الدكتور نافيز أحمد
يعيش العالم في خضم وباء نقص المياه المحلية والإقليمية، وما لم يتم حل هذه المشكلة فإن ذلك سيؤدي إلى المزيد من الهجرات القسرية والاضطرابات الأهلية وتفشي الصراع بين الدول.
ان النقص المتزايد في المياه ادى الى تصاعد العنف في العراق وسوريا واليمن وتفشي وباء الاضطرابات المدنية في جميع أنحاء المنطقة وعلى نطاق أوسع.
لقد اظهر البحث الجديد الذي نشرته الجمعية الأمريكية لأعمال المياه (AWWA) أن ندرة المياه المرتبطة بتغير المناخ تمثل مشكلة عالمية في الوقت الحاضر وانها تلعب دورا مباشرا في الصراعات الكبرى المتفاقمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تواجه مدن عديدة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا “انخفاض لمعدل المياه للشخص الواحد”، وهذا يؤثر على إنتاج الأغذية، ونقص المناطق المؤهولة بالسكان، وتوليد الطاقة “في جميع أنحاء العالم”.
في عدد هذا الشهر من مجلة AWWA، يقوم خبير إدارة المياه الامريكي روجر باتريك بتقييم الدور الذي يلعبه نقص الماء في جميع المناطق الرئيسية في العالم حيث وجد أن نقص المياه محليا تمتلك “تأثيرا على العالم بأجمعه”.
ويقوم الباحث بتسليط الضوء على أمثلة من “عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط واحتماليه حدوث نفس الشئ في بلدان أخرى” لتوضيح زيادة “الترابط العالمي” في ما يتعلق بنقص المياه على المستويات المحلية والإقليمية.
في عام 2012، لخص تقرير للمخابرات الامريكية والذي يقوم على سرية الاستخبارات القومية عن الأمن المائي بتكليف من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن الجفاف والفيضانات واستنزاف المياه العذبة من شأنه أن يزيد من احتمال استخدام المياه كسلاح او حرب، أو أداة للإرهاب بعد عام 2022.
ومع ذلك تبين دراسة جديدة في مجلة AWWA أن أجهزة الاستخبارات الأميركية لا تزال تحاول اللحاق بالركب في ما يتعلق باستخراج الحقائق على الأرض. تواجه بلدان مثل العراق وسوريا واليمن تزايد في الارهاب وما يتعلق به من عدم الاستقرار بسبب الآثار المزعزعة لعدم استقرار نقص المياه ، في الوقت الذي تجري فيه عمليات الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب على قدم وساق في تلك البلدان.
الناس عطشى ، الدولة فاشلة
تعرف الأمم المتحدة المناطق بانها تعاني ازمة مياه إذا كانت كمية المياه العذبة المتجددة و المتاحة للفرد سنويا أقل من 1،700 متر مكعب, ويتم تعريف المناطق التي فيها كمية المياه للفرد أدنى من 1،000 بمناطق تعاني من ندرة للمياه، وأقل من 500 بمناطق تعاني “ندرة مطلقة في المياه”.
ووفقا لدراسة AWWA، فإن البلدان التي تعاني بالفعل من الإجهاد المائي أو ما هو أسوأ بكثير تشمل مصر والأردن وتركيا والعراق واسرائيل وسوريا واليمن، والهند، والصين، وأجزاء من الولايات المتحدة.
كثير، ولكن ليس الكل, من هذه البلدان تعاني من الصراعات التي طال أمدها أو انها تعيش الاضطرابات المدنية.
AWWA هي جمعية علمية دولية تأسست لتحسين نوعية وإمدادات الماء ، و تضم في عضويتها 50،000 عضو وتشمل مرافق المياه، والعلماء، والمنظمين، وخبراء في مجال الصحة العامة، وغيره AWWA تعمل في شراكة مع وكالة حماية البيئة للحكومة الأميركية (EPA) لانتاج مياه صالحة للشرب، وقد لعبت دورا رئيسيا في تطوير معايير الصناعة.
مؤلف الدراسة روبرت باتريك، الذي عمل سابقا في برايس ووترهاوس كوبرز، هو مستشار حكومي ومدير مائي متخصص عمل على قضايا نقص المياه في الأردن، لبنان، نيو مكسيكو وكاليفورنيا وأستراليا.
يشرح مقاله في بحثAWWA أن ارتفاع أسعار الحبوب والتي ساهمت في انتفاضة مصر في 2011 هو نتاج تغير المناخ والذي سبب “الجفاف في البلدان الرئيسية المصدرة للحبوب ” مثل استراليا.
ويشير باتريك إلى أن مثل هذه الاضطرابات المدنية قد تكون مؤشرا خطراً على مستقبل مصر الحافل بالاضطرابات والنزاعات, ويقوم بتسليط الضوء على خطر نشوب حرب بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي يقيد حصول مصر على نهر النيل، الذي يؤلف حوالى 98٪ من إمدادات المياه في مصر.
في الوقت الذي يتوقع فيه ان عدد سكان مصر سيتضاعف إلى 150 مليون نسمة بحلول عام 2050، فان هذا يمكن أن يؤدي إلى “توتر هائل” بين إثيوبيا ومصر حول نهر النيل، وخاصة ان من شأن سد إثيوبيا أن يقلل من قدرة محطة مصر لتوليد الطاقة الكهرومائية في أسوان بنسبة 40٪.
حروب المياه و”الحرب على الإرهاب“
ان كل البلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تقود الولايات المتحدة حاليا تدخلا عسكريا لعدة سنوات ضد “الدولة الإسلامية” تعد دول منكوبة بالجفاف.
قبل ان تنقاد سوريا الى حرب أهلية مستمرة، تشير تقارير باتريك الى ان 60٪ من البلاد عانى من جفاف مدمر والذي أدى الى نزوح أكثر من مليون مزارع معظمهم من السنة إلى المدن الساحلية التي تسيطر عليها الطائفة العلوية الحاكمة، وهذا ادى الى تأجيج التوترات الطائفية التي بلغت ذروتها في الاضطرابات و اعمال العنف.
وقد وفر بحث جديد في “دورة الاكاديمية الوطنية للعلوم” معلومات حول كيف ان تغير المناخ زاد الجفاف في سوريا، والذي كان بدوره “التأثير المحفز” لنشوب اضطرابات مدنية.
ولكن يخشى باتريك الا تكون الأزمة في سوريا سوى مثال لما سيحدث في المستقبل. وقد لاحظ أنه بين عامي 2003 و 2009 ان حوض دجلة والفرات الذي يضم تركيا وسوريا والعراق وغرب إيران “فقد مياهه الجوفية بشكل أسرع من أي مكان آخر في العالم باستثناء شمال الهند “.وقد بنى ملاحظته هذه من خلال نقل النتائج التي توصلت إليها غرافيتي ريكوفري و كلايمت اكسبيريمنت(غريس) برعاية ناسا ومركز الفضاء الألماني.
وقد خسر ما مجموعه 117 مليون فدان قدم من المياه العذبة المخزنة بسبب انخفاض هطول الأمطار والإدارة السيئة للمياه, وإذا ما استمرينا بهذا الاتجاه “فان المشاكل سوف تزداد” في المنطقة.
تستهلك اليمن كمية من المياه بشكل أسرع بكثير من معدل حصولها عليه، ويلاحظ باتريك ان هذه المشكلة التي تم تحديدها من قبل العديد من الخبراء تلعب دورا رئيسيا في دفع عجلة الصراعات بين القبائل والطوائف المحلية.
كما تتعرض سوريا والعراق واليمن حاليا لعمليات عسكرية أمريكية متواصلة تحت عنوان محاربة الإرهابيين الإسلاميين، ولكن تشير دراسة جديدة ل AWWA أن السبب الغير مباشر لصعود الحركات المتطرفة الإسلامية هو أزمات المياه الإقليمية.
كما ادى تغير المناخ في هذه البلدان الى تدمير الزراعة المحلية، وزيادة التوترات في المجتمع, وتأجيج المظالم السياسية حيث تعتبر هذه الازمة الوصفه المثالية للتطرف حيث يتم تزويد المجاميع الاسلامية المتشددة بكميات ضخمة من الأموال من دول الخليج.
يشير خبير الارصاد الجوية الامريكية اريك هولوذست الى ان الصعود السريع “للدولة الإسلامية” (ISIS) في العام الماضي تزامن مع فترة حرارة غير مسبوقة في العراق حيث تعتبر بأنها الاشد سخونة على الاطلاق حتى الآن واستمرت من مارس حتى مايو 2014. ولعبت موجات الجفاف المتكررة والعواصف المطرية الثقيلة دورا في افساد الزراعة في العراق. مع تضاؤل إمدادات المياه، وانحسار الزراعة ، فشلت الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة و المدعومة من الولايات المتحدة في العراق إلى حد كبير في التصدي لهذه التحديات المتنامية، حتى عملت داعش بسرعة على استغلال هذه الإخفاقات، على سبيل المثال باستخدام السدود كسلاح في الحرب.
الاتجاه المتصاعد
ان نقص المياه لا يجعل الصراع أمرا لا مفر منه. في الوقت الذي لعبت فيه المياه دورا في صراعات إسرائيل مع جيرانها في الماضي، الا ان باتريك يقول أنه من خلال استخدام مزيج من أساليب الإدارة الفعالة للمياه وتقنيات تحلية المياه، تمكنت إسرائيل من التعاون بنجاح مع الأردن بشأن الموارد المائية المشتركة لسنوات عديدة.
بطبيعة الحال ما هذه الا صورة من جانب واحد. في الوقت الذي لا تحتاج فيه اسرائيل للمياه، حذرت الامم المتحدة ان غزة قد تتحول الى منطقه “غير صالحه للعيش” بسبب أزمة المياه المتفاقمة فيها, وتمتد جذور نقص المياه الجارية في جميع أنحاء الأراضي المحتلة الى السياسات التمييزية و سرقة الموارد من قبل القوات المحتلة، بما في ذلك خصخصة إسرائيل القسريه لإمدادات المياه الفلسطينيه.
وتظهر هذه الحالات المتباينة أنه من الناحية النظرية ان فعالية إدارة المياه وتوزيعها يمكن أن يقلل من الأزمات ويؤدي الى الاستمرار في تلبية الاحتياجات المحلية، الا ان سوء الإدارة الحكومية مع تفاوت القوى الإقليمية والسياسات القمعية يمكن اعتباره مقدمة لانهيار اجتماعي يقود الى صراع عنيف.
ان نتائج دراسة AWWA تم دعمها بالنتائج التي تم التوصل إليها من خلال الدراسات الحديثة الأخرى. واحد من هذه النتائج تم اخذها في كانون الثاني الجاري من الشؤون العالمية، تقول مجلة الرابطة الأوروبية للدراسات الدولية أن اهم أربع مناطق ساخنة في العالم والمليئة بالصراعات الكبرى – منطقة الساحل والشرق الأوسط وآسيا الوسطى والمناطق الساحلية في شرق و جنوب شرق آسيا – تعتبر غير مستقرة بشكل متزايد نظرا لمجموعة عوامل منها “نقص المياه ، فقدان الأراضي ، وانعدام الأمن الغذائي “. هذا البحث، والذي يدعو إلى دعم أوروبي أكبر في هذه المناطق للتخفيف من التدهور البيئي، تم تأليفه من قبل هارتموت بيرند، وهوعالم مناخ في وكالة الجيش الألماني عن المعلومات الجغرافية.
وفقا لروجر باتريك فان الصلة التكافلية بين الزراعة الحديثة واستهلاك المياه تشكل خطر عالمي كبير. ان استخدام المياه الجوفيه في الزراعه يعتبر العامل الرئيس وراء نقص المياه في الغالب, ولكن في معظم مناطق الغذاء الرئيسية في العالم، بما في ذلك وادي الوسط في ولاية كاليفورنيا، وشمال الصين ونهر الجانج الاعلى في الهند وباكستان فان “الطلب يفوق عوائد طبقات المياه الجوفية بها” فان ذلك اكبر بثلاث مرات ونصف حسب بعض التقديرات.
بحلول عام 2035، من المتوقع زيادة الاستهلاك العالمي للمياه بنسبة 85٪. وهذا النمو لا يعزى الى التوسع الزراعي فقط ، ولكنه سيعزى ايضا لزيادة الطلب على الطاقة مثل الوقود الحيوي وخاصة المياه المكثفة حيث ان التكسير الهيدروليكي الغير تقليدي للنفط والغاز يستخدم أيضا كميات كبيرة من المياه.
أن الحاجة إلى المياه “تقوم بتقييد إنتاج طاقة من هذا القبيل في أماكن مثل استراليا، بلغاريا، كندا، فرنسا، والولايات المتحدة” في مناطق المياه الشحيحة من الصين والهند والولايات المتحدة، فضلا عن كندا والعراق، فان هذا يهدد و بجدية توليد الطاقة على المدى الطويل كما أنه يثير مسألة ما إذا كان العالم المتقدم يمتلك المرونة الكافية لتجنب هذا النوع من عدم الاستقرار التي تعاني منها الآن مساحات واسعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتشير دراسة علمية أخرى نشرت هذا الشهر في العلوم البيئية الى ان أبحاث المياه والتكنولوجيا التي نشرتها الجمعية الملكية للكيمياء تشير الى أنه نظرا لاعتمادنا على الوقود المستخرج عن طريق المياه ومصادر الطاقة النووية، فان الطلب على المياه عالميا سوف يستمر بالزيادة جنبا إلى جنب مع النمو السكاني. ومن المفارقات، ان التوسع في هذه المصادر التقليدية للطاقة ، من خلال تصعيد الطلب على المياه، سوف يؤدي الى تهديد آفاق توليد الطاقة الكهربائية المستقرة. ووجدت الدراسة ان الطريقة الأكثر فعالية لمواجهة هذا التحدي، هو التحول إلى ” طاقة الرياح،و الطاقه الضوئية الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية “.
المشاكل العالمية الأولى
على الرغم من أن المناطق الغير متقدمة تعتبر الأكثر عرضة لآثار نقص المياه الناجمة عن تغير المناخ، الا ان الدول الغربية الغنية والدول الاقتصادية الناشئه بدأت تشعر بخطر نقص المياه.
وتظهر دراسه الAWWA ان الجفاف الذي ضرب ولاية كاليفورنيا لمدة 15 عاما كان مصحوبا باستنزاف 41 فدان قدم من المياه الجوفية و 12 مليون فدان قدم من المياه السطحية. وعندما تجف المياه الجوفية فان ذاك سيؤدي الى انهيار الزراعه في الولايات المتحدة،كما ان البداية المحتملة لظاهرة “النينو” قد تؤدي إلى عودة الأمطار التي يمكنها التخفيف من حدة هذه المشكلة، مؤقتا على الأقل، ولكن على الرغم من ذلك، فإن المشكلة تبدو مظلمه على المدى الطويل.
وهذا لا ينطبق على الولايات المتحدة والهند وباكستان حيث ان مجموع ضخ المياه في أعالي حوض نهر الغانج هو 54 ضعف مساحة طبقة المياه الجوفية نفسها. في الهند، احدى الاقتصادات الناشئه وواحدة من القوى الإقليمية الكبرى فإن 60٪ من المياه الجوفية في البلاد ستكون في “حالة حرجة” في عقدين من الزمن فقط بمعدلات الاستهلاك الحالية ويمكن أن يحدث هذا قبل ذلك بكثير اذا اخذنا بنظر الاعتبار زيادة الاستهلاك المرتبط بالنمو الاقتصادي والديموغرافي وهذا لا يهدد التماسك الاجتماعي الداخلي في كل من الهند وباكستان وحده، وكلاهما يواجه بالفعل توترات عرقية ودينية، ولكن يمكن ان يهدد العلاقات الدبلوماسية المتوترة بينهما.
وفقا لدراسة AWWA فان الصين تواجه أيضا أزمة مياه خطيرة، على الرغم من أن نصف سكانها وثلثي أراضيها الزراعية تقع في الشمال، الا ان 80٪ من المياه في البلاد متمركزه في الجنوب, وان 70٪ من المياه الجوفية في الشمال لا يمكن للبشر الوصول اليها، ناهيك عن استخدامها في الزراعة أو الصناعة وعلى الرغم من ذلك يتم إنتاج نصف الاستهلاك المحلي للبلاد من القمح في الشمال في خمس سنوات فقط، سيتم تشريد ما يقرب من 30 مليون شخص في الصين بسبب الشحة المائيه.
ويعتقد محللون أن نقص المياه الإقليمية يمكن أن يزيد من خطر الصراع بين الهند والصين. كذلك في الولايات المتحدة يتشارك في حوض نهر كولورادو الذي يعاني من الجفاف سبع ولايات وان التنافس المكسيكي للسيطرة على المياه يعتبر سياسيا إلى حد كبير في الوقت الراهن ولكن هذا قد يتغير.
في عام 2008 اقترح تقرير صادر عن معهد الدراسات الاستراتيجية التابعة للكلية الحربية الأمريكية أن على الجيش الأمريكي الاستعداد الى”تفكك استراتيجي عنيف داخل الولايات المتحدة” بسبب فقدان النظام السياسي والقانوني الناشئ من الصدمات البيئية و الاقتصادية او لتغير مصادر الطاقة
نافيز أحمد هو دكتور وصحفي تحقيقات وعالم أمن دولي ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعا والذي يتابع ما يسميه “أزمة الحضارة”. والحائز على جائزة أفضل مشروع للرقابة الصحفية الاستقصائية للجارديان وقد كتب أيضا للاندبندنت و سيدني مورنينغ هيرالد ، والسكوتسمان، وفورن بولسي . وتم ربط عمله على الأسباب الجذرية والعمليات السرية للإرهاب الدولي رسميا في لجنة 9/11 .
رابط المصدر :
http://www.middleeasteye.net/columns/new-age-water-wars-portends-bleak-future-804130903