اليسا روبن
باريس – استفاد الفرنسيون من الشرخ المتزايد في الأسابيع الأخيرة بين الملوك والامراء العرب في الخليج والولايات المتحدة، إذ سيجتمع ممثلو تلك الملكيات مع الرئيس أوباما يوم الاربعاء لمناقشة خلافاتهم وخصوصا تلك التي تتمحور بشأن الصفقة النووية مع إيران.
وقبل أيام صرّح وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أنّ المسؤولين الفرنسيين يعملون على انشاء مذكرات تفاهم لـ”عشرات المليارات من اليورو” المستثمرة في مشاريع في المملكة العربية السعودية. في الأسبوع الماضي، جرى استقبال الرئيس فرانسوا هولاند بحرارة في اجتماع لمجلس التعاون الخليجي، إذ أشرف على توقيع اتفاق لبيع طائرات مقاتلة لقطر بقيمة 7 مليارات دولار .
شعرت دول الخليج بالغضب بسبب اصرار السيد أوباما على التوصل الى اتفاق نووي مع إيران، والذي سيتم من خلاله رفع العقوبات عن هذا البلد الشيعي والمنافس الاقليمي القوي. وبموجب الاتفاق، سيتم رفع العقوبات مقابل موافقة ايران على ابطاء العمل على برنامجها النووي. وشكك محللون فرنسيون من خلال التعبير بصوت عالٍ بشأن الاتفاق إذ صرّح العديد منهم بأنّ فرنسا قدمت نفسها كمدافع عن دول الخليج في حين أنّ الأعمال التجارية لصناعة الأسلحة الخاصة بها قد ازدهرت.
“من خلال الظهور بصورة أكثر صرامة بقليل من بقية التحالف الغربي فيما يخص الاتفاق النووي، أوجدت فرنسا مكانا لها و نافذة تطل على العديد من الفرص” صرح دومينيك مويسي، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشؤون الدولية ومؤسس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. “من خلال الشراء من الفرنسيين، اعرب السعوديون أيضا عن استيائهم من الاميركيين”.
وتعززت مصداقية فرنسا بين الدول العربية السنية أيضا بسبب الحديث الشديد اللهجة للقادة الفرنسيين ضد الرئيس السوري بشار الأسد، بعد استخدام الأسلحة الكيميائية ضد تجمعات المتمردين في صيف عام 2013. إن إيران دعمت و بشدة حكومة الرئيس الأسد المنتمية للطائفة العلوية، فرع من المذهب الشيعي، في الحرب الأهلية التي شنها الاسد ضد المتمردين والمنتمي اغلبهم للطائفة السنية والمدعومين من قبل دول الخليج.
وعلى النقيض من ذلك، اغضب السيد أوباما دول الخليج من خلال رفضه لضرب الأسد، على الرغم من اعلانه أنّ استخدام الأسلحة الكيميائية “خط أحمر” و من شأنها أن تدفع امريكا للعمل. وارسلت بريطانيا مشروع مشاركتها في الضربات الجوية ضد نظام الأسد للتصويت في البرلمان، وقد تم الاعتراض عليه.
إنّ العلاقات التي تجمع بين فرنسا والمملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج هي علاقات قديمة وقوية. فخلال الحرب بين إيران والعراق في الثمانينيات، دعمت فرنسا صدام حسين، الزعيم السني في العراق، و الذي كان مدعوما أيضا من قبل السعوديين. وعارضت فرنسا بشدة غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003. في الاونة الاخيرة تودد نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي السابق، لدولة قطر وجعلها شريكا تجاريا مفضلا، و مركزاً لعقد المؤتمرات ، وإقامة التحالفات التجارية.
وقد قامت دولة قطر بالعديد من الصفقات التجارية الشرائية رفيعة المستوى في فرنسا، بما في ذلك متاجر Printemps ونادي كرة القدم باريس سان جيرمان، و حصلت فرنسا على صفقة مربحة عند بيعها ما يصل الى 24 مقاتلة رافال الى قطر، وقد استثمرت دولة الإمارات العربية المتحدة أيضا في مجال التكنولوجيا العسكرية الفرنسية.
سعى السيد هولاند، الذي يُدعى -أحيانا- بفرانسوا الجزيرة العربية، إلى إقامة علاقات قوية مع الخليج وتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية، والتي تم تفعليها من جديد من قبل الملك الجديد سلمان والبالغ من العمر 79 عاما. و قد أُجبر قادة دول الخليج على عمل المثل.
“في الوقت الذي عادت فيه العلاقات مع الولايات المتحدة الى سابق عهدها، أرسلت دول الخليج إشارات إلى الولايات المتحدة وشعوبها أنّ لديهم شراكات استراتيجية أخرى، حيث يُنظر الى فرنسا وعلى نحو متزايد على أنّها صمام أمان في منطقة الخليج”، قال اميل حكيم ، وهو محلل في منطقة الخليج في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
“على الرغم من سلسلة الصفقات الناجحة، إلّا أنّ مقدرة فرنسا على تحويل اي فرصة مميزة وصغيرة الى علاقة تمتد على مدى طويل تعد محدودة.” على الرغم من الحديث المتشنج، إلّا أنّ فرنسا ومن المؤكد أنها ستوقِّع على أي اتفاق نووي قريب مع إيران. وعلى الرغم من كل التبجح من قبل دول الخليج حول تنويع التحالفات، إلّا أن الولايات المتحدة باعت في الخليج ومنذ فترة طويلة أسلحة اكثر من فرنسا ،وللمملكة العربية السعودية بصورة خاصة، وقد قامت ايضا بتعميق علاقاتها مع الجيوش العربية السنية.
ففي عام 2014، باعت فرنسا بحوالي 175 مليون دولار من الأسلحة التقليدية للسعوديين، في حين أن الولايات المتحدة باعت بنحو 1.2 مليار دولار على وفق أرشيف مبيعات الأسلحة التقليدية التي جمعها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. في ذلك العام نفسه، باعت فرنسا ب122 مليون دولار من تلك الأسلحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في حين باعت الولايات المتحدة ب 551 مليون دولار.
إنّ السياسة الداخلية الفرنسية لا تدعم بناء علاقات غير واضحة أو وثيقة مع دول الخليج والمملكة العربية السعودية، و التي تعد موطنا للإسلام المحافظ والذي يعارضه العديد من المواطنين الفرنسيين.
في حين أنه من غير المرجح أن تحلَّ فرنسا محلَّ الولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى المفضلة في منطقة الخليج، إلّا أنّها أصبحت أكثر نشاطا كلاعب عسكري في منطقة محفوفة بالمخاطر.
“إنّ فرنسا تحل محل المملكة المتحدة بوصفها نائب عمدة عندما يتعلق الأمر بالتدخل”، قال السيد مواسي: “ويرجع هذا الى الانخفاض الحاد بنسبة 10% في الإنفاق على الدفاع الذي قررته داوننغ ستريت” .
وقد استفاد الفرنسيون من هذه التوقيتات الجيدة. في الوقت الذي تقدم فيه الأمريكيون فيما يتعلق بعقد صفقة مع إيران، ضخمت ست دول في مجلس التعاون الخليجي عن عمد الدور الفرنسي للتعبير عن إحباطها من الولايات المتحدة، ولتحسين صورتها قامت تلك الدول بشن حرب على اليمن، وقد اُتهمت بعض الدول الأعضاء فيها بدعم الجماعات السنية المتطرفة في سوريا والعراق. وتلقى السيد هولاند دعوة من قادة الخليج للقدوم الى الرياض، المملكة العربية السعودية، الأسبوع الماضي، مما جعله أول رئيس دولة غربي يحضر أحد اجتماعات قمة المجموعة.
“لا تقلل من الاهمية المحلية التي تكسبها هذه الدول لوجود الرئيس الفرنسي ليس فقط على ترابها ولكن لحضور اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي ” ، قال جوناثان إيال، رئيس المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن.”كانت تلك هي المرة الاولى التي يحظر فيها زعيم غربي هناك، وهذه كانت وسيلتهم للاشارة الى أنهم قد لا يروقوا لبعض الدول الغربية، ولكن البعض الآخر يتقبلهم برحابة صدر. وهذه الإشارات تعمل على تغيير الانتقادات.” في الوقت نفسه، لاحظ السيد إيال وغيره من الخبراء أنّ السعودية وقطر غير متأثرتين بوهم أنّ فرنسا يمكن أن تكون بديلاً عن الولايات المتحدة.
“إنّهم يعرفون جيدا أنّ الفرنسيين لن يحلوا محل الولايات المتحدة”، صرح فرانسوا هايسبورغ، المستشار الخاص في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس “لا يوجد لدينا وزنا سياسيا أو اقتصاديا أو استراتيجيا”.
وأضاف “إنّهم لا يتوقعون منّا أن نصبح قوة عظمى في لحظة”، كما قال السيد هايسبورغ. “النقطة التي يروجون لها هي: نحن بحاجة إلى كل مساعدة يمكن أن نحصل عليها لنساوي موازين القوى مع ايران و للحصول على غطاء أمني لأنفسنا “. وفرنسا مع اقتصادها المقيد، إنها سعيدة جدا لبيع البضائع الفرنسية إلى الخليج لتعزيز هذه العلاقة.
ومع ذلك وفي زيارة إلى الرياض في الأسبوع الماضي ، قال السيد فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، أنّ هناك إحساساً مستعجلاً من جانب السعوديين إلى “التحرك بسرعة” لترسيخ العلاقات مع باريس، وأنه سيكون هناك قريبا مذكرات تفاهم بين البلدين على مجموعة متنوعة من الصفقات، من بينها المبيعات من السلع العسكرية وغير العسكرية، بما في ذلك تقنيات الصناعات الصحية، والطاقة الشمسية والنقل – ويحتمل أن تكون في مجال الطاقة النووية. ومع هذا، فإنّ الوجود العسكري الأميركي في الخليج و قوتها الاقتصادية مستمران ،والواقع أنّ كلاً من المملكة العربية السعودية وقطر استثمرت بكثرة في الطائرات والأسلحة الأمريكية الصنع ،وهذا يلقي بظلاله على العلاقة بين دول الخليج وفرنسا.
قال السيد هايسبورغ. “هؤلاء الرجال ليسوا حمقى، ويحبون أن يكون لهم محافظ متنوعة”، “لكنهم يعرفون أن أكبر عنصر في محافظهم الاستثمارية هي الولايات المتحدة.”
رابط المصدر :