تعد شركة أرامكو السعودية أكبر شركة طاقة في العالم إذ تنتج أكثر من 10 ملايين برميل يوميا، وهو أضعاف ما تنتجه شركة إكسون موبيل المدرجة كأكبر شركة طاقة في العالم, وتبلغ احتياطيات أرامكو السعودية أكثر من عشرة أضعاف ما تملكه إكسون موبيل حيث تبلغ احتياطياتها من الخام 265 مليار برميل أو ما يتجاوز 15 في المائة من كل الاحتياطيات النفطية في العالم. وبحسب رويترز, لو طرحت أرامكو أسهمها للتداول لأصبحت أكبر شركة في العالم مع تقديرات المختصين أن تبلغ قيمتها السوقية تريليون دولار.
شركة أرامكو (شركة الزيت العربية السعودية) هي شركة عالمية بدأت عملها عام 1933 وتم تأميمها عام 1988 وقد بلغ الدخل القومي السعودي الذي يعتمد بنسبة 90٪ على شركة أرامكو بحسب ما أعلنت عنها وزارة النفط السعودية بما يقدر بـ 745 مليار دولار عام 2014, كما موضح بالجدول أدناه.
وأصدر الملك سلمان مرسوما بإعادة هيكلة أرامكو تضمن فصلها عن وزارة النفط, في حين أصدر المجلس الاقتصادي السعودي بيانا قال فيه :إن إعادة هيكلة أرامكو ستكون على وفق رؤية الأمير محمد بن سلمان, فتم حل المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن السعودي الذي كان يشرف على أرامكو وتم إنشاء المجلس الأعلى لشركة الزيت العربية السعودية من 10 أعضاء برئاسة الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ليكون المسؤول المباشر عنها.
كانت أرامكو تتبع وزارة النفط برئاسة علي النعيمي (79 عاما) الذي يصفه الاعلام الغربي بأمير النفط, وهو من كان يحدد سياسات النفط داخل أوبك ويتحكم بأسعارها العالمية بما يتوافق مع المصالح السعودية. وقد تجنب الأمراء التدخل في السياسة النفطية وآثروا تركها للمختصين فأعطوا الشركة الاستقلالية الكافية لتدير نفسها بنفسها ثم تخضع للمساءلة أمام وزارة النفط التي يديرها النعيمي, وبهذه الهيكلية الجديدة ستكون الشركة تحت إدارة الأمير محمد ومسؤوليته.
الرئيس التنفيذي في شركة دار الإدارة للتطوير والاستثمار محمد الضحيان قال في اتصال مع قناة العربية السعودية :”إن هيكلة أرامكو ستركز على تطوير مفاهيم الإدارة ونماذج التنظيم المحاسبي والاداري”, حديث الضحيان حمال أوجه ؛لأن أرامكو تمتاز بمستوى عالٍ من الاداء بفضل الخبرات الغربية التي تشرف على الشركة وتديرها.
صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية نشرت على موقعها بتاريخ 29/4/2015 تقريرا بعنوان (السعودية تستبدل ولي العهد في إعادة هيكلة جارفة) رأت فيه أن إعادة هيكلة أرامكو أكبر مصدر للنفط في العالم بفصلها عن وزارة النفط إنما يهدف الى تعزيز سلطة نجل الملك على الاقتصاد, واعتبرت الصحيفة أن هذه الخطوة هي لتركيز السلطة في يد الأمير الشاب الذي يحتل المركز الثاني في ترتيب ولاية العرش في الوقت الذي تواجه فيه المملكة انخفاض أسعار النفط, وبذلك صار الامير محمد متحكما بقرارات الملك عبر الديوان، وبالقرارات الاقتصادية عبر اللجنة الاقتصادية وبالقرارات العسكرية عبر وزارة الدفاع.
بينما يرى آخرون أن المجلس الرقابي برئاسة الامير محمد سوف يعزز النفوذ الملكي على شركة أرامكو التي طالما عملت بشكل مستقل عن الإدارات الحكومية منذ تأميمها واكتسبت سمعة باعتبارها واحدة من أفضل شركات النفط الحكومية في العالم. ونأى الامراء في العائلة الحاكمة بأنفسهم عن التدخل في السياسة النفطية السعودية والإحجام لأسباب سياسية لأن الاعتقاد السائد أن منصب وزير البترول من الأهمية بحيث قد تؤدي تسمية أمير لتوليه إلى اختلال التوازن في العائلة المالكة ويجازف بجعل السياسة النفطية تتأثر بالشد والجذب بين الأمراء.
بعض المراقبين يعتقدون أن عملية هيكلة أرامكو تدخل ضمن الصراع الداخلي بين الامراء لخلافة سلمان, ولعل الهدف الاساسي من حرب السعودية على اليمن كان في بناء كارزما اعلامية للامير محمد بن سلمان في مقابل الاميرين القويين محمد بن نايف وزير الداخلية ومتعب بن عبدالله قائد الحرس الوطني, وبحرب اليمن ظهر وزير الدفاع الامير الشاب (الملتحي) محمد بن سلمان كبطل قومي فاقت قوته الاميرين بن نايف وبن عبدالله مما مهده لولاية العهد الثانية.
المعارضة السعودية تدعي أن القرارات المتسارعة (المتدحرجة) للملك سلمان تظهر رغبة الملك القوية في تولي ولده الحكم من بعده خاصة اذا علمنا أن محمد بن نايف ليس له أبناء, ولذلك وبعد انتهاء “عاصفة الحزم” بنجاح في تسليم محمد بن سلمان ولاية العهد، يظهر في الافق تتويج لنجل الملك “بطولة” قومية اقتصادية عبر إدارة أرامكو وربما تخفيض الإنتاج لرفع الأسعار ومحاولة لنشر الرخاء الاقتصادي مما يعني انتقاله مباشرة وبانقلاب أبيض آخر إلى ولاية العهد الأولى. واذا ما صدقت المعارضة السعودية فإن شركة أرامكو ومنظمة أوبك وأسعار النفط العالمية جميها ستتبع ما يقرره الامير الشاب, فيما قد يعكس من قرارات ذا بعد داخلي أو اقليمي.
موقع (آي أتش أس جينس 360) الاقتصادي الامريكي نشر تقريرا في 3/5/2015 بعنوان (محاولات نائب ولي العهد في تعزيز قوته بالطاقة سيثير رد فعل عنيف من منافسيه في المملكة مما قد يزعزع الاستقرار) والتقرير يتحدث عن جهود محمد بن سلمان في ترسيخ سلطته, ذكر فيه أن بن سلمان قد يواجه ردا من قبل المتنافسين على الحكم من العائلة المالكة. وتحدث التقرير عن القرارات التي اتخذها الملك كتعيين نجله وليا ثانيا للعهد وترأسه لشركة أرامكو بعد فصلها عن وزارة النفط السعودية. وأشار الموقع أن الملك تخلى عن الاعراف المتبعة فيمن سبقه ببطء اجراء التغييرات والحفاظ على التوازن بين أمراء العائلة المالكة وبتخليه عن ذلك مع اشارات في الاعلام السعودي بدمج الحرس الوطني ضمن وزارة الدفاع لتكون تحت أمرة محمد بن سلمان فإنه إنما أثار حفيظة الامير متعب بن عبدالله قائد الحرس الوطني وهو ما توقعه الصحفي البريطاني المخضرم ديفيد هيرست المختص في الشأن الخليجي أن يبادر الملك سلمان ويضم الحرس الوطني الى وزارة الدفاع.
وتوقع الموقع الاقتصادي أن تؤدي القرارات السياسية والاقتصادية لتركيز السلطات بيد نجل الملك الى احتمالية أن يقوم ولي العهد الامير محمد بن نايف مع كبار العائلة باللجوء الى هيئة البيعة لتنحية الملك سلمان بمبررات صحية, أو أن يسبقهم محمد بن سلمان بعزل ولي العهد بن نايف مما يضع المملكة في مواجهة داخلية غير سلمية. لذا يتوقع أن يتخذ محمد بن سلمان خطوات اقتصادية داخلية وخارجية (نفطية) لتعزيز موقفه الداخلي في سباق التنافس الملكي. ويبقى الدور الحاسم للولايات المتحدة في الانحياز لطرف ما وحسم الأمور خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل النفط, وكما هو معروف فإن المؤسسات الامريكية الصانعة للقرار ترتبط بعلاقات جيدة مع الامير محمد بن نايف.
وقد علق المغرد (مجتهد) في موقع التواصل الاجتماعي تويتر, على رئاسة الامير محمد بن سلمان لشركة أرامكو بقوله ” بعد أن استولى على السلطة كلها من خلال والده رأى بن سلمان أن الحصول على المليارات عن طريق صفقات الدفاع مشوار طويل فقرر أن يذهب للمصدر نفسه. ولهذا أصدر قرارا باسم الملك سلمان بفصل أرامكو عن وزارة البترول وأن يكون هو (محمد بن سلمان) رئيس مجلس أرامكو وأن تجري إعادة هيكلتها إداريا”.
واضاف مجتهد “وستتم إعادة هيكلة أرامكو بحيث يكون قرار الانتاج والتسعير والتصدير وتسجيل إيرادات النفط وتوزيعها محصورا في دائرة ضيقة جدا تحت سيطرة بن سلمان, وبهذه الطريقة يستطيع الحصول على ما يريد من موارد النفط قبل أن تدخل في الميزانية ويحولها إلى أي حساب يريد من دون علم وزارة البترول أو المالية .. وهكذا يعود البلد ثمانين سنة إلى الوراء حين كان الملك عبد العزيز يدير النفط بهذه الطريقة فيأخذ كل إيرادات النفط ثم يقرر كم ينفق على البلد” ويختتم مجتهد قوله :أن الزمن قد تغير والامراء لن يقبلوا بذلك.
ومن الجدير بالذكر أن المغرد (مجتهد) توقع تنحي الامير مقرن بيومين قبل تنصيب الملك لنجله وليا ثانيا للعهد ،وحيث تعتقد الاوساط الاعلامية أن (مجتهد) أحد أفراد العائلة المالكة السعودية .