها خطوات ضمن مشروع التنمية البشرية الشاملة من جراء النمو العلمي والذي استنهض باقي قطاعات التنمية الاقتصادية والصناعية والاجتماعية وغيرها، بالرغم من الموارد المحدودة لتلك البلدان وتعسف الحكام ودكتاتوريتهم وعدم نزاهتهم وتعاملهم المزدوج لابناء بلدانهم وتقريبهم لفئة وتعسفهم مع الفئات الاخرى.
حصلت الثورة الصناعية الثانية في النصف الثاني من القرن الماضي وتلتها الثورة الرقمية التي تعد ثورة العصر الحالي، وعندها اصبح السباق ليس فقط في امريكا الشمالية ودول اوربا الغربية واليابان، وانما دخلت السباق دول صغيرة في جنوب وشرق اسيا ولم يقتصر على الصين فقط.
ومن هنا زادت الفجوة المعرفية بين دول العالم العربي والدول الصناعية ذات التكنولوجيا الرقمية او المصنعة للتكنولوجيا، والتكنولوجيا تعني التطبيق العملي للاكتشافات والاختراعات العملية التي يتم التوصل اليها عن طريق البحث العلمي والدراسات العملية، ولهذا فان التكنولوجيا الصناعية باتت هي المعيار الاكثر اهمية للحكم على مدى تطور وحداثة العملية الانتاجية ضمن معايير تخفيض تكاليف الانتاج وجودة المنتج، التي ستكون المؤشر الحقيقي للتقدم في تلك الصناعة.
ومن كل ذلك كثير من الاسئلة تتبادر للذهن ولكن المهم منها هي الاتي:
- هل تتوفر الطاقة الايجابية لدى الفرد العراقي القادرة على التشجيع على الخلق والإبداع كأدوات مهمة للتغيير والتطوير والاختراع ؟
- هل يمتلك الفرد العراقي الطاقة الجسدية وحب العمل والانجاز ؟
- هل اصبح العراقي يملك الطاقة العقلية المفعمة بالعلم والمعرفة، القادرة على تحويل المعرفة الى عمل ؟
ومن هنا وكما يعرف الجميع بأن الارادة العراقية والعقل العراقي والجسم العراقي عندما تتوفر لهم الظروف الملائمة سيكون مبدعاً ومنتجاً خلاقاً، ولا اريد ان اتحدث عن الحقبة التأريخية منذ الاف السنين، ولكن يمكن التركيز على فترة الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، حيث نجد تميز العراق وتألقه بالمقارنة بدول المنطقة وخاصة الخليجية منها، وبالقطاعات التنموية المهمة كالتربية والتعليم والثقافة والصحة والاقتصاد، وحتى الصناعة، وهذا ما يشير وبالدليل القاطع على تميز العقل العراقي والدليل الاخر والحي هو ما اشتهر به عراقيو الخارج ممن غادروا العراق خلال حقبات الهجرة والتهجير التي ابتدأت عام 1958م.
لذا فان ما حققته الصين وكوريا وتايوان والبرازيل والكثير من دول العالم من معجزاتها التنموية والاقتصادية بالصناعات والتكنولوجيا يجب ان تكون دروسا لنا، وليكون عامل الاستثمار الصناعي، وتسهيل اقامة المشاريع الصناعية ودعمها والنهوض بالصناعة التحويلية وحماية المنتج الوطني في البدأ للوصول الى الصناعة المتقدمة وذات التكنولوجيا الحديثة، هو الامل في تخفيف معاناة ابناء العراق للوصول الى بلد امن ومستقر. حيث يشكل التعليم والتنمية الاقتصادية اهم عنصرين في مشروع التنمية البشرية في بلدان العالم النامية والمتقدمة. ان الاستثمار في التعليم والاقتصاد، وبالتحديد في المشاريع الصناعية، سيؤدي الى الاستقرار وتحسين رفاهية المجتمعات.
وختاماً يمكن القول ان ما نريده حقاً هو ثورة فكر كثورات العالم الغربي الصناعية والتكنولوجية، لتكون ضمن عناصر التنمية الشاملة، بالإضافة للتربية والتعلم والثقافة التي يمكن ان توفر البيئة الملائمة لهذه الثورة الصناعية بعدة عناصر واهمها الكهرباء او الوقود المدعوم مادياً ومحاسبة المسؤولين المعرقلين لانشاء المشاريع الصناعية بهدف الفساد المالي، وعندها سنُعيد رؤوس الاموال العراقية واصحابها الى العراق ليشاركوا بأحد اهم اركان مشروع التنمية البشرية وهي الصناعة الوطنية.