«لكل طرفٍ رواية تستند إلى التأريخ، والمظالم المتراكمة وإحساس قوي لكل طرف بحقه. حتى الآن، لا يبدي أي من الطرفين ميلاً لتسوية الصراع سلمي عبر المفاوضات الجادة والمستدامة، إذ يعتقد كل طرف بأن حظوظه في تصاعد، وأن الوقت لصالحه».
المقدمة
إن الجدل الحالي بشأن تخصيصات الموازنة الاتحادية العامة العراقية للعام 2019 -التي منحت حصة لإقليم كردستان من الموازنة الاتحادية مقابل منح حكومة المركز 250 ألف برميل في اليوم لصادرات النفط الاتحادية- له أصداء تعود إلى أول صراع حدث في نيسان عام 2012 بشأن القضية نفسها. وإن الاقتباس أعلاه الذي أخذ من تقرير مجموعة الأزمات الدولية (IGC) -في وصفها للعلاقة بين الجانبين المؤديين إلى هذا النزاع- ينطبق اليوم كما كان في السابق، وعلى العديد من النزاعات المماثلة.
لقد بدأ النزاع الحالي من أعضاء البرلمان الاتحادي ضد الحكومة العراقية بسبب المبالغ المدفوعة باستمرار لحكومة إقليم كردستان، بموجب بنود موازنة 2019، في حين أن حكومة إقليم كردستان لم توفِ بالتزاماتها أو رفضها على وفق شروط الموازنة نفسها. وقد اتبع كل من سياسيي المركز والإقليم المسار نفسه الذي أدّى إلى صراعات لا حصر لها بشأن هذه القضية وغيرها منذ عام 2003. ويتغاضى كل جانب عن احتياجات الجانب الآخر ودوافعه. وفي حين عدم حدوث شيء يكسر النمط بتدخل أصحاب المصلحة الدوليين في العراق، أو بتغيير توازن القوة النسبية بين الجهتين، فإن كلا الطرفين سيواصل التفكير والتصرف بالطريقة نفسها التي تصرف بها كل منهما في الماضي، مع استمرارهما بتوقع نتائج مختلفة للصراع أو استجابة مختلفة من الجانب الآخر.
إن الأدبيات عن تأريخ الدولة العراقية وتطلعات الكرد العراقيين غنية في التحليلات السياسية والاجتماعية لقوى الطرد المركزية القوية المتجذرة في رغبات الكرد في الاستقلال، أو على الأقل في حصولهم على الحكم الذاتي مقابل قوى الجاذبية المركزية المتساوية في القوة للسلطة المركزية في العراق لخلق دولة موحدة. إلا أنه نادراً ما تنظر هذه الدراسات في الحقائق الاقتصادية أو تبحث في الأسس الاقتصادية لأي من جانبي الصراع. وكان ذلك واضحاً في الأحداث التي أدت إلى استفتاء الاستقلال عام 2017، إذ فشل مؤسسو تلك الحركة ومؤيدوهم الدوليون في وضع هذه الأسس بالحسبان.
لقد أدّى تجاهل الأسس الاقتصادية لكلا طرفي النزاع فيما يخص بالحصول على حصة من الموازنة الاتحادية مقابل صادرات النفط إلى انهيار حتمي لجميع الاتفاقات السابقة. إن هذا الفشل في المفاوضات هو الذي سبب في الماضي صياغة اتفاقات واعتمادها على الرغم من أنها غير قابلة للتطبيق، وهي غير مفيدة للطرفين، ولا يمكن تنفيذها أو استمراريتها؛ وتؤدي في النهاية إلى سلسلة من الاتهامات المتبادلة بشأن فشل هذه الاتفاقات.
يستعرض هذا البحث الحالة المالية لحكومة إقليم كردستان لعامي 2019 و2020 مع مراعاة صادراتها من النفط ونفقاتها، وكذلك نصيبها من الموازنة الاتحادية وتحويلات الرواتب الفيدرالية منذ آذار 2018. واستنتج هذا البحث أن الجدل الراهن يخطئ في بعض الحقائق الاقتصادية الرئيسة، وأن على الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان الشروع في إعادة صياغة شاملة للعلاقة بينهما ومشاركة كل طرف في الموازنة الاتحادية. ويجب أن تتم إعادة الصياغة على نحوٍ تجعل كلا الطرفين يعتقدان أن فوائد العلاقة الجديدة تفوق بكثير فوائد انعدام وجودها.
هناك حاجة إلى أن يكون لدى كلا الطرفين نظرة جديدة، وأصحاب المصلحة الدوليين في العراق كذلك، كي تعاد صياغة العلاقة بين الطرفين. ويستلزم ذلك أن تأخذ الحكومة العراقية في الحسبان ديناميكيات المنطقة ونفقاتها وسير عملها الحالي؛ بينما سيتطلب من جانب حكومة إقليم كردستان إدراكاً بعدم تمكنها من العمل كدولة منفصلة وإنشاء بنية تحتية خاصة بها وفي الوقت نفسه المطالبة بحصتها من الموازنة الاتحادية في غياب أو تجاوز مساهماتها في الموازنة المذكورة. إن الاستقلال التام والاعتماد فقط على مواردها الخاصة يعني قبول رخاء اقتصادي أقل بكثير مما كان لشعبها.
استعان هذا البحث بتقارير شركة Deloitte حول إنتاج النفط في إقليم كردستان وتصديره واستهلاكه وإيراداته لعامي 2017، و2018 ، وستستخدم هذه التقارير لتقدير ديناميكيات تمويل حكومة إقليم كردستان وتوضيحها لعامي 2019، و2020.