back to top
المزيد

    الأمل الأكبر لسنة العراق

    دوغلاس اولفنت -موقع ديلي بيست الامريكي

    يمثل رئيس البرلمان العراقي الدكتور الجبوري جيلاً جديداً من القادة السياسيين في العراق, فهل يستطيع مثل هؤلاء القادة إنهاء الصراع الدامي بين السياسيين الأكبر سناً والذي قاد الى تدمير البلد؟

     بغداد – أدى اختطاف شيخ سني بارز وثمانية من مرافقيه وسط العاصمة العراقية في الثالث عشر من شباط الى خلق أزمة لم تتعاف منها الحكومة غير المستقرة بقيادة حيدر العبادي الى حد الآن, ونتج عن ذلك انسحاب الفصائل السنية من تحت قبة البرلمان ،وتحولت جنازة الشيخ قاسم الجنابي الى مظاهرة طائفية ضد الشيعة, وأشار وجهاء شيعة، رداً على الحادث الى أن الشيخ حاول تحشيد أتباعه ضد ما يسمى بالدولة الاسلامية وهذا يشير بأصابع الاتهام نحو داعش.

    مرة أخرى تبدو الحكومة على أنها تُجلد بسياط الصراعات من جهة ،والجمود السياسي من جهة أخرى, وقد تعزى هذه الاخطاء الى نظام دولة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي , إلا أن الحقائق تشير الى أن الخلل له مسببات عدة , فضلاً عن قادة شيعة, وسنة , وأكراد يساهمون في تضعيف النظام السياسي. وكل فصيل سياسي لديه أسوار بنيت على ذاكرة مليئة بالدماء والعداء تجعل أي اتفاق طويل المدى مستحيل التطبيق, حتى عندما يكون الجميع تحت تهديد واضح وصريح من داعش.

    إذا كان هناك أمل، فإنه يقع على عاتق جيل جديد من قادة أكثر اعتدالا بدأ بالظهور على الساحة, هذه الشخصيات لم تكن نتاج حركة المعارضة في المنفى ضد نظام صدام حسين البائد؛ بل كانت تعمل على بناء آرائها إبان تلك الحقبة.

    على العكس من أولئك فهؤلاء القادة يمثلون مصالح ما بعد 2003 متمثلة بنظرة متطلعة جديدة غير متأثرة بضغائن الماضي, وفي الجنوب الشيعي يمثل محافظ كربلاء عقيل الطريحي هذا التوجه, وفي الشمال الكردي يجسد هذا التوجه قوباد طلباني الممثل السابق لحكومة اقليم كردستان المركزية  في الولايات المتحدة ونائب رئيس وزراء حكومة الاقليم , وفي بغداد بينما تتجه الأعين نحو رئيس الوزراء حيدر العبادي ذي التوجه الغربي والناطق باللغة الانكليزية, نجد هناك شخصية سياسية ربما تكون أكثر أهميه في تحديد مستقبل العراق, تتسم بالمعارضة متمثلة برئيس البرلمان العراقي سليم عبد الله الجبوري.

    الجبوري شخصية غير معروفة على الساحة الدولية الى درجة أن صحيفة النيويورك تايمز أشارت إليه في أحدى مقالاتها على أنه عضو برلمان ،(مثلما حدث للمتحدث بسم الكونغرس جون بوهنير والذي تم الاشارة إليه كعضو كونغرس, أو زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل المشار إليه كعضو في مجلس الشيوخ, نعم هم كذلك, ولكن هذا التعريف غير كافٍ).

    حتى الغربيين الذين أمضوا معظم العقد الماضي في العراق لم يلتقوا الجبوري، المحاط بغموض نسبي حتى عام 2010, ولكن الأن بصفته رئيساً للبرلمان أصبح الجبوري ممثلاً- بحكم الأمر الواقع – لكثير من المصالح السنية في السياسة العراقية، وحلّ الجبوري محل وجوه مألوفة بشكل أكثر على الساحة السياسية العراقية, شخصيات قديمة مثل صالح المطلك , وطارق الهاشمي, والإخوة النجيفي أسامة وأثيل, ورئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي (ذو الأصول الشيعية).

    الجبوري ذو الثالثة والاربعين من العمر يعيش في مجتمع يعطي أهمية كبرى للشيب والخبرة, والجبوري هو في الأصل من محافظة ديالى ذات الطوائف المتعددة والمغايرة لمحافظات أخرى، و تمتاز بغالبية سنية كالأنبار وصلاح الدين والموصل, وصرح الجبوري أنه لا يزال يحمل هوى القانون بصفته تدريسياً في جامعة النهرين ببغداد ،والتي كان محاضرا فيها, قام الجبوري ببناء سيرة ذاتية مثيرة للاهتمام.

    وفي بداية مشواره السياسي في عراق ما بعد صدام، كان الجبوري عضوا مخلصا للإخوان المسلمين في العراق والمتمثلين بالحزب الاسلامي العراقي , وخلال هذه الفترة شغل منصب أصغر عضو في لجنة صياغة الدستور في العراق، معارضا للمقاطعة السنية للانتخابات في كانون الثاني 2005، وقي وقت لاحق من العام نفسه فاز الجبوري بمقعد في الانتخابات التشريعية لمجلس النواب العراقي ، وفي 2007 نجى الجبوري من محاولة اغتيال أودت بحياة شقيقيه.

    بدأ المرحلة الثانية من حياته السياسية عام 2010 عندما تم تعيينه في البرلمان (ترشح الجبوري للحصول على مقعد ولكنه لم ينجح في الانتخابات، ولكن تم اختياره كعضو بديل) بعد انشقاقه عن الحزب الاسلامي  أنظم الى القائمة العراقية بقيادة أياد علاوي. ومن ثم تمت ترقيته ليكون رئيساً للجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي, وتوليه لهذا المنصب أدى الى فتح جبهة صراع مع رئيس الوزراء نوري المالكي ولكن هذا المنصب سمح له بفتح اتصال دائم مع المجتمع الدولي لحقوق الإنسان.

    وتتميز المرحلة السياسية الثالثة للجبوري بتقلده لمنصب رئاسة البرلمان. بعد الفوز بمقعد برلماني في انتخابات عام 2014 (نجى الجبوري من محاولة اغتيال أودت بحياة اثنين من حراسه الشخصيين) سرعان ما اتجهت الانظار نحو الجبوري على كونه مرشحاً توافقياً , وعندما تولى الجبوري منصب رئاسة البرلمان كان نوري المالكي لا يزال المرشح الأوفر حظاً لتقلد منصب رئاسة الوزراء, ولأيام عدة ، كان الجبوري مستعدا لصراع دائم مع مكتب رئيس الوزراء ؛ ولكن مع صعود العبادي كرئيس وزراء معتدل ومقبول، سلك الجبوري طريقاً جديداً تحت مسمى المعارضة الموالية لرئيس الوزراء.

    والجبوري المعتدل المزاج صرح انه يفضل تغييراً تدريجياً وليس جذرياً ، مع الأخذ بعين الاعتبار متطلبات منصبه الحالي ، وقال ايضاً : في أغلب الأيام عدد أعضاء البرلمان الحاضرين في المجلس مقارب لأعداد الطلبة في قاعات الجامعة ؛ حيث كان يلقي المحاضرات ،وصرح ايضاً : أنه يبدأ يومه بالتفكير في المواضيع التي سوف يقوم بتدريسها لأعضاء المجلس.

    هذا لا يعني أن رئيس البرلمان لن يشارك في الدفاع عن صلاحيات المؤسسات والدوائر الانتخابية التابعة له كلها.

    ويسعى الجبوري الى اعادة الهيبة لمؤسسة يؤمن أنها- في الماضي – لم تفِ بمتطلباتها الدستورية, ويخطط الى استدعاء الوزراء والمسؤولين التنفيذيين الآخرين للمساءلة عن أعمالهم في البرلمان. و قد دعا البرلمان وزير النفط في تشرين الثاني ، وكبار المسؤولين في الجيش العراقي- في كانون الاول – للأدلاء بشهادتهم.

    وفي الوقت نفسه، أصبح الجبوري الزعيم السياسي الفعلي للعرب السنة في العراق, وشكلت الوفود من الانبار و نينوى وصلاح الدين خطاً مستمراً من التواصل مع مكتب رئيس مجلس النواب, و مخاوف هؤلاء الوفود ومصالحهم سوف تؤخذ بعين الاعتبار عند أي عملية سياسية.

    ورسالة الجبوري لأهل السنة القلقين والمتخوفين “أهدأوا” , ويجب على المواطنين السنة تقبل الحكومة ورفض العنف السياسي (ولكن استخدام العنف في مواجهة داعش هو قانوني ويجب تشجيعه) ويجب على المواطنين السنة الانخراط في النظام السياسي العراقي.

    ويصرُّ الجبوري على أن يُعامل  المواطنين العراقيين جميعهم على قدم المساواة أمام القانون , وهو يريد من الحكومة التحرك بسرعة لتشكيل وحدات الحرس الوطني في المحافظات السنية، وإصلاح قانون اجتثاث البعث، واعلان العفو عن جميع الجرائم السياسية, هذه القضايا كلها ، فضلاً عن القضايا الأخرى التي تسبب المشاكل للشارع السني.

    وعندما سألت الجبوري : إذا كان يجب العفو عن الشخصيات الشيعية المثيرة للجدل مثل المالكي، وباقر جبر الزبيدي، وأحمد الجلبي؟ أجاب بنعم من دون تردد. إذا كان هذا اليقين نابعاً من مراقبة المشهد الدولي لحقوق الإنسان، أو من “الشعور الغريزي” بشأن الحاجة إلى التحرك إلى الأمام، أو من تجربته الشخصية فأي قائد يمكن اتهامه بسهولة اعتماداً على أدلة تحتمل الصواب والخطأ ، وهذا يبدو لي كفرصة  حقيقية لضغط “زر إعادة الضبط” للسياسة العراقية. والتحرك في الأسابيع الأخيرة نحو تمرير مشروع قانون الحرس الوطني وانشاء قوات أمن محلية، وإصلاح قانون اجتثاث البعث وهذا يمثل بادرة أمل جيدة .

    ولكن هل الجبوري معتدل كما يبدو للجميع ؟ أم أن هذا مجرد قناع سياسي مناسب للفترة الحالية ؟ وإلى أي مدى أنتقل بعيداً عن جذوره الإخوانية ؟ هل يمكنه تحويل مكتب ضعيف إلى مكتب قوي ذي سلطة حقيقية ( فهو بعد كل شيء رئيس لبرلمان لا يمثل الأغلبية فيه)؟ وهل سوف يكون قادراً على التغلب على شبابه، في مجتمع يميل إلى رفض هؤلاء الذين هم من دون شيب؟ هل يمكنه التغلب على شخصيته الغامضة ليصبح الرقم الحقيقي في السياسة العراقية؟ هل يستطيع الوقوف في وجه مطالب القوى السنية الخارجية، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا؟

    لا يجوز المبالغة في الحديث والقول: أن مستقبل العراق معلق على أجوبة إيجابية على هذه الأسئلة كلها.

    لا أحد يمكن أن يكون متفائلاً بشأن مستقبل العراق , والمخاطر السياسية حاضرة والمشاعر غير الناضجة متأججة في ديموقراطية هشة, لا أحد يتوهم أن العنف من الجانب الإسلامي السني المتطرف المتمثل بداعش سوف يضمحل قريباً ، حتى لو طُرد من مدن العراق كقوة منظمة .                                         ومن خلال حوارنا مع رئيس البرلمان ومساعديه, أكد الجميع مراراً أن الحكومة لا يمكن أن “تنتمي إلى إيران”، ووجهات النظر المتصارعة بشأن ما يعنيه أن تكون الحكومة التي تهيمن عليها 60 إلى 70 في المئة من الأغلبية العربية الشيعية في العراق ستكون السمة المميزة للخلافات السياسية لسنوات قادمة؛ ولكن رئيس المجلس يظهر عليه أنه أكثر عملياً في التداول بشأن هذه المشكلة -خصوصا – بعد أن زار إيران في كانون الاول.

    وباختصار, هناك أمل في الحكومة العراقية الجديدة, إذ أن كلاً من رئيس مجلس النواب الجبوري، ورئيس الوزراء العبادي يتبنون منهجا أكثر اعتدالاً من سابقيهم ،وهذا سيكون أكثر أهمية في الأيام القادمة.   وفي المقام الأول أن القوات التي تمزق العراق الى اشلاء هي الانفعالات, والعاطفة, والطائفية, والخوف. إن المصالح الأكثر عقلانية ولا سيما الحاجة إلى تقاسم عائدات النفط بشكل عادل ، والبقاء صفا موحدا ضد الدول المجاورة الجشعة (والدول الشبه إرهابية) لا تزل تمثل الغراء الذي يبقي العراق متماسكا.     وإذا كانت القيادة قادرة على البقاء هادئة والمضي قدما مع الاعتراف بالاختلافات بين مكوناتها, سوف يكون هناك سبب للتفاؤل.

    رابط المصدر:

    Iraq’s Great Sunni Hope