قام العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز وبخطوة مفاجئة بإجراء تغييرات جوهرية طالت حكومته. حيث قام ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية بإصدار أوامر ملكية تحمل في طياتها تغييرات راديكالية على مستوى الحكم في المملكة العربية السعودية.
وقد شملت أوامر الملك سلمان الملكية تنحية أخيه غير الشقيق، الأمير مقرن بن عبدالعزيز من ولاية العهد. وكان ينظر إلى الأمير مقرن على أنه الرجل القوي في العائلة الحاكمة. كما تم إعفاء الأمير سعود الفيصل، الدبلوماسي المخضرم الذي صاغ ولمدة طويلة السياسة الخارجية السعودية من وظيفته وزيراً للخارجية. وقد تم تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد، بدلاً من الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ووزيراً للداخلية ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ورئيساً لمجلس الشؤون السياسية والأمنية. أما الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع، والرجل الذي ينظر إليه على أنه النجم الصاعد في العائلة الحاكمة السعودية، فقد نال هو الآخر حظه من التغييرات، فقد تم تعيينه ولياً لولي العهد، والإبقاء عليه في منصبه وزيراً للدفاع، بالاضافة الى تعيينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ورئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. وقد ضم الأمير منصور بن مقرن الى الحكومة مستشاراً للملك سلمان بمرتبة وزير. وتوجت هذه القرارات بصرف راتب شهر لمنتسبي القوات المسلحة السعودية من عسكريين ومدنيين.
تعكس التغييرات توازنات العائلة الحاكمة في العربية السعودية. فيبدو أن ملف الأمن الداخلي قد تم تسليمه بشكل رسمي إلى الأمير محمد بن نايف. ويبدو أنه ولاعتبارات داخلية في العائلة الحاكمة، أو الداخل السعودي قد قلصت فرص الأمير محمد بن سلمان لأن يكون ولياً لعهد أبيه، وبالتالي فإن تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد قد يكون لامتصاص أية انتقادات قد توجه الى العاهل السعودي في أنه بدأ يعطي ابنه محمد بن سلمان مساحة أكبر من السلطة في إدارة شؤون المملكة. ولكن بقيت القوات المسلحة، والأمور القتصادية بيد الأمير محمد بن سلمان. ولكن اعفاء الأمير مقرن من ولاية العهد تثير هي الأخرى تساؤلات عن مغزى هذا التغيير، فعلى الرغم مما ذكره الأمر الملكي رسمياً وعن قصد بأن الإعفاء جاء بناء على طلب من الأمير مقرن، إلا أن ذلك لا يقلل مساحة التكهنات للمتابعين للشأن السعودي. ومن هذه التكهنات وجود خلافات تشهدها العائلة المالكة السعودية حول السياسات التي بدأ العاهل السعودي ينتهجها مؤخراً، والدور الكبير لنجله الأمير سلمان في صياغة وتنفيذ هذه السياسات، ومنها التدخل العسكري المباشر في اليمن. بالاضافة إلى ذلك فقد عزز إستبعاد الأمير مقرن الاعتقاد السائد بأن والدته اليمنية هي أحد الأسباب التي جعلته لا يستلم مواقع مفصلية في ادارة شؤون البلاد. وقد تفسر هذه الخطوة ضربة لشخصية من أهم الشخصيات المقربة للولايات المتحدة في العائلة المالكة السعودية. والمثير للاهتمام في شأن إعفاء الأمير بندر من منصبيه، ولاية العهد ونيابة رئاسة مجلس الوزراء أنه لم يتم تعيينه في موقع بديل، كما جرت عليه سياسة الترضيات التي تتبعها القرارات الملكية رغم خبرته الطويلة وعلاقاته الدولية الواسعة. مما يعزز التكهنات بوجود حالة خلاف في العائلة المالكة السعودية هو إعفاء الأمير سعود الفيصل، مهندس السياسة لخارجية السعودية منذ عام 1975. وعلى الرغم من تعيينه في منصب تشريفاتي، إلا أن الأمر الملكي ذكر عن قصد أيضاً، أن الإعفاء جاء بناء على طلب من الأمير سعود ولأسباب صحية. وقد طرح تعيين السفير السعودي لدى واشنطن عادل الجبير وزيراً للخارجية السعودية بدلاً عن الأمير سعود الفيصل تساؤلات عن إعطاء هذا المنصب الجوهري لفرد من خارج العائلة المالكة، وقد يؤشر على السرعة في اتخاذ القرار دون خطط مسبقة أو لوجود خلافات في داخل العائلة المالكة حول من يشغل هذا الموقع. حيث يتوقع أن يشغل الجبير الموقع إلى أن يتم الاتفاق على شخصية من العائلة المالكة لادارة الدبلوماسية السعودية.
سيكون الأمير محمد بن سلمان، أحد اللاعبين الرئيسيين في صياغة السياسات في العربية السعودية. وقد أشرت التغطية الإعلامية المميزة للزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد ولي عهد إمارة أبوظبي إلى العربية السعودية قبل ثلاثة أيام من الأوامر الملكية التي صدرت اليوم، ولقائه بالأمير محمد بن سلمان بتغطية إعلامية مميزة جمعت الإثنين بشكل لم تعهده وسائل الإعلام السعودية على تحرك اقليمي يسعى من خلاله الأمير محمد بن سلمان للحصول على حلفاء اقليميين له وعلى مستوى شخصي أكثر منه على مستوى رسمي.
ولضمان السيطرة على الأمور، وضمان تأييد القوات المسلحة السعودية للتغييرات، فقد تم صرف راتب شهر لموظفي القوات المسلحة. وتأتي هذه الخطوة لشراء ولاء القوات المسلحة للقرارات والتعيينات الجديدة. وقد يؤشر ذلك على خشية العاهل السعودي من وجود جيوب في القوات المسلحة السعودية ممن توالي فروع العائلة المالكة الرافضة لهذه الأوامر الملكية بالإعفاء والتعيين، والتي يمكن أن يتم التأثير عليها لإضعاف تلك القرارات.
بانتظار ما ستؤول إليه التغييرات في الحكومة السعودية، وخاصة على مستوى علاقات المملكة مع محيطها الاقليمي والدولي، وعلى الأوضاع في الداخل السعودي، إلا أن المراقبين يشكون في مقدرة العائلة المالكة السعودية بفعل هذه الأوامر الملكية على إحداث تغييرات جذرية في سياساتها بما يصب في موضعة المملكة في مستوى أكثر قدرة على مواجهة التحديات التي تواجهها داخلياً وخارجياً. وقد تكون المغامرة في اليمن إحدى واجهاتها.