أدلى الجنرال مارتين ديمبسي- رئيس الأركان الأميركي- يوم أمس 3/3/2015 بشهادته أمام لجنة القوات المسلحة الأميركية في مجلس الشيوخ الأميركي[1]. وقد تحدث فيها عن المخاطر التي تهدد المصالح الأميركية في العالم، فضلاً عن تعاظم التهديدات الإرهابية للعالم أجمعه. وقد أتى على ذكر أحدى تلك التحديات التي تواجه العالم ،ألا وهي التحرك المتعاظم لقوى هي من أنظمة من خارج الدول القومية، خاصة عبر شبكات من الحركات المتطرفة التي تستخدم الإرهاب كتكتيك في حركتها. حيث تمتد هذه الشبكات عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عبر ليبيا، وغزة والعراق وسوريا و نيجيريا واليمن. إذ تمكنت داعش من السيطرة على أجزاءٍ واسعة من العراق وسوريا، فضلاً عن انتشار الإرهاب في مناطق أخرى من العالم. وبحسب الجنرال ديمبسي فإن الولايات المتحدة وبقواتها المسلحة تستمر في الضغط على القاعدة وداعش والمجموعات المتطرفة الأخرى بشكل مباشر أو عبر شركائها أينما تهددت المصالح الأميركية.
وفيما يخص إيران، فقد تحدث ديمبسي باتجاهين، أولهما : اتجاه التعامل مع إيران على أنها تمثل تهديداً للولايات المتحدة من الفئة المتوسطة، بينما تمثل روسيا الفئة الثقيلة. والذي يجعل إيران في هذا التصنيف، هو سعيها للهيمنة على الشرق الأوسط، فضلاً عن طموحاتها النووية، وتعد إيران إحدى أكبر البلدان المصدرة للسلاح في العالم، وإنها توظف العديد من الوكلاء والأتباع في بقاع عدة من العالم. وكذلك لكونها أصبحت أكثر فعالية في الفضاء السايبري. ويضيف كيري “نحن لدينا مصالح هامة في المنطقة ولا يمكن المحافظة عليها بشكل جيد إذا ما تمكنت إيران من تحقيق غاياتها.”
أما الاتجاه الثاني وبحسب وكالة أنباء اسوشيتدبرس[2]، فقد ذكر الجنرال ديمبسي وفي جلسة الاجتماع نفسها، أن إيران وأتباعها يعملون في العراق منذ عام 2004 ؛ ولكن عملية تكريت تؤشر على مستوى جديد من الانخراط الإيراني في العراق. وبحسب الجنرال ديمبسي “تمثل عملية تكريت أكبر دعم إيراني معلن على مستوى المدفعية وأمور أخرى، وبشكل صريح ، ستحصل هنالك مشكلة إذا أنتجت هذه المساندة طائفية جديدة. أما إذا تصرفوا بطريقة موثوق فيها وأخرجوا تكريت من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، فإن ذلك سيعني وجود أمر جيد فيما يتعلق بمواجهة الحملة التي تشنها داعش.” وبحسب الجنرال لويد أوستن، الذي يقوم بمهام قيادة العمليات العسكرية للتحالف في العراق فإنه لا يوجد أي تعاون بين “قوات الولايات المتحدة والقوات الإيرانية.”
وإذا ما أضفنا لهذا التصريح، تصريحاً سابقاً للجنرال ديمبسي في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الأركان الإسرائيلي في تل أبيب في شهر كانون الثاني/يناير الماضي ، والذي ذكر فيه :”إن إيران لا يمثل وجودها في العراق تهديداً للولايات المتحدة ، ومادامت الحكومة العراقية تضم الجميع، فإن النفوذ الإيراني في العراق يبقى إيجابياً.”[3]
وإذا ما جمعنا تصريحي الجنرال ديمبسي ، فإننا نلاحظ وجود مؤشرات على تفاهم على مستوى معين بين الإيرانيين والأميركيين في ضبط إيقاع العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وبعيداً عن تصريحات السياسة والإعلام، فإن المصالح المشتركة هي التي توجه طبيعة التعامل بين البلدين. ويبدو أن مصلحة البلدين قد اجتمعت في تحييد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وتحجيمه واحتوائه. هذا على المستوى العسكري، وإذا ما أضفنا التقارير التي تحدثت عن رسالة سرية وجهها المرشد الروحي لإيران، السيد علي خامنئي إلى الرئيس الأميركي أوباما، والتي تضمنت التعاون بين البلدين في محاربة التنظيم فضلاً عن أمورٍ أخرى. وعلى الرغم من النفي الإيراني للرسالة، إلا أن تأكيد المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية بأن “الرسالة الأميركية التي وصلت إلى طهران في وقت سابق تم الرد عليها بأساليب عدة”[4] قد تؤكد موضوع الرسالة.
وعلى هذا الأساس من الضروري للحكومة العراقية، ومن أجل وضع صياغة سياسة عملية قائمة على الحقائق والأدلة لإدارة المعركة ضد تنظيم داعش من جهة، والمعركة السياسية المقبلة فيما يخص وضع البلد والعراق ككيان مستقل، أن يتم التحقق من المعلومات، وجمع حقائق أكثر عن طبيعة التفاهمات بين إيران والولايات المتحدة وبما يحفظ مصالح العراق. كما يمكن الاستفادة من هذه التفاهمات في بلورة إستراتيجية عراقية تأخذ بالاعتبار الاستفادة من قدرات كلا البلدين وبما ينسجم مع استقلالية العراق وسيادته. كما يمكن الاستفادة من هذه المعلومات لمواجهة الأصوات التي تتحرك لإشعال الحس الطائفي سواء كان من بعض الأصوات الشيعية التي تؤجج الأوضاع ضد التدخل الأميركي، أم الأصوات السنية التي تؤجج الأوضاع طائفياً ضد التدخل “الفارسي.”
[1]US senate committee on Armed Services, POSTURE STATEMENT OF GENERAL MARTIN E. DEMPSEY, March 3, 2015
[2]The US general says Iranian hand in Iraq could turn out well, The Times of Israel, March 4, 2015
[3]Dempsey: Iran’s Military Action in Iraq is ‘Positive’, The Washington Free Bacon, January 15, 2015
[4]إيران تنفي رسالة “سريّة” من خامنئي إلى أوباما، العربي الجديد، فرح الزمان شوقي، 15 فبراير 2015