جيسي روزنفيلد -موقع ديلي بيست الامريكي
اندلاع القتال بين الأكراد والميليشيات الشيعية سيهدد بتفجيراطراف كركوك حيث تتواجد حقول النفط القريبة منهم بينما داعش تراقب وتترقب.
(كركوك – العراق): التوتر في مدينة كركوك ذات التاريخ القديم يهدد بانزلاق البلاد بعد تحرك القوات الكردية وتحويلها لخطوط معركتها مع داعش إلى حدود لدولتها الكردية, فالمدينة تقليديا فيها مزيج من الاعراق والمذاهب العراقية الرئيسية من الاكراد والتركمان (كثير منهم من الشيعة) والعرب الشيعة والعرب السنة, ولكن المحافظة الغنية بالنفط والغاز الطبيعي الذي يراه الأكراد منطقة اساسية لخطط تحقيق الاستقلال الاقتصادي خاصة منذ ان وقعت حكومة اقليم كردستان اتفاق نفطي كبير مع تركيا, لاينوون مشاركة الآخرين فيها وبنفس الوقت تتزايد الأعمال العدائية تجاه العرب الشيعة بشكل خطير.
على الرغم من ان داعش او ما تسمى بالدولة الإسلامية هي عملياً على اعتاب المدينة، فان مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق عارض تسليح السكان العرب والتركمان في المدينة منذ ان استولت القوات الكردية على المنطقة من الحكومة العراقية في الصيف الماضي وجاء التقدم الكردي بعد ان استولت داعش على مدينة تكريت التي تقع إلى الجنوب بين كركوك وبغداد.
ففي مقابلة حديثة مع صحيفة الحياة العربية والتي مقرها لندن, قال بارزاني “لن نسمح لأي قوات بالدخول الى كركوك” في رسالة موجهة بشكل واضح الى الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران.
الانقسام المتزايد بين الميليشيات الشيعية والقوات الكردية يهدد بتحويل الانقسام إلى صراع مسلح مفتوح وهو ما اراد جهاديو داعش استغلاله بدهاء في الماضي من اجل الانتقال الى المناطق ذات السلطة الفارغة التي سببتها الفساد والاقتتال بين الفرقاء ليبنوا الإمبراطورية التي انبثقت منها دولتهم في العراق وسوريا وكركوك مع ما لديها من نفط ستكون الجائزة الكبرى.
واليوم ترفرف أعلام داعش على بعد بضعة مئات من الأمتار عن القوات الكردية على خط جبهة متوترة ونشطة بالقرب من قرية (ماتارا) على نهر الزاب الصغير على بعد 20 كيلومترا من مدخل كركوك على ارض مسطحة حيث تمتد المناظر الطبيعية المتربة التي تتخللها في بعض الأحيان الحقول الخضراء، هناك يتجمع مزيج من الوحدات الكردية في قوات الحكومة العراقية وجنود البيشمركة من حكومة إقليم كردستان ومقاتلوا حزب العمال الكردستاني (الذين يعتبرون إرهابيين في تركيا ولكنهم يقاتلون الى جانب حلفاء الولايات المتحدة في العراق وسوريا) على مواقع بالقرب من ضفاف النهر.
الطريق الذي يلي حدود “الأمر الواقع” هذا, هو ضمن نيران قناصة داعش اما العديد من القرى الواقعة على طول الطريق السريع فانها ترفع بفخر رايات الشيعة مع لوحات صور لرجل الدين مقتدى الصدر وهادي العامري قائد منظمة بدر التي تدعمها إيران, والأعلام العراقية والدينية ترفع على أبراج المراقبة التابعة للميليشيات الشيعية عند مدخل البلدات لذا فان أي صراع بين الشيعة والأكراد هنا ستكون دعوة لداعش كي تتقدم.
الوضع المضطرب وصل الى درجة أن (عقيد كالاري) وهو قائد محلي لحزب العمال الكردستاني ندد بعبارات قاطعة عن تأكيدات بارزاني بالتحذير من الشيعة “هذا التصريح سيزيد من الانقسام فقط وما نحتاجه هي الوحدة لمحاربة داعش” حسبما قال زعيم حرب العصابات وهو يجلس بجوار بندقية (ام 16) تحت العلم الأصفر التي تحمل صورة الزعيم المسجون عبد الله أوجلان.
مقاتلو كالاري في قاعدة هناك يشاركون المواقع مع وحدة كردية من قوات الحكومة العراقية على بعد 500 متر فقط من الزاب حيث كانوا القوة الاساسية في تأخير تقدم قوات داعش القمعية الدموية خلال الأشهر السبعة الماضية, وفيما أكد كالاري أن النهر الذي يفصل قواته عن داعش هي حدود جيدة للهيمنة الكردية لكنه رأى أن افتعال اشتباك مع الميليشيات الشيعية قد يشكل خطرا على خطط الطموحات الكردية في المستقبل وقال بشكل قاطع ان “مثل هذه التصريحات لا تساعد الأكراد الآن”.
الشعور بالانقسام وعدم الاستقرار يسود كل مكان داخل مدينة كركوك والقوات الكردية قد حلت محل الحكومة العراقية في كثير من القواعد العسكرية ومراكز الشرطة وعند نقاط التفتيش في جميع أنحاء المدينة حيث يقف الجنود على الاطراف, بينما صارت تفجيرات داعش أمر متكرر الحدوث, وعلى الرغم من أن كركوك هي المدينة الأكثر تنوعا في العراق الا أنها معزولة بشكل لا يصدق ويتزايد فيها الاستقطاب بشكل كبير.
عندما تقوم داعش بتوجيه ضربات ينتاب الذعر للمجتمعات العربية السنية في المدينة لانها لا تخشى الجهاديين المتوحشين فقط بل تخشى ايضاً من الانتقام العشوائي, فداعش تدّعي أنها تحارب للدفاع عن الإسلام السني وتسعى لاستغلال الانقسامات القومية العربية – الكردية مما يجعل جميع العرب السنة تحت طائلة الاشتباه وعادة ما يتم استهدافهم بردود أفعال انتقامية فردية عندما يتم استهداف المدنيين الشيعة والتركمان أو الاكراد بهجمات ارهابية, وعلى النقيض من الشيعة والتركمان فان السنة ليس لديهم ميليشيات محلية لحمايتهم وليس لديهم نفس الثقة في قوات الأمن الرسمية كما للأكراد ولكن البعض منهم يجد مقبولية متزايدة في الأحياء الكردية.
أبو بسام وهو لاجئ سني من تكريت من الذين فروا عندما استولت داعش على المدينة, وجد مع عائلته ملاذاً امناً في الحي الكردي (روناكي) وهو يرفض الكشف عن اسمه الحقيقي لأنه كان عضوا في الجيش العراقي ويخشى من انتقام الجهاديين, وعلى الرغم من شعوره بالامتنان لعثوره على ملاذ آمن الا انه يشعر بالتهميش من قبل السلطات الكردية ويشكو “لم نتلق أي دعم منذ وصولنا إلى هنا” مشيرا إلى صعوبة دفع ثمن الطعام والسكن.
واضاف “لا يمكن ان نعيش في المناطق الشيعية بسبب التوتر القائم” وبنفس الوقت لديه مخاوف من المتعاطفين مع داعش في المناطق السنية لذا فهو لا يشعر بأنه في موضع ترحيب بين شعبه.
ومع استمرار هذه الحرب فان التماسك الاجتماعي في كركوك سيتآكل وإذا ما اندلعت اشتباكات بين القوات الكردية والشيعية فان المدينة ستنقسم بشكل تام ومن شأن ذلك أن يوفر لداعش الطريق الذي به سيعاقب كلا المجموعتين بوحشية.
جيسي روزنفيلد صحفي كندي يعمل في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2007, نشرت كتاباته في صحيفة نيشن, الغارديان, قناة الجزيرة الإنجليزية, لوموند ديبلوماتيك, تورونتو ستار, ناشونال وغيرها.
رابط المصدر: