back to top
المزيد

    اللعبة الكبرى بين تركيا ومصر في الشرق الأوسط

    سونر كاجابتاي ومارك سيفرز-مجلة فورين أفيرز

    ساحة النفوذ الإقليمي تتعطل

    لقد قامت الفوضى في الشرق الأوسط باختبار العديد من العلاقات الإقليمية، و احدها هي العلاقة بين مصر وتركيا, بعد وقت قصير من سقوط حسني مبارك في عام 2011، أصبحت تركيا أحد المؤيدين الإقليمين لرئيس مصر الجديد, محمد مرسي، والذي اقيل منصبه في عام 2013، تغيرت العلاقة بين مصر وتركيا مع استلام الجنرال عبد الفتاح السيسي للسلطة في مصر,  سرعان ما اصبحت تركيا احد المنافسين الرئيسين لمصر في ما يتعلق ببلاد الشام.

    في آب أغسطس 2013، طلبت تركيا من مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات على السيسي, وفي العام التالي، ضغطت مصر علنا ​​ضد ترشيح تركيا للحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي, كما صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقناة الجزيرة أن حكومته “لا تقبل بنظام [السيسي] ا الذي قام بانقلاب عسكري.” كما قام بدعوة السيسي “بالطاغية غير الشرعي.”

    إن العلاقات بين مصر وتركيا تدهورت خصوصا في أعقاب قرار مصر بشن ضربات جوية ضد أهداف داعش في درنة  الليبية في 16 شباط فبراير, ولقد قامت الحكومة الليبية والجيش في طبرق المعترف بهما دوليا بدعم هذه الخطوة، ولكن الفصائل الاخرى, وخصوصا الاسلامية منها المنطوية تحت اسم المؤتمر الوطني العام  (NGNC) و التي اتخذت من طرابلس عاصمة لها عارضت هذا القرار بشدة. وقد اعطيت تركيا NGNC  قدر من الدعم الدبلوماسي من خلال عدم الاعتراف بالحكومة الليبية الرسمية. من جانبها، أدانت أنقرة الضربات الجوية، قائلة “ان هذه الهجمات تعمق المشاكل القائمة في ليبيا وتؤجج الصراع الداخلي وتعرقل الجهود الرامية إلى حل الأزمة من خلال الوسائل السلمية.” وفي الوقت نفسه لم تقم الولايات المتحدة باي رد فعل تجاه الضربات الجوية المصرية.

    على المدى القريب، يبدو أنه من المرجح أن التنافس الإقليمي بين مصر وتركيا سوف يؤدي إلى تفاقم الحرب الأهلية الليبية, وعلاوة على ذلك فان هذا قد يرمي المنطقة بأسرها في الفوضى.

    مرارة الاصدقاء الاعداء

    تعد مصر وتركيا من أكبر الدول ذات الأغلبية المسلمة في شرق البحر الأبيض المتوسط, كلاهما يرون أنفسهم من القوى الإقليمية، والآن، يعتبرون انفسهم قادة للإسلام السني, والتوترات بينهما تعود إلى أيام الإمبراطورية العثمانية حيث كانت مصر ولاية عثمانية حتى عام 1867 عندما أصبحت شبه مستقلة.

    واجه العثمانيون صعوبة دائمة في السيطرة على مصر, على الرغم من أنها اديرت من قبل حاكم معين من اسطنبول يدفع الضرائب للسلاطين، وتمتعت البلاد الواقعة على طول وادي النيل بالحكم الذاتي بالنسبة للحكم العثماني, واسترجعت مصر الكثير من السلطة  في القرن التاسع عشر، حتى أنهم حاولوا الاستيلاء على الإمبراطورية العثمانية. في 1883، تحت قيادة محمد علي باشا، الحاكم المصري العثماني الألباني المولد، وابنه، قائد الجيش، احتلت القوة المصرية فلسطين وسوريا وهددت بأسقاط السلطان العثماني. في الواقع، اخترق إبراهيم باشا عمق الأناضول، ووصل إلى مدينة كوتاهية التي تبعد 200 ميل عن اسطنبول.         وإن تدخل المملكة المتحدة وفرنسا حفظ عرش السلطان وادى الى احتواء التهديد المصري (على الرغم من أن أحفاد محمد علي أصبحوا العائلة المالكة في مصر).

    بعد الانتفاضة، أصبح البريطانيون اللاعبين المهيمنين في مصر, وقد اقتطعت مصر في نهاية المطاف من الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى مع انهيار الإمبراطورية العثمانية، حيث كانت انظار الجمهورية التركية غربا إلى أوروبا وبحر إيجة، وليس شرقا إلى مصر و العالم العربي، وهكذا ذهب كلا البلدين  في سبيله. ولجأ العديد من خصوم كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، بما في ذلك الشاعر محمد عاكف آرصوي، إلى مصر هربا من إصلاحات أتاتورك العلمانية, و تحولت القاهرة إلى مركز للأنشطة المعادية لتركيا في فترة ما بين الحرب العالمية الاولى والثانية.

    وبعد الإطاحة بالنظام الملكي في مصر في عام 1953 توترت العلاقات بين تركيا و مصر أكثر, والاطاحة بالملك فاروق والنخبة العثمانية التركية التي لا تزال تدير البلاد اغضبت أنقرة, وعندما قام حاكم مصر الجديد، جمال عبد الناصر، بالانحياز إلى السوفييت في الحرب الباردة، تعمقت الهوة بين أنقرة والقاهرة, بينما  دخلت انقرة في حلف شمال الأطلسي في العام السابق وأخذت دورها كركيزة للقوة الغربية في الشرق الأوسط.

    وفي السبعينيات، اصبحت مصر موالية للولايات المتحدة في عهد الرئيس أنور السادات, وفي الثمانينيات قدمت تركيا محوراَ موالياَ للشرق الأوسط تحت قيادة رئيس الوزراء تورغوت أوزال, ولكن بدلا من تسهيل العلاقات بين البلدين، تطورت العلاقة الى منافسة على الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط ​​,على سبيل المثال، اصيبت تركيا بخيبة أمل حين لم تدعم مصر أنقرة بشأن القضايا في قبرص، والقاهرة من جانبها، كانت مستاءة من الشراكة التركية الوثيقة مع اسرائيل، والتي تفوقت على العلاقات المصرية الإسرائيلية.

    التهدئة

    واستمرت المنافسة الودية حتى نهاية الحرب الباردة, ثم جاء أردوغان, الذي قام بأطلاق سياسة مولاية للشرق الاوسط عندما تولى حزبه حزب العدالة والتنمية  (AKP) السلطة في أنقرة في عام 2002 ، وتخلت عن التوجه المؤيد لأوروبا الذي نهجه أتاتورك. أنقرة سجلت نفسها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كما بنت علاقات مع مختلف الأطراف من الاخوان المسلمين في الشرق الأوسط، من حماس إلى جماعة الإخوان نفسها في ليبيا ومصر, مبارك حاكم مصر في ذلك الوقت، نظر الى نشاط أنقرة في الشرق الأوسط على أنه مشكلة، واعتبره تهديدا لهيبة مصر في المنطقة، فضلا عن التدخل في السياسة الداخلية لمصر.

    لكن من الناحية الاقتصادية شهدت العلاقة ازدهاراَ بين عامي 2002 و 2013،حيث ارتفع حجم التجارة بين مصر وتركيا من (301) مليون دولار إلى 5 مليار دولار, قامت الخطوط الجوية التركية، الناقل الرئيس في تركيا، بإضافة الإسكندرية والغردقة وشرم الشيخ إلى قائمة رحلاتها المباشرة من اسطنبول.

    وتعززت العلاقات بين البلدين عندما استقال مبارك عند مواجهة احتجاجات واسعة في شباط فبراير 2011,وقدم أردوغان تركيا كنموذج للديمقراطية الإسلامية الحديثة عندما زار القاهرة في ايلول سبتمبر 2011 حيث استقبلته الحشود المصرية كبطل, ووضعت لوحات كبيرة تضم وجه أردوغان على الطريق السريع من مطار القاهرة إلى منطقة وسط المدينة, وأشارت الصحف المصرية في ذلك الوقت الى أن التحالف الجديد مع تركيا من شأنه أن يضع ضغوطا على إسرائيل، و ابدى أردوغان رغبته في أنه يفكر في زيارة غزة في إشارة إلى الدعم التركي لحماس بقدر ولسكان غزة على حد سواء.

    في النهاية، لم تحدث اي زيارة لغزة  بسبب معارضة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم آنذاك في مصر. على الرغم من أن التعليق الذي يحث فيه أردوغان المصريين على تبني العلمانية التركية ولد انتقادات كبيرة بين الإسلاميين المصريين، لكن نداء أردوغان للمصريين وحثهم للبحث عن نهج جديد للسياسة ظل قويا, وقد اضاف النجاح الاقتصادي في تركيا المزيد من الدعم لكلام اوردوغان على الرغم من أعداد السكان في مصر وتركيا متماثل تقريبا، في مصر تقدر اعداد السكان بحوالي 88 مليون نسمة وفي تركيا بحوالي 78 مليون نسمة ، إلا أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في تركيا حوالي (18500) دولار بينما في مصر فانه يقدر بحوالي (3800)دولار.

    الانتفاضة العربية

    بحلول تشرين الثاني نوفمبر عام 2013 كانت العلاقة التركية المصرية في حالة يرثى لها، حيث استدعت وزارة الخارجية المصرية السفير التركي مرة واحدة  لإبلاغه بأن لديه 48 ساعة لمغادرة البلاد، ويعود الصعود والهبوط المفاجئ للعلاقة المصرية-التركية الى دعم أردوغان لجماعة الإخوان المسلمين المعارضة الشديدة للحكم العسكري.

    تولى مرسي، وهو عضو بارز في مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين، منصب رئاسة مصر في يونيو 2012, وسارع مرسي  للحصول على الدعم التركي لكسب دعمهم لمبادرته للسياسة الخارجية ، وادى هذا الى خلق مجموعة إقليمية تركز على الأزمة السورية, وشملت هذا المجموعة  تركيا وإيران و المملكة العربية السعودية فضلاَ عن مصر, تعرقل انشاء المجموعة لرفض السعودية التعامل مع الايرانيين، ولكن مرسي احتفظ بدعم تركي قوي, زار أردوغان القاهرة للمرة الثانية في نوفمبر تشرين الثاني عام 2012، مصحوبا بوفد كبير من الحكومة ومن القطاع الخاص, وألقى كلمة في جامعة القاهرة حيث أشاد بقرار مرسي بسحب السفير المصري من إسرائيل نتيجة للغارات الجوية الاسرائيلية على قطاع غزة، وقال ايضا أن التحالف المصري التركي من شأنه أن يضمن السلام والاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط، مما يعني أن مثل هذا التحالف من شأنه أن يقيد قدرة اسرائيل على استخدام القوة. وأشاد أردوغان بالناشطين المصريين الشباب لإسقاطهم “الدكتاتور” مبارك ,وأعلن أن “مصر وتركيا يد واحدة”، حيث لعب على شعار روج له من قبل الجيش المصري وهو أن “الجيش والشعب يد واحدة”.

    إن طموحات أردوغان لخلق شراكة استراتيجية مع مصر، تكون فيها تركيا الشريك الرئيس, قلت خصوصا عندما بدأ مرسي يفقد زمام الامور في مصر . وبعد وقت قصير من خطاب ردوغان في جامعة القاهرة، أصدر مرسي “الإعلان الدستوري” الذي منح فيه الحصانة القضائية لسلطاته التنفيذية ومن ثم صدم الناس من خلال اعلانه عن صياغة دستور جديد يكتب من قبل الإسلاميين. تزايدت المظاهرات المعادية لمرسي وللإخوان للمسلمين في القاهرة وانتشرت مظاهر العنف, وانهارت محاولات الحوار بين مرسي والأحزاب السياسية الاخرى. وبحلول ربيع عام 2013، بدأت حركة التمرد ضد مرسي عن طريق تنظيم احتجاجات حاشدة في 30 يونيو وهي ذكرى مرور السنة الاولى لحكم مرسي., كما نشرت تقارير تفيد بأن مرسي حاول إزالة السيسي من منصبه كوزير للدفاع، أصدرت القيادة العسكرية في مصر تحذيرات من أن الجيش قد يضطر الى التدخل “لمنع مصر من الدخول في نفق مظلم”.

    وفي الوقت نفسه، جهود الدول  الغربية والدولة التركية لمساعدة مرسي الى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي باءت بالفشل، واعلن مرسي عن عدم اكمال التدابير الإصلاحية  بعد ساعات قليلة من اعلان مكتبه عنها. عرضت تركيا صفقات تجارية ميسرة مع مصر للترويج للاستثمار التركي متمثلا بالقطاع الخاص، ولكن إدارة مرسي ظهرت مشلولة اكثر يوما بعد يوم. ومع اقتراب احتجاجات 30 حزيران أرسل أردوغان رئيس المخابرات الوطنية في تركيا، هاكان فيدان، لزيارة مرسي. واشارت تقارير وسائل الإعلام المصرية والتركية أن مهمة فيدان كانت لتحذير مرسي من انقلاب وشيك، وربما حتى مناقشة كيفية منعه. أيا كان المضمون الحقيقي لهذه الزيارة، فان الجيش المصري وحلفاءه من المدنيين نظروا إليها على أنها دليل نهائي لتعاون اردوغان مع مرسي والإخوان المسلمين.

    في 3 تموز يوليو 2013، أعلن السيسي أن الجيش قد أزال مرسي من السلطة من أجل “إنقاذ” مصر من شبح الحرب الأهلية. وانتهت علاقة تركيا مع القيادة المصرية. وأشار أردوغان إلى السيسي ب “الطاغية” واتهم الحكومة المصرية المؤقتة بممارسة “إرهاب الدولة”. أنقرة، وفي الوقت نفسه، سمحت للمؤيدين للإخوان المسلمين ولمحطات التلفزيون المضادة للسيسي بالعمل انطلاقا من تركيا.

    وردت وسائل الإعلام المصرية، واتهمت تركيا بدعم الحملة الإرهابية ضد أجهزة الأمن المصرية والتي اندلعت في شبه جزيرة سيناء بعد إزالة الجيش لمرسي ​​عن السلطة. سفير تركيا في القاهرة، حسين عوني بوتسالي، انتقل من احتضان مختلف أطياف السياسة المصرية لمواجهة المظاهرات المناهضة لتركية على أبواب مقر إقامته. تركيا ومصر ألغت خططا لا جراء مناورات بحرية مشتركة في شرق البحر الأبيض المتوسط وامرت وزارة الخارجية المصرية بوتسالي  لمغادرة البلاد في نوفمبر تشرين الثاني عام 2013.

    ومنذ ذلك الحين، أصبحت السياسة الإقليمية أكثر عنفا بكثير. وفي صيف عام 2014، اندلعت الحرب في غزة حيث تسابق وزير الخارجية الامريكية جون كيري للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وعرضت تركيا (وقطر) ومصر خططا للسلام. كما قام المسؤولون المصريون بتقديم شكوى إلى نظرائهم الأمريكيين ضد تركيا وقطر واتهامهم بانهم يسعون عمدا لاستخدام غزة لتقويض المصالح المصرية.

    ثم قامت مصر والإمارات العربية المتحدة بدعم حملة خليفة حفتر في ليبيا ضد الميليشيات الاسلامية التي قيل انها مدعومة من قبل تركيا. في نوفمبر تشرين الثاني عام 2014، لعب سيسي ببطاقة قبرص، وعقد قمة ثلاثية مع رؤساء قبرص واليونان للترويج لصفقة تزويد الغاز الطبيعي من قبرص إلى مصر عبر حقول تحت البحر قبالة سواحل قبرص. وكان السيسي يسعى بالتأكيد إلى تحدي السلطة التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

    الدم السيئ

    ما وراء الجيوسياسية، هناك القضايا الشخصية التي تلعب دورا في هذه اللعبة. في صيف عام 2013، واجه أردوغان انتفاضة شعبية في تركيا وحركة جيزاي بارك الليبرالية مماثلة للاستياءات الشعبية التي اطاحت بمرسي .و رد الزعيم التركي على الاحتجاجات بحملة قمع عنيفة. أردوغان هو الزعيم الأقوى في تركيا منذ أصبحت البلاد دولة ديمقراطية متعددة الأحزاب في عام 1950. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الزعيم التركي يخاف من ان ما حدث لمرسي ​​يمكن أن يحدث له. طالما أن أردوغان غير قادر على التأقلم مع الواقع الجديد في السياسة المصرية، فان عجلة العلاقات التركية المصرية لن تدور قريبا.

    وفي الوقت نفسه، يرى السيسي أردوغان كمنافس له في شؤون المشرق العربي، والأهم من ذلك، في السياسة. فاز اردغان بأربعة انتخابات متتالية، ثلاثة برلمانية وواحدة رئاسية وأظهر نفسه على انه المثال الافضل للسياسة الإسلامية في الشرق الأوسط. يرى السيسي أن نجاح اردوغان هو تجسيد لخصومه السياسيين. هذا يشير إلى أن العلاقات التركية المصرية لن تتعافى في المستقبل القريب، طالما ان أردوغان والسيسي يتربعون على السلطة. في الواقع، أن التنافس الاقليمي بين الدولتين يمكن أن يزيد  الصراعات الاقليمية.

    رابط المصدر:

    Turkey and Egypt’s Great Game in the Middle East