باتريك كوكبرن – مجلة كاونتر بانج الامريكية
قد يهرب مليون شخص من الموصل في شمال العراق ، إذا حاول الجيش العراقي المدعوم بالغارات الجوية الأمريكية استعادة المدينة في وقت لاحق من هذا العام، وفقاً لوكالات المساعدات الانسانية ،والتي تستعد لتحضير مخزونات من المواد الغذائية في مواقع حول مدينة الموصل ؛ لتغذية الذين قد يُجبرون على النزوح الجماعي منها .
مروة عوض المتحدثة باسم برنامج الأمم المتحدة العالمي للأغذية في أربيل عاصمة اقليم كردستان- 50 ميلاً شرق الموصل- قالت: “إننا نتوقع مغادرة مئات الآلاف من الناس في الموصل، إن لم يكن أكثر”، وأضافت : أن أعداد الفارين من معركة مدينة الموصل الوشيكة خلال الأشهر القليلة المقبلة يمكن أن تبلغ المليون شخص . ويبلغ العدد الحالي لسكان المدينة التي استولت عليها الدولة الإسلامية في 10 تموز من العام الماضي بحوالي 1.5 مليون نسمة، ويشكل العرب السنة الغالبية العظمى منهم.
وأصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيانا حذرت فيه من النزوح الجماعي من الموصل، لكن من دون اعطاء تقدير للعدد المحتمل. وحذرت اللجنة الدولية من “إن توسيع نطاق الصراع إلى المناطق المأهولة بالسكان على طول نهري دجلة والفرات خلق احتياجات إنسانية أكثر”, واضافت : “اذا تعرضت المدن الكبرى مثل الموصل لعمليات عسكرية مرة أخرى، فإن الآلاف من الناس سيفرون”.
سيد جعفر حسين ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق، يقول : أن محاولة استعادة الموصل يمكن أن تؤدي إلى لجوء مئات الآلاف إلى كردستان، نزوح يمكن أن يبدأ في وقت تصبح فيه داعش غير قادرة على منع الناس من مغادرة الموصل، وفي وقت تزيد فيه الولايات المتحدة من عدد ضرباتها الجوية.
وتراود الشكوك المتابعين بشأن قدرة الجيش العراقي على استعادة المدينة، ولكن حتى مجرد محاولة القيام بذلك قد تؤدي إلى النزوح الجماعي. القيادة المركزية الامريكية قالت – في وقت سابق من هذا الشهر: إن هجوم استعادة السيطرة على المدينة سيبدأ في نيسان أو أيار وسيشمل (25,000) جندي عراقي، على الرغم من أن الموعد الدقيق سيتوقف على مدى استعداد القوات للقتال.
وقالت مؤسسة برنامج الاغذية العالمية : “نقوم الآن بخزن المواد الغذائية “, وسوف تُجمع هذه المخزونات في المدن الثلاث الرئيسة لحكومة إقليم كردستان – أربيل و دهوك والسليمانية – وأيضا في كركوك التي هي تحت السيطرة الكردية ولكن خارج إقليم كردستان.
ومشكلة واحدة تواجه العرب السنة في الموصل ،وهي أنهم ممنوعون حالياً من دخول إقليم كردستان، التي سمحت بالفعل بلجوء 1.4 مليون شخص إليها بسبب القتال في العراق وسوريا. وتأمل وكالات المساعدات أنه في حالة حدوث هجرة جماعية من الموصل، أن تغير سلطات حكومة إقليم كردستان رأيها وتسمح للنازحين بالدخول إلى أراضيها. إذا لم يفعلوا ذلك، فمن المحتمل أن يتوجه النازحون من مدينة الموصل إلى كركوك. قبل هجوم داعش على كركوك نهاية شهر كانون الثاني، كان طريق كركوك الموصل مفتوحاً للقادمين من الموصل. ويغذي برنامج الاغذية العالمي حاليا (80,000) شخص في منطقة كركوك.
السكان العرب السنة في الموصل لديهم دوافع قوية للهروب عند قيام أي معركة في مدينتهم. والجيش العراقي ذو الأغلبية الشيعية سيطر على الموصل لعشرة أعوام حتى عام 2014، وهي الفترة التي تصرف فيها الجيش كقوة احتلال أجنبية مما ولَّد استياءً واسعاً من قبل العرب السنة. لذا رحب السنة هناك ، وعلى نطاق واسع بانتصار داعش وانهيار الجيش العراقي.
والسكان العرب السنة يخشون أيضاً من قوات الميليشيات الشيعية الطائفية التي يبلغ عددها نحو (120,000) رجل، الذين سيشاركون في أي هجوم على الموصل. إذ استولوا على البلدات والقرى السنية حول بغداد في الماضي، وتعاملوا مع الذين لم يفروا كمتعاطفين مع داعش، بغض النظر عن ولائهم الفعلي، إن وجد. وتم اعتقال الشباب السنة، وتعذيبهم، واحتجازهم مقابل دفع فدية أو قتلهم. والسكان السنة في الموصل يظنون أن الشيء نفسه يمكن أن يحدث لهم.
حتى لو لم تسقط الموصل بيد الجيش العراقي، فإن البيشمركة الكردية أو غيرها من قوات مكافحة داعش، ستحاول استعادة المدينة مسنودة بدعم الضربات الجوية الثقيلة للولايات المتحدة. وفي أثناء حصار كوباني -البلدة الكردية السورية- لأربعة أشهر، تم تدمير جزء كبير من المدينة بقنابل أمريكية استهدفت عناصر داعش. وبصرف النظر عن الضحايا المدنيين، فإن أي هجوم جوي سيخفض من الإمدادات -المحدودة أصلا- من الكهرباء والوقود والمياه النظيفة في الموصل. وكثير من الناس في المستشفيات يعانون من أمراض معوية ناجمة عن شرب المياه القذرة.
وقالت مروة عوض المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمية: إن أي خروج من الموصل سيكون الاحدث في سلسلة نزوح 2.2 مليون شخص من منازلهم منذ كانون الثاني عام 2014. في ذلك الشهر الذي استولت فيه داعش على مدينة الفلوجة على بعد 40 ميلا إلى الغرب من بغداد، وبدأت حرب طويلة مع الجيش العراقي في محافظة سنية واسعة مثل محافظة الانبار التي تمتد عبر ثلث غرب العراق, ويسيطر الجهاديون الآن على 85% من المحافظة.
كانت هذه الحرب في الانبار في النصف الأول من عام 2014، التي سببت الموجة الأولى من (450,000) لاجئ ، بحثاً عن الأمان في أماكن أخرى من العراق. وفي حزيران، استولت داعش على الموصل وعلى جزء كبير من شمال العراق خارج المناطق الكردية مما سبب بنزوح (500,000) لاجئ آخر. وسبب أيضاً هجوم داعش الموجه ضد الأكراد في شهر آب بنزوح (600,000) نازح آخر، غالبيتهم من الايزيديين من مدينة سنجار غرب الموصل، والذين أُصيبوا بالرعب من مجازر داعش ولقيامها بعمليات الاغتصاب والاستبعاد.
والمسيحيون الذين اضطروا للخروج من مدينة الموصل في شهري حزيران وتموز، حيث شهدت بلدات وقرى سهل نينوى حول الموصل حصاراً، أجبرهم على الفرار إلى كردستان. ومنذ شهر آب نزح أكثر من (650,000) شخص بسبب القتال، معظمهم في محافظات حول بغداد.
ومن غير المرجح أن تتخلى داعش عن الموصل من دون قتال حتى الموت، الحركة الجهادية المتطرفة في العام الماضي لم تكن تتوقع أن تستولي على المدينة، ثم تُعلن فيها الخلافة في 29 حزيران. أن خسارتها للمدينة يشكل ضربة مدمرة لهيبتها ولشعورها بأن انتصاراتها كانت من وحي إلهي. حتى في كوباني حيث كانت قوات داعش في مواقع تكتيكية فقيرة, ظلت تقاوم المقاتلين الكرد السوريين المعروفين بعزيمتهم وانضباطهم، وكانوا قادرين على المقاومة لثلاثة أشهر على الرغم من تلقيهم لـ700 ضربة جوية أمريكية.
بينما أُجبرت الطوائف العراقية جميعها على الفرار في وقت واحد أو في وقت آخر، فإن السنة ليس لديهم مكان آمن يذهبون إليه. ومع أن الحكومتين العراقية والأمريكية منذ حزيران الماضي عملت على تقسيم الطائفة السنية لتحويل جزء منها ضد داعش، كما نجحت الولايات المتحدة في ذلك في عامي (2006 – 2007), إلا أن داعش تعاقب بلا رحمة أي سني يُشتبه به أنه يتعامل مع معارضيها. ونتيجة لذلك صار هناك عدد قليل جدا من دلائل المقاومة العلنية ضد داعش في الموصل ،أو في أي مكان آخر على الأراضي التي تحتلها داعش. وقال أحد المراقبين الكرد والذي لم يشأ الكشف عن أسمه :”نحن لا نرى الاغتيالات والتفجيرات اليومية التي كانت تحدث عندما كان الأمريكيون أو الجيش العراقي في وقت سابق يسيطرون على الموصل. وزعماء السنة خارج المدينة يبالغون ،أو حتى يخترعون وجود دعم لهم”.
وحشية الصراع الطائفي والعرقي في العراق هي الآن من النوع الذي لا يشعر فيه المجتمع بالأمان في ظل حكم الطرف الآخر، لذا فضلوا النزول الى الطرق في محاولة للبقاء على قيد الحياة.
باتريك كوكبرن صحفي وكاتب بريطاني, مؤلف كتاب (عودة الجهاديين: داعش والانتفاضة السنيّة الجديدة)
رابط المصدر: